محمد الطحيني
الشعور الجماعي
كنت بزيارة لإحدى دور العجزة أتفقد أحوال أحد الأقارب الذي اضطر أبنائه
إيداعه هناك لسوء حالته الصحية والنفسية، لم يكن لدي ما أقوله له سوى السؤال عن
حالته الصحية ودعوات أتمنى له بها الشفاء، كان الجو العام في صالة الزيارات كئيباً
فالتجهم يعم جميع وجوه الزائرين والنزلاء
الى أن دخل أحد الزائرين وكان شابا لا يتجاوز الثلاثين من العمر، أتى
لزيارة أحد أقاربه، حديثه يشبه الصراخ ما ان عبر بوابة صالة الزيارات بدأ يحدث
قريبه الذي يتجاوز الثمانين من العمر من بعيد وبصوت عال:
- ابشر يا ابن العم فلقد وجدنا لك العروس التي تليق بك
استدار نحوه الجميع منهم المستنكر صوته العالي ومنهم المستغرب لذاك الأسلوب
بالحديث، اقترب من قريبه قبله من رأسه وتابع معه الحديث بصوته العال كان يحدثه عن
اخبار أبنائه وذويه بأسلوب ساخر مطلقا النكات يتبعها بضحكات صاخبة، بدأ الجميع من
الزائرين والنزلاء يصغون السمع اليه مبتسمين لأسلوبه ولما يطلقه من نكات، فجأة
التفت الى الجميع ونظر حوله وقام مسرعا الى ستائر الصالة المسدلة انتقل اليها
واحدة واحدة وبدأ يفتح تلك الستائر مخاطبا الجميع:
- هل أنتم خفافيش تحبون الظلام انظروا ما أجمل اشعة الشمس بالخارج دعوها
تتغلغل في عظامكم صدقوني انها ستعيدكم شباب وتعيد صحتكم الجسدية والجنسية.
ضحك الجميع وتحول الجو العام في تلك الصالة الى جو من المرح اذ بدأ الجميع
يشاركون ذاك الزائر حديثه ونكاته وتحولت ابتساماتهم الى ضحكات مجلجلة.
سأذهب الى مثال أخر لأوضح ما أود قوله
في إحدى مباريات كرة القدم ارتكب أحد اللاعبين خطأ لم يحتسبه حكم المباراة
كان هذا سيمر طبيعيا لولا أن أحد المشجعين استفزه هذا السلوك من حكم المباراة بدا
بالصراخ والشتائم وبدا يقذف الحكم والاعبين بما يجده حوله من زجاجات الماء
والعصير، وبدا يحذو حذوه من المشجعين لفريقه ليرد عليهم مشجعي الفريق الاخر لتتحول
المباراة الى ساحة معركة.
من المؤكد أن الشعور ينتقل من الفرد الى الجماعة ومن الجماعة الى الفرد إن
كان إيجابيا أم سلبياً.
فمن المؤكد أن الانفعالات والمشاعر تتأثر وتأثر بالأشخاص المحيطين بنا ولكن
السؤال هنا هل بأماكننا جعل تلك المشاعر والانفعال إيجابية دوما ، هذا يتعلق
بطبيعة تلك المشاعر لدى الفرد وبطبيعة موقع الشعور لديه وبطبيعة ذكائه العاطفي
التي ترى معظم النظريات بأنه أحد المعطيات الوراثية الثابتة التي لا تتغير مع
الخبرات الحياتية للفرد ، وهنا نطرح السؤال الأهم ما المؤثرات التي تساعد أطفالنا
على جعلهم يتمتعون بذكاء عاطفي يجعلهم قادرين على التحكم بعواطفهم ويكونوا ناجحين
بحياتهم وما العوامل التي تجعل من يتمتعون بذكاء عال ان يكونوا اقل حظا بحياتهم
العملية من أناس يتمتعون بذكاء أقل ، هنا يأتي دور الذكاء العاطفي الذي يشمل ضبط
النفس والحماس والمثابرة والقدرة على تحفيز النفس ، وهذه المهارات يمكن تعليمها
لأطفالنا كما سنرى فيما بعد لتوفر لهم فرصا افضل أيا كانت الإمكانيات الذهنية
لديهم والتي منحها لهم حظهم الجيني .
وتأتي ضرورة ذلك في عصر نمر اليوم فيه نرى فيها تفكك بنية المجتمع بشكل
متسارع.
محمد الطحيني