جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك
إلهام الجادريعبد الرؤوف بوفتحنقد

دراسة نقدية : ( ثنائية الفرح والحزن في شعر "" ) بقلم الدكتورة :إلهام الجادري

 

دراسة نقدية :

( ثنائية الفرح والحزن في شعر "عبد الرؤوف بو فتح" )  بقلم الدكتورة :إلهام الجادري :اعلامية/ استاذة بالجامعة المستنصرية / بغداد.

     


الفرح والحزن ثنائية إنسانية حتمية، والشاعر كونه الإنسان المعبر بالبوح الذاتي عبر الكلمات وهو من يناغي جوارح الآخر ، لذلك تنجح هذه الثنائية بتجلياتها في النص الشعري لكي يولد الإبداع وينصهر النص مع الإنسان، يقول شكسبير :

- (لا يبدع الفيلسوف ولا الشاعر ولا الأديب بالفرح ولا بالاحتفاء بالوجود بل يبدعون بالحزن) ..

كل شاعر تتوغل هذه الثنائية بين ثنايا طروحاته الشعرية، فالشعر كما نعلم رسالة إنسان تنسج خيوطها في نصوص الفكرة، والشاعر بالتأكيد هو نتاج بيئته وهو فحواها ورسالتها الفرحة حينها والحزينة حينا آخر .

" عبد الرؤوف بوفتح"  ككل الشعراء العرب في البلدان العربية يعيش تناقضات وازدواجيات الشعوب، فكل شاعر من منصته يدلي بصوت الوطن ويخاطب احزانه وأفراحه متصارعاً مع هويته ومعبرا عن ذاته المجهولة، وهذا ما وجدناه في شعر "بو فتح"  الشاعر التونسي، دوماً ما نصه الحزين يتخاذل ليخرج إلى مسحة الفرح لذلك تعتلي نصوصه هذه التناقضات لأنه يرسم بين كل حزن وروداً وعصافير وأشجار هذا ما يعكس بيئته كفلاح تعايش مع فرح الطبيعة وحزن الشاعر المرهف أزاء كل ما تحمله الحياة من أوجاع وتفاصيل لايهتم بها سوى الشاعر . فالنقاد عادة ما يسلطون الضوء على قيمة المشاعر وكيف يتلقفها المتلقي كمتأثر بالنص.

فبحسب التقنيات الشعرية لا يخرج النص مكتملاً إذا كان غائب المصداقية لذلك كانت من أهم شروط بناء القصيدة القديمة عند النقاد القدامى هو صدق التجربة، حتى يأخذ الناقد تحليل التجربة الشعرية ضمن هذه الشروط فكلما صدقت تجربة الشاعر كلما وصلت الفكرة للمتلقي وكان التأثر والبقاء للنص، وتوج بصفة الصدق والحقيقة وهذا ما لُمس في قصائد الشاعر التونسي: عبد الرؤوف

 بو فتح " :

 مع كل حين...

أحلام يونس

أحلام الطوفان

أقول: بالتأكيد....

 أخشاب كل الغابات

لا تصنع قارب الحياة

أقول:

ارْضَ بالسهل في الإيمان

العصافير...

أجمل المخلوقات حلماً

إنها ...

الأبقى

الأنقى جناحاً

تزداد فرحاً

كل صباح رزقها في حبة قمح

تحت أقدام العابرين

بين شقوق الجدران

...

 حين تغني لا تعرف الكتمان

.....

يا وحدي مثل زهرة قطن

أخذتها الريح بعيداً

التي تناديها لن تصل إليها...

لن يجدي صراخك في الصحراء....

التي تناديها لن تسرح شعرها بالليل

لن تقص عليها عطش الطين أوجاع مالك الحزين....

يصرح النص عن ذات الشاعر بتجربة تنتزع منه القدرة على تمرير الوجع لكن النص ساعده على الهذيان والرسم بين خبايا الحزن اختلاجات سحر الطبيعة التي تخفف من وطأة العتمة فالألفاظ (أحلام يونس، أخشاب الغابات، وقارب الحياة، ولا تصنع) موغلة باليأس من عدم القدرة على تحقيق الحلم، واليأس من الوصول بقارب الغاب، لينتقل إلى العصافير التي من شأنها أن تضفي للنص نوعاً من الراحة والأمل ، ولكن الشاعر لون بها طبيعته السحرية في العالم المثالي وهو عالم الغاب بحسب عالم المثل الأفلاطوني ليحقق الحياة والسعادة والأمان، لكن الشاعر جسد صورة العصفور بحتمية الضعف رغم إنه يغني داخل النص وفي عالم الغاب، فالألفاظ هنا (أجمل المخلوقات حلماً ،الأنقى ، حين تغني، ولا تعرف الكتمان ، فرحاً، صباح) هذه الألفاظ والعبارات، كما ذكرت ساعدت على تلوين النص بالحياة فالعصفور يغني ليضفي البهجة، فصورته الغنائية في المتخيل الجمالي تعطي فسحة من السعادة، إلا أن الشاعر يصر على أن يبث مع العصافير عدم القدرة إلى اكتمال الفرح رغم الألفاظ التي زرعها في النص، وهي تمثل أيضاً في ذات الوقت أنشودة البوح والتعبير عن الوجع والفرح فهي تغريده إلهية قامت نيابة عن الشاعر بتمرير الحزن المغلف بالفرح،  وينقلك بمباغتة هادئة بقوله (يا وحدي) فهو يعيش حزنه الذاتي بوحدة الشاعر الذي يلاقي حروفه فيكتفي بالحبيبة الضائعة البعيدة التي لا يمكنه الوصول إليها، فهي تسكن المخيال وتصافح الوحدة، فالعدمية مع الحبيبة التي لن يصل إليها ، تساوي صراخه في الصحراء الذي لن يجدي نفعاً، ولا بد منه، كي يساوي أوجاعه بقوله بلفظة الحزن (أوجاع مالك الحزين).

وفي نص آخر يطول الحزن لمئات السنين ويتجاوز حياة الشاعر فيعترف هو:

وإن طال حزني مئات السنين....

وهل يجب السهو،

عما سلف

لابد أن اعترف

-ليعتذر القلب-لا

....

لماذا تبدل الوقت

صار المحب غراباً

وصار الذي ينثر القمح للناس

أضحوكة للقرنفل...

في علائقية التناقضات في الحياة، ومفارقاتها المترنحة على الاستهزاء بالحقيقة، وتشظي الإنسان بمرارة الألم تحت أجنحة الظلم البشري ، فكل شيء يتبدل عند الشاعر، شاعرنا هنا ناقد فيلسوف للحياة ومقاييسها الخائنة ففي ألفاظه (صار المحب غراباً، الذي ينثر القمح للناس، أضحوكة للقرنفل) هذه الألفاظ تجنح بعمق غربة الشاعر وتعمق الحقائق المشوهة في الحياة، فكل شيء جميل صار مبتذلاً للناس مثل نكران الحب الذي يحال إلى غراب، وناثر القمح الذي يمثل رمزية العطاء والنفع يصير أضحوكة للقرنفل، تجسد مشاعر الشاعر هنا أزمة من الخذلان وكم الألم والحزن الذي يواجهه الإنسان وهو يقابل وحشية الآخر وامتصاصاً للذات بسخرية الحياة ومن يمتثلون أمامها بهزل، كل ما تقدم هو تجسيد لواقع يستنفر الكاتب، فالمتلقي يتلقف الصور الساخرة ويتصيد عمق تلك العبارة بسلاسة لكنها تبعث الحزن على العالم المقلوب.


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *