جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك
محمد نور إسلامنقد

تمثلات الصورة الفنية في قصيدة "تحديق في مرايا الحدس" للشاعرة " آية رزايقية"

 

تمثلات الصورة الفنية في قصيدة "تحديق في مرايا الحدس" للشاعرة " آية رزايقية"

بقلم الأستاذ الشاعر محمد نور إسلام


 أولا: القصيدة

أنا للنازفين أسى رسول

بعثت بآية المعنى نبيّا

أنا دخان ماء قد تجلى

وملح النيل يورق في يديّا

فيصلبني الحواريون عمدا !!

وفي حجر المجاز أعود حيّا.

وقلبي قد توسد حدسه فالرؤى

  كشفت له الآتي جليّا

أهز بجذع ناياتي فتساقط

الأنوار في كفي مليّا

فدافنشي يلقف دهشتي

 في بياض الجرح

يشكلني سويّا

وديكارت يلقنني شكوكا

وأشجار الضباب تعيش فيّا

فيا يعقوب لا تأمن وعودا

سيأتيك القميص غدا بكيّا

ثانيا: الدراسة

   مِن أهم الركائز الأسلوبية التي يعتمد عليها الشاعر في  تبيان حالته الشعورية " الصورة الفنية" لأنها أبعد تأثيرا في المتلقي و أقرب تعبيرا عن الأنا الشاعرة و أقرب إقناعا و أشد جمالا، و من أهم الصور الفنية التي اعتمدت عليها الشاعرة  "آية رزايقية" في قصيدتها " تحديق في مرايا الحدس" ؛

الإستعارة: و هي من أهم الصور الفنية التي يقوم عليها الشعر قديما و حديثا حيث تجعل المعنى قويا و تقربه إلى الأذهان و تقر به العينان خاصة إذا وقعت موقعها و أخذت مكانها المناسب، و نلاحظ أن الشاعرة وظفت الكثير من التعابير الإستعارية التي تخدم الجمال النصي و تعمق دلالاته و تكسبه جمالا و حسنا و من هذه التعابير أو الصور الإستعارية قولها في عجز البيت الثاني :

(و ملح النيل يورق في يديا )؛ حيث شبهت الشاعرة "ملح النيل" بالشجرة و ذكرت المشبة(ملح النيل) و حذفت المشبه به( الشجرة) و تركت شيئا من لوازمه (يورق) على سبيل الإستعارة المكنية، و أين يورق هذا الملح؟ حسب قول الشاعرة " يورق في يديا" فقد شبهت يديها بالأرض حيث ذكرت المشبه(يديا) و حذفت المشبه به( الأرض) و تركت ما يدل عليه (يورق ) على سبيل الإستعارة المكنية، ففي هذا العجز استعارة مزدوجة مكثفة للمعنى المتصور المعبر عن الحالة النفسية للشاعرة و نعود هنا إلى الإستعارة الأولى  (ملح النيل يورق) فالنيل يدل على الحياة و الخير و النماء و الحضارة أما الملح هنا فهو شكل مضاد لهذه الحياة و الخير و النماء و الحضارة و كأن الشاعرة تعبر عن موت بحجم هذه الحياة و شر بحجم الخير الذي يحويه النيل و جهلا و تخلفا بحجم تقدم الحضارة و تطورها و مما لدينا في المثل الشعبي "حتى ينوَّر الملح و حتّى يشيب لغراب" من تعبير عن المستحيل الذي لا يمكن أن يحدث لذلك فالشاعرة في هذا البيت متشائمة فعبارة (ملح يورق) كعبارة المثل الشعبي (ينوّر الملح) و بالفصحى (حتى يزهر الملح) و الملح لا يزهر و لا يورق و لا الغراب يشيب.

       و يبتعد قليلا هذا التشاؤم في البيت الثالث حيث استعارت الشاعرة قصة سيدنا عيسى و أسقطتها على ذاتها عندما أرادوا صلبه و تأكدوا أن قد صلبوه و لكنه صعد إلى السماء فلم يصلب و لم يمت في قولها :

فيصلبني الحواريونٌ عمْدا !!

                       وفي حجْرِ المجازِ أعودُ حيّا

فقد شبهت نفسها بنبي يصلب و ذكرت المشبه المتمثل في الضمير يصلب(ني) و حذفت المشبه به ( النبي) الذي يدل على حسن الخلق و جمال السريرة و نقاء القلب على سبيل الإستعارة المكنية الدالة على تجربتها الشعرية الصادقة و نلاحظ في نفس الشطر( ويصلبتي الحواريون عمدا) أنها شبهت القوم الذين  يقتلون الإبداع و الرؤى و الثقافة و العلم بالحواريين  حيث حذفت المشبه ( هؤلاء القوم ) و صرحت بالمشبه به ( الحواريون) على سبيل الإستعارة التصريحية و هنا نلاحظ التمازج الإستعاري المكثف رغم الإختلاف النوعي.

    و كما صعد سيدنا عيسى إلى السماء و كان حيا تقول الشاعرة بثقة كبيرة (و في حجْر المجاز أعود حيا) ؛ حيث شبهت المجاز بامرأة حيث ذكرت المشبه (المجاز) و حذفت المشبه به ( المرأة) و تركت قرينة دالة عليها (حجر) 

على سبيل الإستعارة المكنية ..حيث تضع هذه المرأة  "الشاعرة" في حجرها لتعتني بها و تنفخ فيها روح الشعر و هذه المرأة هي القصيدة التي مثلت لها الشاعرة بعلاقة مجازية جزئية (المجاز).

      تزخر القصيدة باستعارات كثيرة متداخلة و متشعبة و مكثفة و هذا ما نلمحه فيها.

  الكناية : هي من الصور الفنية التي تميز الإبداع الأدبي و تدل على عبقرية فذة بين المعنى القريب الغير المقصود و المعنى البعيد المقصود ، لم ننته بعد من عجز البيت الثاني الذي تداخلت فيه الإستعارة بالإستعارة فكانت مزدوجة و هذا التداخل لا يعني نفاد الصورة فإن كثافة البيان في ابداع الشاعرة يؤدي إلى وجود عدد هائل من الصور البيانية في شطر وحيد و من هنا ننتقل إلى الكناية في قول الشاعرة (ملح يورق ) فالمعنى القريب أن ينبت الملح ورقا و هذا غير ممكن أبدا ما يحيلنا إلى المعنى البعيد المقصود و هو المستحيل و لا شيء غير المستحيل.

التشبيه: هو المماثلة حيث يعتمد عليه الشاعر كان المشبه به قريبا أو بعيدا مما يؤدي تأكيد المعنى و توضيحه و ايجاز اللفظ و حسن التصوير و قد وظفت الشاعرة هذا اللون من التصوير و هذا ما نجده في قولها :

(أنا للنازفين أسى رسول) شبهت الشاعرة في مطلع القصيدة أساها بأسى رسول حيث ذكرت المشبه (أنا) و المشبه به (أسى رسول) ؛ جسد هذا التشبيه البليغ الألم الذي يحيط  بالشاعرة  و قد ماثلته بألم رسول فما أشد ما يلقى الرسل و الأنبياء من معاناة و قد لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم أشد أذى و أكبر معاناة.

    و في قولها (أنا دخان ماء قد تجلى) شبهت الشاعرة نفسها بدخان ماء حيث ذكرت المشبه (أنا) و المشبه به (دخان ماء) و وجه الشبه (تجلى) و في هذا "التشبيه المؤكد" شبهت ذاتها بالماء مما يدل على الصفاء و النقاء  و من المتعارف عليه علميا أن بخار الماء يصعد من الأرض إلى السماء ثم يعود إلى الأرض في شكل غيث ينفع الخلق و الماء الساخن يصعد بخارا ثم يعود إلى الأرض باردا كذلك شعور الشاعرة وانفعالها الذي يلد القصيدة المسافرة في سماء الرؤى لتصبّ من هذه السماء جمالا و حسنا و إبداعا مرهفا تحس به كل نفس انسانية و تدرك لوعته.

   عموما القصيدة حافلة بالصور الفنية المتداخلة و المتشابكة فيما بينها و قد عبرت هذه الصور الفنية على عبقرية فذة حيث وفقت الشاعرة في خلق جو فني جمالي واستطاعت التعبير عن مكنوناتها النفسية عبر طاقات تعبيرية هائلة جادت بها قريحتها.

بقلم الأستاذ الشاعر محمد نور إسلام


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *