حامد حبيب
القصَّةُ القصيرة فى أفريقيا
بدأت القصةُ فى القارة الأفريقية السوداء
بالحكايات الشفاهية التقليدية،ذات الجذور المتعمّقة
فى الفلكلور والأساطير
،والتى ظل الناسُ يتناقلونها
من جيل لآخر، ورغم أن
الأدب الشفاهى مازال موجوداً حتى الآن بسبب تعدّد اللغات الأفريقية
الدارجة غير المكتوبة،إلا
أن انتشار اللغة الإنجليزية والفرنسية بعد الاستعمار وولادة جيل جديد من الأفارقة
ممّن يجيدون لغةَ المستعمر،قد ساعد فى
خلق القصة المكتوبة
المتعارف عليها،غير أن ذلك
النوع الأدبى
الجديد"القصة القصيرة"ظلّ متراجعاً
أمام الرواية والمسرح،
ومثال ذلك، الروائى النيجيرى
(تشينوا تشينى)الذى
ازدهرت أعماله الروائية،بسبب
حركة الترجمة التى وجدت
فى أعماله وغيره من
المبدعين الذين يكتبون
بالإنجليزية،دون أن تتاح
حركة الترجمة لتلك
القصص القصيرة المكتوبة
باللغات الأفريقية
الدارجة ((وهى إحدى المشكلات
التى أوردناها فى قضية
اللغة والهوية الثقافية فى أفريقيا))..كما كان لتحويل روايتين من روايات
(تشينو تشينى)إلى أعمال
سينمائية وتدريس بعض
الأعمال الروائية فى
مدارس غرب أفريقيا من أسباب تراجع القصة القصيرة أمام الرواية.
*لكنَّ تراجع القصة
القصيرة لم يدُم طويلاً، حين
تيقّن مبدعوها أن
كتاباتهم باللغة الدارجة لاتجاوز
الحيّز الضيّق الذى
يعيشون فيه، ولابد لهم من الكتابة بالإنجليزية أو الفرنسية، وبالتالى، بدأت
القصة القصيرة فى
الانتشار.
* وكان لصدور بعض
الدوريات الخاصة بنشر إبداعات القصة القصيرة دورٌ كبير فى ذلك الانتشار
وكان أهم هذه الدوريات،
مجلة"spear"فى نيجيريا
ثم مجلة"drum" فى
جنوب أفريقيا وغربها فى
وقت واحد، والتى صدرت
عام١٩٥٠م.وكان(حزقيال
مفاليلى)الذى لُقِّب
ب"عميد الأدب الأفريقى"أحد من
عملوا للنهوض بها
والتركيز على نشر القصة القصيرة
وقد أشار (مفاليلى)إلى
قصص المجلة قائلاً:"إنها
قصص تجنح للهروب من
الواقع إلى الخيال".
*وقد ظهرت مجلات أخرى
فى عواصم القارة الأفريقية، كان لها الفضل فى انتشار القصة القصيرة
مثل مجلة"black or heus"
الصادرة فى نيچيريا
والتى توقّفت عن الصدور
طويلاً،ثم عادت على يد
الكاتب المسرحى
النيجيرى (جون بيير كلارك)، ثم
مجلة "transition"_ومعناها:مرور
أو انتقال_فى أوغندا،ومجلة "darlite"فى تنزانيا، و"oky eamegy"فى
غانا.
*ولقد ابتدع الكاتب
الأفريقى شكلاً جديداً فى القصة القصيرة، كما فى قصة"سارزان"للكاتب
السنغالى المعروف (بيراجوديوب)حيث الاستخدام
الرائع للشعر والنثر
معاً.
* و" سارزان"
لفظ سنغالى، يعنى: الرقيب..وقد جسّد
هذه
الشخصية"كيتا" الذى عاد إلى قريته بعد غُربة
دامت خمسة عشر
عاماً،قضاها فى عمل اتّسم بالترحال من دولة لأخرى، واكتسب خبرات كبيرة،
ولما عاد إلى
قريته،حاول تحطيم كل مابها من خرافات ،متحدّياً كل من يعتقدون بها ، ولقد جسّد
ذلك فى قوله:" كنت
أعتقد أننا تحرّرنا من هذه البدائية،لكن شباب قريتنا لايزال مؤمناً بالأحجية
والألغاز والضرب فوق الظهور وأطراف الأصابع....
أدركت عندئذٍ أننا لم
نحقق شيئاً، وتمنّيت لو استطعنا
التخلّى عن هذه
الأساليب والعادات القديمة".
..لم يستطع"كيتا"
أن ينتصر على تلك العادات القديمة،بل رموه بالجنون، ومابقى منه غير شخصٍ
آخَر مستسلم لما عليه
أهل القرية.
_وهو فى قوله عن
الأموات الذين يتحكّمون فى مصائر الأحياء،بحسب الاعتقادات السائدة فى القرية،
يقول شعراً :
______________________
أولئك الموتى لن يذهبوا
أبداً
إنهم فى الظلام الذى
يجلب الضوء
وفى الظلام الباعث على
الغموض
إنهم ليسوا تحت الأرض
إنهم فى ارتعاشات
الأشجار
فى تأوهات الأخشاب
فى الماء الجارى
وفى الماء الساكن
إنهم فى الكوخ...فى
الزحام
الموتى ليسوا بموتى
لم يذهبوا أبدا
*فقد عاد من رحلته يحمل
فكراً حضارياً، اعتقد أنه
بهذا الفكر سيُخلّص
مجتمعه مما ساد بينهم من جهل وخرافات،لكنه اصطدم بتخلُّف العقل الجمعي فى مواجهة
كل جديد،فاستسلم فى النهاية، لأن موتاهم فى أساطيرهم وخرافاتهم ومعتقداتهم يسيطرون
على حياتهم، وصارت
لموتاهم قدسية لايستطيعون مخالفتها، وكأنها واجبة النفاذ.
*هكذا استطاع الكاتب أن
يعكس ماكانت عليه تلك البيئات ، وقضية التغيير، التى هى من أصعب القضايا التى
تواجه التنويريين فى كل مكان.
________________
حامد حبيب _ مصر