البنية الصوتية لمقطوعة (البزويشة).للشاعر فريد مرازقة
محمد نور إسلام
البنية الصوتية في مقطوعة "البزويشة"
للشاعر فريد مرازقة الجزائري
أولا:
المقطوعة
البَزْويشَة ...
قالت: (بلا كَلِمٍ قدْ أعتلي المنبرْ
وَ قدْ يصفِّقُ لِي ألفانِ أو أكْثَرْ
بِجُملَةٍ فِي الهَوَى أقْضِي عَلَى أُمَمٍ
وَ قَدْ أُثِيرُ حُرُوبًا بَينَمَا أَنظُرْ
بوقفَةٍ قَدْ يَصِيرُ الشِّعْرُ ممسَحَةً
وَ قَدْ أُزِيحُ فحُولًا شعْرُهُمْ عَنْبَرْ
أنَا الَّتِي قُلْتُ نثرًا في مجامِعِهِمْ
فصفَّقُوا رَغْمَ أنِّي لَمْ أُكنْ أَشْعُرْ
وَ أنتَ - يَا سَيِّدِي - قدْ صِرْتَ بينَهُمُ
كغَيمَةٍ لَا تُرَى بِالعَيْنِ أَوْ تُمطِرْ
رَفَعْتَهُمْ بِقَصيدٍ لَيْسَ يُتْقِنُهُ
إلَّا الَّذِي قلبُهُ بالشِّعْرِ لَمْ يكفُرْ
أجِبْ و قُلْ لِي لِمَ الأشعارُ ما وصَلَتْ
وَ نثرُ حسنَائِكُمْ فوقَ الصَدَى أكبَرْ؟)
قُلْتُ : (الّتِي رقصَتْ فاقَتْكِ معرِفَةً
وَشُهْرَةً، يا تُرَى منْ مِنْكُمَا أَشْعَرْ؟!)
ثانيا:
الدراسة
الأصوات المجهورة و المهموسة :
من
المستويات الهامة التي تهتم بها المقاربة الأسلوبية للنص الأدبي "المستوى الصوتي"
فانسجام الأصوات في وضع جمالي له أثر سمعي معين ، و قد قسم علماء الأصوات الحروف
إلى مهموس و مجهور فالمهموس محصور في :
(فحثه شخص سكت) و المجهور في ( عظم وزن ذي غصن
جد طلب).
في
مقطوعة " البزويشة" أبدع الشاعر في تصوير واقع تلقي بعض النثر الأنثوي
الذي لا يحوي على بنى شعرية حقيقية و يلقى من التصفيق و الإكبار ما لا يلقاه الشعر
الذي احتوى على بنى شعر منسجمة تعبر عن الجمال بأسمى معانيه حيث ينزاح التلقي عن
الداخل النصي إلى الشخص و السياق الخارجي.
هذا
الإبداع في هذه المقطوعة لم يكن على مستوى المضمون فحسب بل تعدى ذلك إلى مستوى
اختيار الأصوات التي تؤثر في المتلقي بين الجهر و الهمس ؛
حروف
الهمس متمثلة في ما تحته نجمة (*)
و حروف
الجهر ما تبقى من الحروف
قالت: (بلا كَلِمٍ قدْ أعتلي المنبرْ
* * *
وَ قدْ يصفِّقُ لِي ألفانِ أو أكْثَرْ
** * **
بِجُملَةٍ فِي الهَوَى أقْضِي عَلَى أُمَمٍ
*
وَ قَدْ أُثِيرُ حُرُوبًا بَينَمَا أَنظُرْ
* *
بوقفَةٍ قَدْ يَصِيرُ الشِّعْرُ ممسَحَة
** * *
***
وَ قَدْ أُزِيحُ فحُولًا شعْرُهُمْ عَنْبَرْ
* * *
*
أنَا الَّتِي قُلْتُ نثرًا في مجامِعِهِمْ
* * * *
فصفَّقُوا رَغْمَ أنِّي لَمْ أُكنْ أَشْعُرْ
*** * *
وَ أنتَ - يَا سَيِّدِي - قدْ صِرْتَ بينَهُمُ
* * * *
كغَيمَةٍ لَا تُرَى بِالعَيْنِ أَوْ تُمطِرْ
*
* * *
رَفَعْتَهُمْ بِقَصيدٍ لَيْسَ يُتْقِنُهُ
* **
* * *
إلَّا الَّذِي قلبُهُ بالشِّعْرِ لَمْ يكفُرْ
* * **
أجِبْ و قُلْ لِي لِمَ الأشعارُ ما وصَلَتْ
* *
*
وَ نثرُ
حسنَائِكُمْ فوقَ الصَدَى أكبَرْ؟)
* ** * *
* *
قُلْتُ : (الّتِي رقصَتْ فاقَتْكِ معرِفَةً
* * **
* ** *
وَشُهْرَةً، يا تُرَى منْ مِنْكُمَا أَشْعَرْ؟!
** * * * *
من
خلال تقسيم الأصوات بين الهمس و الجهر ظهرت دلالة ايحائية تبين الحالة الشعورية
للشاعر عبر موسيقى داخلية فالأصوات المجهورة أكثر من الأصوات المهموسة؛ حيث بلغ
عدد الأصوات المجهورة : 186 صوتا أما المهموسة ف: 73 صوتا و هذا التنوع بين
الأصوات لعب دورا هاما في التباين الصوتي بين الهدوء و الإضطراب و بين الموسيقى
البطيئة و السريعة، و الصوت المجهور يتميز بحركة قوية تنتبه لها أذن السامع حيث
تبرز حالة الشاعر النفسية الممتلئة برفض واقع التصفيق لمن لا أدب له و لا فن و قد كانت الحالة النفسية للشاعر مترعة بقوة
الذات و قدرتها على رفع التحدي و الإستهزاء بالأقلام التي تحلم بالأدبية و لا أدبية
غير أدبية التصفيق ! حيث راح الشاعر يذود عن تجربته الشعرية و أصالتها و صفائها و
نقائها .
التصريع :
هو
اتفاق اخر الشطر الأول مع قافية الشطر الثاني و قد كان الشعراء منذ القدم يستعملون
التصريع في بداية قصائدهم و قد قال قدامة بن جعفر في استعمال الشعراء للتصريع :
"الفحول المجيدين من الشعراء القدماء والمحدثين يتوخون ذلك ولا يكادون يعدلون
عنه" و كلما كان الشعر أكثر اشتمالا على التصريع كان أقرب له من باب الشعر و
أبعد له من باب النثر ، و نلاحظ هنا أن الشاعر بدأ مقطوعته بتصريع في قوله :
قالت:
(بلا كَلِمٍ قدْ أعتلي المنبرْ
وَ قدْ يصفِّقُ لِي
ألفانِ أو أكْثَرْ
و ذلك ليزيد من التلون الإيقاعي بأنغام و موسيقى
و تأكيدا على شاعريته الأصيلة التي تبعده عن النثرية.
البحر :
نظم
الشاعر " فريد مرازقة" مقطوعته
" البزويشة"
من eight
أبيات على بحر البسيط و هو بحر يتميز بالبساطة و الطلاوة مما يتناسب مع موضوع
المقطوعة و قد خلق الشاعر جوا من الإيقاع الذي يتناسب مع شعوره و عواطفه
وانفعالاته موزعا إياه بين 4 تفاعيل ( مستفعلن فاعلن مستفعلن فَعِلُنْ) و بدائلها
(متفعلن فَعِلُنْ مستفعلن فَعْلُنْ)
مثل :
قالت: (بلا كَلِمٍ قدْ أعتلي المنبرْ )
قَالَتْ بلاَ
كلِمِنْ قَدْ أعْتَلِِلْ مِنْبَرْ
ا٥ا٥اا٥
ااا٥ ا٥ا٥اا٥ ا٥ا٥
مُسْتَفْعِلُنْ فَعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ
فَعْلُنْ
وَ قدْ
يصفِّقُ لِي ألفانِ أو أكْثَرْ
وَ قَدْ يُصَفْ
فِقُ لِيْ أَلْفاْنِ أوْ أَكْثَرْ
اا٥اا٥ اااه ا٥ا٥اا٥ ا٥ا٥
مُتَفْعِلُنْ فَعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَعْلُنْ
القافية :
تضفي
القافية على القصيد نوعا من الإيقاع فهي من عناصر الإيقاع و تتمثل في آخر ساكنين
قبلهما متحرك تعاد في أواخر أبيات القصيدة لما لهذه الإعادة من نغم موسيقي تطرب له
الأذن و يهتز له السامع ، أتت قافية المقطوعة على هذا الشكل (ا٥ا٥) ؛ عَنْبَرْ،
أشْعَرْ، أكْبَرْ، ... و هي القافية التي
يطلق عليها العروضيون " المتواتر" ؛ و هي التي يتم الفصل بين ساكنيها
بمتحرك وحيد ، وقد أضافت للوزن طاقة ايحائية و جرسا مذهلا يترتب عليه تأثر المتلقي
.
الروي :
هو
الحرف الذي تبنى عليه القصيدة و تسمى باسمه فنقول قصيدة بائية ، قصيدة سينية ،
قصيدة رائية و يتكرر في نهاية كل بيت من أبياتها ، و قد جعل الشاعر حرف
"الراء" الساكن ركيزة لمقطوعته و يسمى الروي الساكن بالروي المقيد (رْ)و
هو حرف مجهور فالجهر أنسب للتعبير عن رفض الواقع الأدبي بين الإستحسان و الإستهجان
المبني على السياق الخارجي لصاحب القلم أو بالأحرى صاحبته عندما يصبح المظهر
الشخصي و الحسن الأنثوي أو المكانة الإجتماعية و العلاقات الخارجية سبيلا للحكم
على الأثر الأدبي.
بقلم: الشاعر محمد نور إسلام