جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك
محمد نور إسلامنقد

البنية الإيقاعية في قصيدة "أصداء حزن" للشاعر "ياسين يحيى"

 

البنية الإيقاعية في قصيدة "أصداء حزن" للشاعر "ياسين يحيى"

بقلم الأستاذ الشاعر محمد نور إسلام

 


أولا: القصيدة

مـالي أفــتِّش عـــن قلبي وأحــبابي

على اعـتيادي بدمعٍ رَهـنَ تَســكَابِ

لم يبق بي طلل أحيي ملامحـــه

في دوحة القلب فاتركني وأنخابي

أَترَعْتُ كاسَاتِ وَجْدِي لَافِظًا هَوَسِي

والشِّعر أوثَقُ من يرضى بإعجــابِ

ويوسُفُ الـ يحملُ الإخلَاصَ مُنتَظِرٌ

ريحَ القميصِ على يعقوب بالــباب

لولا زُلَيــخةُ ما ضاعـــت حكايتُهُ

في وَشْيِ نسْوَتِها أو أُذْنِ بَــــــوَّابِ

وهْي التي أَمَّنَتْ رَبَّ الجَمَـــالِ عَلَى

كُلِّ المعاني ولم تَحْــــفَل بِحُجَّابِ

اللَّهُ رَبَّــــى قُلُوبَ العَاشِقِينَ بِـــــهِ

وطَهَّــرَ الحُبَّ مِن قَامُوسِهِ النَّابِِي

كَم ضَيَّعَــت نِرجِسٌ قَلْبًا لها سَلَفًا

بَينَ المُحِبِّينَ في منظُومَةِ الغَابِ

وأرسَلَت شَعرَهَا للذئـبِ ناظِــــرَةً

لِمَا يَقُــولُ وكم سارت بأثــــوابِ

لو كـــان للذِّئبِ يومًا دينُ مَرْحَمَةٍ

لَشَـيَّدَ العِشْقَ مِحرابًــــا لِتَــــوَّابِ

لا تَأمَنِيـــهِ وهل في الغابِ غَيرُ فَتًى

يَســعى على قَـدَرٍ فِي دَوْرِ حَـــطّابِ

سُــمُّ الأوَانِــي ولا سُمُّ المَحَبَّةِ في

حِسٍّ تَيَتَّـــمَ في ألفَــــاظِ كَذَّابِ

يبنيكِ قَنطَرَةَ الأشــــجانِ ثُمَّ غَدًا

يرميكِ منكِ إلى تَرحابِ أنيــــابِ

أنتِ التي نبتت في الحسن سنبلةً

ظلَّت تصون بَهَاها بيــــنَ أترابِ

تظنُّ لو أنَّ يومًا جاءها رَجُــــلٌ

تنسى المياهَ ولم تذبُـــل كأعشَابِ

من صــاغ فِيكِ على ظَنٍّ نبوءَتَهُ

ظنُّوهُ فِيكِ رمَــى سَهْمًا بأنصـَابِ

ما كان هذا النَّبِيُّ الشِّعرُ غير رؤًى

زان الخليـــلُ مداها قبلَ زرياب

فاستَلهَم الكونُ من تِيهِ القُلُوبِ لُغًى

وهَدهَـــدَ الرَّمزُ في الأشعار من قابِ

إني لأرقُبُ لطفَ الله في زمَــــنٍ

عفَّت به الرِّيمُ أن تُهـــدَى لِخُطَّابِ

أن يرفَعَ القدَرَ الآسِــي ويُبــدِلَنَـــا

منهُ اليسارَ الذي ولَّى لأحقَــــابِ

حتَّى تغيضَ جفُوني بعدما شرِبَت

مِلحًا مــرارَتُـهُ ذابت بـأهــدَابِي

ثانيا: الدراسة

الموسيقى الخارجية:

البحر:

  ارتكز الشاعر "ياسين يحيى" في قصيدته" أصداء حزن" على مدار 21 بيتا على موسيقى بحر البسيط الذي يمتاز ببساطته و طلاوته و الذي يخلق جوا من الإيقاع المتناسب مع الحالة الشعورية للشاعر ،  و يعد "بحر البسيط" من أهم البحور الشعرية التي حفل بها الشعر العربي منذ العصر الجاهلي إلى يومنا هذا و قد سمي بالبسيط لانبساط أسبابه و قيل لانبساط الحركات في عروضه و ضربه، يرد هذا البحر مجزوءا و تاما أما في هذه القصيدة " أصداء الحزن" فقد ورد تاما بتفعيلاته ( مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن) في كل شطر و بدائلها ( مستفعلن فعِلنْ مستفعلن فعْلُنْ)  و يظهر هذا في تقطيع أحد الأبيات:

لم يبق بي طلل أحيي ملامحـــه

لم يلق بي   طللن     أحيي ملا    محهو

ا٥ا٥اا٥        ااا٥         ا٥ا٥اا٥         اااه

مستفعلن    فعلن       مستفعلن    فعلن

في دوحة القلب فاتركني وأنخابي

في دوحةلْ   قلب فاتْ    ركْني و أن       خابي

ا٥ا٥اا٥           ا٥اا٥           ا٥ا٥اا٥             ا٥ا٥

مستفعلن      فاعلن         مستفعلن         فعْلُنْ

    و من أول عتبات النص (العنوان) "أصداء الحزن" نلاحظ أن الشاعر قد اختار لإبراز شعوره و عواطفه الحزينة وانفعالاته الصادقة هذا البحر لما يتلاءم و يتناسب مع الحالة الشعورية و التجربة الشعرية.

القافية: يرى العروضيون أن للقافية دورا مهما من ناحية الإيقاع حيث تؤدي وظيفة جمالية موسيقية و قد سميت القافية بهذه التسمية لأنها تقفو البيت الشعري بمعنى تأتي في نهايته، و هي من أهم عناصر الإيقاع و تتمثل في آخر ساكنين قبلهما متحرك و قد تأتي على أشكال عديدة ؛ (ا٥ا٥)، (ا٥اا٥)، (اا٥ا٥)، (ا٥ااا٥)...

و مما نلاحظ أن قافية بحر البسيط التام تأتي على الشكل (ا٥ااا٥) و بما أن الشاعر جعل آخر تفعيلة (فَعْلُنْ) في كامل الأبيات بدل (فَعِلُنْ) فقد كانت القافية بهذا الشكل ( ا٥ا٥)المسماة عند العروضيين ب" المتواتر" ؛ كابي(ا٥ا٥)، خابي(ا٥ا٥)، وابي(ا٥ا٥) ،طابي(ا٥ا٥) مما جعلت الشاعر يعبر عن مكنوناته النفسية بحرية تامة عبر هذه القافية التي تطرب لها الأذن و يهتز لها السمع.

و بما أننا تعرضنا للقافية التي مثلت "ضرب"الأبيات و ما لها من تأثير و دور مهم في صب احساسات الشاعر يجب التنبيه على أثر بعض حروفها في تجسيد أهات الشاعر و آلامه ؛

الروي: هو الحرف الذي تبنى عليه القصيدة و يسمى باسمها فنقول " قصيدة ميمية" و قصيدة بائية" و "قصيدة عينية" و قصيدة...، و قد اختار الشاعر " ياسين يحيى" حرف الباء حيث عليه بنى قصيدته و هو حرف مجهور قوي مخرجه من الشفتين مع انطباقهما و يصور تكرار هذا الروي على مدار (21) بيتا على مدى حزن الشاعر و تصاعد انفعالاته التي عبر عنها بهذا الروي المجهور فالجهر أنسب للتعبير عن وجد الشاعر و إحساسه القوي الذي أراد أن ينقله إلى المتلقي بهذه القوة و هذا الإندفاع و كان الروي "مطلقا"  غير مقيد مما يعطي حرية التعبير للشاعر عن مشاعره و تبرز حركة الجر في الروي بِ ..بِ.. بِ دلالات انكسار الذات الشاعرة المحلقة في الماوراء عند اصطدامها بالواقع.

الوصل: هو حرف مدٍّ ينشأ عن إشباع الحركة في آخر الروي المطلق، و تمثل الوصل في هذه القصيدة في مد حرف الروي (الباء) المكسورة و يدل الوصل المتكرر في هذه الأبيات المتمثل في حرف الياء بعد الروي (الباء) ؛ بي، بي، بي عبر ايقاع القصيدة على عمق الشعور.

الردف: و هو الحرف الذي قبل الروي مباشرة و يكون من حروف المد الثلاث (ألف، واو، ياء) و نلاحظ أن حرف الردف الذي تواصل استعماله في كامل أبيات القصيدة أثر أيما تأثير في تصعيد آهات الشاعر و ساعده على التعبير عنها و جعل المتلقي يشارك الشاعر في احساساته و خلجات نفسه.

   لقد أبدع الشاعر في اختيار البحر المركب بين تفعيلتي (مستفعلن و فعلن ) و هذا المزج يعكس لنا صورة القلق و الإضطراب و عدم الاستقرار على مشاعر معينة بين (الحزن  و الأسى و الوجد  و المحبة و الشوق )   و ما تبع البحر  من عناصر ايقاعية لنسيجه اللغوي المكثف بالمشاعر الصادقة و الأحزان المتسلطة على الذات الشاعرة مما يوحي بعبقرية الإختيار للموسيقى المناسبة للتجربة الشعرية التي بدورها تؤثر في المتلقي و تجعله يتابع إحساسات الشاعر من البداية إلى النهاية دون كلل و دون ملل.

الموسيقى الداخلية:

    هذا الإبداع في هذه القصيدة لم يكن على مستوى الموسيقى الخارجية فحسب بل تعدى ذلك إلى مستوى اختيار الأصوات التي تعبر عن بقوة عن قدرة الشاعر على اختيار الأنسب من الأصوات التي تعبر بعمق و تؤثر في المتلقي  ؛

التصريع :  لا يفوتنا التنبيه على النغمة الموسيقية المتمثلة في التصريع التي تثير انتباه المتلقي من أول وهلة و تشد أذنه إلى ما يأتي بعدها و قد استعمل الشعراء القدامى التصريع و كان الشاعر المبدع المجيد لا يتركه أبدا لما له من تأثير و لا زال هذا الإستعمال إلى هذا اليوم و المطلع خير دليل على ذلك حيث يقول الشاعر :

مـالي أفــتِّش عـــن قلبي وأحــبابي

                               على اعـتيادي بدمعٍ رَهـنَ تَســكَابِ

  مما يدل على أصالة الشاعر و تأثره بمن سبقوه في بناء مطلع القصيدة المحكم الإيقاع.

الأصوات المجهورة و المهموسة :

    من المستويات المهمة التي تهتم بها المقاربة الأسلوبية   للنص الأدبي "المستوى الصوتي" فانسجام الأصوات في وضع جمالي له أثر سمعي معين ، و قد قسم علماء الأصوات الحروف بين مهموس و مجهور فالمهموس محصور في :

(فحثه شخص سكت) و المجهور في ( عظم قارئ وزن ذي غص جد طلب).

      و من خلال الإحصاء الذي تم القيام به على كامل حروف  هذه القصيدة كان تكرار الحروف على هذا الشكل:

الحروف المجهورة: العين( 20 مرة) ، الظاء(7 مرات)، (الميم46 مرة) ، ( الواو28 مرة)، (الزايfourمرات)، (النون39 مرة) ، (القاف16 مرة)، الألف(98 مرة) ، (الراء30مرة)، (الذالfive مرات)، (الياء56مرة)، (الغين5مرات)، (الضاد4مرات)، (الجيمthreeمرات)، (الدال 13مرة)، (الطادthreeمرات)، (اللامforty sixمرة)، (الباء58مرة منها 21 حرف روي).

الحروف المهموسة: (الفاء 7مرات)، (الحاء18 مرة) ، (الثاء four مرات)، (الهاء30مرة) ، (الشين10مرات)، (الخاءthree مرات)، (الصاد5 مرات)، (السين20مرة)، (الكاف12مرة)، (التاءforty sevenمرة).

    من خلال هذا الإحصاء في الحروف المجهورة و الحروف المهموسة التي شكلت الموسيقى الداخلية للقصيدة نلاحظ أن هذا التنوع بين الجهر و الهمس لعب دورا هاما في انشاء موسقى بطيئة و أخرى سريعة و من خلال الأرقام التي تمثل عدد تكرار الحروف تبين أن عدد الحروف المجهورة بعد عملية حسابية هو(484حرف) بينما الحروف المهموسة عددها(156حرف) و هذا التباين له دلالته ؛ فالأصوات المجهورة تتميز بحركة قوية تبرز حالة الشاعر النفسية المشحونة بالحزن و القلق و الرفض و اللوم.

   أكثر الحروف تكرارا في القصيدة (الألف98مرة) حيث احتل المرتبة الأولى من حيث التكرار ثم يعقبه (حرف الباءninety five مرة) في المرتبة الثانية و في المرتبة الثالثة نجد (حرف الياء56مرة) أما المرتبة الرابعة فمن حظ (حرف الميمforty sixمرة و حرف اللامforty six مرة أي نفس العدد) ؛ و توظيف هذه الحروف لم يأتي اعتباطا فكل حرف له جرس موسيقي يختلف عن الحرف الآخر و له دلالة خاصة به و توظيف الشاعر لهذه الحروف بناءً لحملها دلالات مركزية في النص  مثل : الحزن، اللوم، الغضب، الحسرة و لصفة الجهر دلالة عميقة حيث يجهر الشاعر بمدى تأسيه لما يبحث عن أحبابه و مدى شوقه كشوق يعقوب إلى ريح يوسف و مدى لومه و عتابه و نصحه لضمير المؤنث من سطوة الذئب مبرزا حجته في ذلك .

و هذا لا يعني أن حروف الهمس لا دور لها فقد تكررت التاء(forty sevenمرة) و (الهاء30مرة ) و السين (20 مرة) و الحاء(18مرة) فقد جاءت هذه الحروف لتساند الحروف المجهورة في حمل معاني الحرن و الأسى و الحنين إلى حاضر متوج بالجمال كذلك الماضي الخلاب الذي في نقش في ذاكرة الشاعر


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *