فن الارتجال
العقيد بن دحو
بالغالب الاعم هي مصطلح كلمة درامية ، يتداولها الكثير
من رواد فن المسرح الفردي او الجماعي . وهو كلام او حديث او دور يؤديه الممثل دون
ان يكون في الحسبان لظروف خاصة .
او كما قال الفنان بيكاسو : الفنان دوما يحسب حسابا دون
ان يدري .
البشر عموما تمارس هذا النوع من الكلام ، كحوار ، و
كاللجوء الى حجج الاقناع ، و التدليل ، و مختلف الاسنادات الاخرى ، بغية التاثير :
كان يعلم ، او يمتع ، او يهز....!
وقد نجد هذا النوع من الكلام ، غير معد له سلفا في
الكثير من مظاهر حياتنا اليومية : بالاسواق ، بالمدارس ، بالجامعات و اخبار
الاعلام و السياسة و رجال الدين.
الا انه من اصعب الادوار التي قد يؤديها المرء في حياته
، عندما يوضع في موقف مفاحئ ، لم يخطر على باله ، و لم يحضر له سلفا ، لا نفسيا و
لا اجتماعيا و لا ثقاقيا . و مع ذلك يقوم (المرتجل) بلعب دوره كما يجب ان يكون ؛ و
كما ينبغي له ان يكون ؛ حضور بديهة ، لفظا ، لحظا و اشارة.
ولرب صدفة خير من الف ميعاد .
يبدو بالظاهر ان المضطر الى هذا النوع من الخطاب او
الحوار غير مستعد ، و لم يتلقى عليه
دوريات ورشات مراس او تدريب او مداومات . غير ان كونه اجتماعي ، و يتلقى يوميا
العديد من الاشخاص و الحالات مكنته من اطلاع واسع ، و على اكتساب خبرات في علم و فن الارتجال ، و كذا
المناجاة اليومية التي يمارسها طبعا و تطبعا كحوار داخلي مع نفسه في صمت هو نفسه
ذاك الحوار الذي اجراه مع الاخرين و استطاع ان يؤثر فيهم.
لا يوجد حظ عند العالم البيولوجي ( باستور) الحظ عنده :
" يحالف الذهن المستعد " .
و لان الشخصية العامة الكاريزماتية ، شخصية دائمة الحضور
ذهنيا ة سيكولوحيا اكثر منه بدنيا . هو الشخص الذي يضع اكثر من احتمال لما هو عازم
القيام به ، ان يضع نفسه بنفسه دوما في حالة (رائز) ، في حالة امتحان ، هو الممتحن
و هو المجيب و هو المصحح و هو من يعلن النتيجة ايضا. بمعنى ان يضع نفسه يوميا في
حالة تقويم و تقييم ، حتى اذا ما ووصع في حالة اختبار (...) ، و كم هي مظاهر
الاختبارات (...) المستفزة التي يتلقاها المرء يوميا في حياته ، لكن بفعل التاني و
الروية ، التعقل ، الذكاء ، و الحضور
البديهة و كذا الارنجال المناسب في المكان المناسب للشخص المناسب استطاع ان
يقلب الطاولة ، و ينقلب السحر على الساحر. حينها ينتقل (كرسي القاضي) الى ( كرسي
الجمهور) ، و يحكم هذا الاخير لمن ارتجل جيدا و انقذ نفسه و انقذ الموقف.
الارتجال ليست كلمة ببغاوية تحفظ غيبا لتتداول عبثا ! .
انما الارتجال حلما بالمقام الاول ، فكلمة ، ثم فكرة ، ثم فعلا
الارتجال ليست فوضى كلامية من هنا و هناك... وفترات صمت
متقطعة ، مصحوبة باراجيف و ارتعاش ، و احمرار خجل ، انما هو مناجاة مع الذات و
النفس اولا ، قبل ان يترجم الى مونولوج او مونودرام شبه يومي يمارسه المضطر ؛ من يقرا حسابه دون ان يدري .
المرتجل ليس في حاجة الى مراة يتدرب عليها طول حياته على
مختلف التعابير ، و لا قي حاجة الى تدريب في لغة الجسد او التعبير الصوتي ؛ او الى
اكسسوارات و مساحيق تجميل او اضاءة او مخرج عرض او حتى مسرح بعينه ، فكل شيئ يكمن
في داخله ، و في سلامة حواسه ، و في قدرة و طاقة تحمله لضعوطات الحياة و تقلبات
طبيعة البشر.
لم يعد احد مضمونا ؛
فاليوم من يكون معك ، غدا يكون ضدك او يتخذ موقف الحياد السلبي ، و قد يكون
متامرا و يضعك في موقف حرق الاعصاب ، و اشد ما يؤلم الصديق الوفي الذي ينقلب فجاة
!.
معظم الناس اشرار هكذا قال ( بياس) اليوناني.
صحيح اليوم لا شيئ معبرا عن الكلام ، سواء كان معدا له
سلفا او كلاما مرتجلا ، كون المناهج و البرامج و اللغة المنتهجة و مختلف الاساليب
بالمؤسسات الاجتماعية السياسية الحزبية الثقافية لم تعد للاتسان لكي يتكلم - تكلم
كي اراك - اي نوع من انواع الكلام.
لذا لا غرو عندما تستمع لبعض المسؤولين و هم يتكلمون بذل
الوقت الضائع ، تتمنى لو حافظوا على صمتهم قبل ان يمد ابا حنيفة رجلاه ! .
او " جا يطفيها عماها " كما ورد في الاثر
الشعبي
او كما ورد بالنص الدرامي الاغريقي : " كام دائما
كان يتكلم حينما لم يكن احدا يريد ان يستمع اليه " !.
لكل مقال مقال ، بمعنى ليس كل كلام يلائم كل مناسبة او
دعوة ، فكما يكون اختيار الكلمات واجبا ، تكون اختيار المعاني مقدسا.
بيان تزين كلماته
وكلمات زائنات المعاني.
الكلام نعمة ، و الله سبحانه و تعالى كلم انبيائه و رسله
من سبع سماوات...
غير ان كلام البشر كلام من كلام ، كلام يشبه ابطال
القلعة ( السيد كلام ) و ( السيد صمت) للكاتب المسرحي " ابسن".
الكلام نعمة غير ان بعض الخلائق يجعلونه نقمة ، لا
يحسنون قوله و لا توظيفه ، فمابالك ان كان مرتجلا ، و من الراس الى الراس ، صفر
ورقة.
صعب ان تكون فارس منبر او امير كلام مدافعا ، متحررا ،
متحججا على الاخر او عن اي مؤسسة او عن جهة ، او عن بلد ، او عن وطن او حتى على
تفسك و انت لا تحسن فن الارتجال.
الموهبة اولا ، و القدرة على التفكير و المحاكمة و
الابداع ثاتيا هو سر لب الكلام.