جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك

 

هاربة نحو الشمس...

 قصة/

كرما الإبراهيمي



تمطر...

ولاشيء يحدث...

فقط هو الليل وأنا...

باردة وخائفة...

يضمني الشارع الطويل مع بقايا أشيائه التي تعب منها..

أسير دون اتجاه، وصورتك تلاحق خيالي المتعب من كثرة الصور وحديث الدم الذي لا ينتهي...(لماذا نموت دون سبب؟ولماذا يلتهم الدم كل أحلامنا الخضراء؟).

السأم يتوزع من حولي...يخرج من كل المسامات...أشعر بأن الجدران تقترب مني وتلتف حول عنقي...(كم تغيرت الأشياء يا سعيد وكم صارت الشوارع مرعبة في هذا الليل الذي لا فجر له؟ كنا والشوارع رفيقين يدمنان الغناء وفرح الطفولة..كم تغيرت الأشياء لو تدري..).وحده البرد الآن ينخر أعماقي المتحجرة(أين أحضانك يا سعيد؟ أين حبك الكبير؟).

باردة..وخائفة..

تلمع أمام عيني فكرة أن أحب جدارا ..أستلذها..يصرخ القلب الدامع في صمت..أسمع خطوات الوجع تنتقل بأعماقي..أزداد رغبة في الالتصاق بجدار(لا شيء لي بعدك..والشوارع خالية..البرد وحده يملأ المكان ويملأ الذاكرة..تراك لن تعود؟).ينهمر المطر، تنزلق حباته على وجهي باردة وأعجز على أن أمد يدي إلى وجهي(أين يدك التي كانت ترافقني كل شتاء؟لم أكن أدري أن الشوارع ستغدر بي ولم أكن أدري أنني أخاف المطر..لماذا قتلوك؟).أتشبث بكتبي، أضمها بقوة إلى صدري، ربما حب كتاب أفضل من حب جدار..عيون المارة تتطلع إلي..أشعر أن هناك ما يثيرهم في..

لماذا قتلوك؟..تلسعني لفحات البرد من جديد فأزداد تمسكا بكتبي(تراك الآن تفتش عن حضن يشبه حضني؟ الرصاص ملأ الصدور ولم يبق سوى الدمع الجارح الحزين في وجوه أكثر حزنا..).

تمطر..وتمطر..

أزداد تشبثا بأحضان كتبي..ينحل الصمت من حولي إلى هدير صاخب..أسرع..أتعثر بحزني وخوف الشوارع(صورتك يتواصل دفئها في دمي والكلمات تمر بصدري:ستندمين وستعودين ذات يوم باحثة عني..فقط أنا سأشفيكِ منه..)قال لي ذاك الأبله وهو يستعرض أمامي عملاته المختلفة..لم يدرك أنه لا شيء لي بعدك وكل الرجال هباء..).

تمطر..أزداد خوفا..تمطر..أدخل الجامعة..أشعر برغبة في الهرب بعيدا..( منذ رحيلك والأماكن تملؤني وحشة وخوفا..الآن لم يعد للكتب والجامعة أي طعم..أخذت معك كل أفراحي وتركت لي صقيع الشوارع وصمت الأشياء..).

أركض..أركض..أصطدم بإحداهن..تتبعثر كتبي وحزني كشظايا تحرقني..تصرخ في وجهي ، ألا ترين؟ أنتبه..( منذ متى لم أهتم بشعري وبشكلي..كنت تصر على أن تراني دون ألوان..لماذا رحلت؟).

باردة وخائفة..

أنكسر..تتكوم بداخلي الخيبات..مضى العمر ولا شيء سوى الانكسار والجرح الذي كلما اندمل انغرست به مدية أخرى لينزف من جديد..البرد يترسب بمسامات الجسد، يحيله قطعة تتخللها المشاريط، تشل حركتها..منذ أن ودعت صدر أبي وأنا أقاوم البرد(حينما التقيتك ذات خريف والدم يغرق الشوارع بدا لي أن الأشياء عادت من جديد فأورق الفجر في دمي وأيقنت أن الشمس ستذيب جليد المدن القارة..).كيف أصدق الآن أنك لن تعود وأنهم قتلوك؟ جسدك المثقوب في ذاك الشارع يعيدني إلى عمق الوطن الباكي والرؤوس المتدحرجة من على إسفلت الشوارع المظلمة..يعيدني إلى أحلامنا المطفأة في قنابل تزينها شرائط ملونة وإذا المكان يتحول فجأة إلى صراخ وجماجم تتقاذفها الريح والأرجل).أهدوك رصاصة يوم تخرجت طبيبا..ظل مرضاك ينتظرون بينما الدم يتدفق من رأسك في الطابق السفلي(قلت لي يوم عودتك من الدراسة: لا أريد أن أهرب..لمن سنترك هذا الوطن إذا فكرنا جميعا بالهرب؟ الوطن مثلنا بحاجة إلى الحب..).

مازلت أسأل والشوارع الباردة تلتهمني..باردة أنا حين أجد أماكننا صامتة إلا من صدى كلماتنا التي أخرسها الرصاص ذات ربيع لن يعود..بعدك كل المحطات باردة..).

يسألني أحدهم: كم الساعة؟ لا أجيبه..أتأمل ساعتي..إنها الرابعة..كيف مر الوقت دون أن أنتبه إليه؟ لا أتحسر..العمر بعدك ألم يفتت أيامي..الموت البطيء يعذبني..(أين أحضانك يا سعيد..إني خائفة..).

تمطر..

ويزداد قلبي إفرازا للكآبة والسأم( بيننا أزمنة تتكسر..صمت القبور يجدد وجعي الممتد في متاهات الأشياء..ووجهك يلتصق بذاكرتي..).أسأل بعدك: لماذا غدرت بي الأحلام ولماذا يستلذ الوطن بكائي؟ ما ذنب الحب في أرض بلا شمس؟ أسأل وجملة قلتها لي ذات مرة: يجب ألا يكون هدف وحيد محور حياتك..أحدق في كتبي..تمر أمامي الفتاة التي سخرت من كتبي..أتأمل الشمس وهي تبزغ من خلف السحب..الوطن كالشمس لا بد أن تظل ساطعة..أشد كتبي إلى صدري أكثر وأمضي إلى المكتبة..


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *