____________(دراسات
نقدية)__________
------------------
_( إعادة كتابة التاريخ عبر
الأنثروبولچيا)_"٢"
مجدى جعفر فى رواية "شفا
حُفرة")
حامد حبيب_مصر
هل إعادة كتابة التاريخ من خلال الشكل القصصى
مجرّد إيراد حكايات تاريخية من خلال الواقع
الأنثربولوچى الذى اختاره الكاتب ؟
* لم يكتفِ الأديب(مجدى
جعفر ) بمثل هذا الأمر،
ولم يتوقّف عنده، ولم
يكن هذا هو الغرض الأساسى لديه، لأنه جاء بنصوص تاريخية، كما تحكيها كتب التاريخ ،
أو من خلال انعكاسات الوقائع التاريخية
وصداها على مجتمع
الرواية، وإنما كانت هناك
قضايا هامة بثّها بين
السطور، هى الأهم ، وهى التى ينبغى أن نُسلّط الضوء عليها ..ومن هذه القضايا
(١)_قضية توريث الحكم:
من خلال علاقة عائلة العايق ب(عرابى) ، وإمداده بالخيول اللازمة _والتى اشتُهروا
بتربيتها_للدفاع عن البلاد، ومن خلال حكاية (محمد العايق)الذى"يحلم مثل كل
مصرى ،
وعربى مسلم غيور،بجيش
قوى لمصر، وهاهى الفرصة تأتيه ليساهم فى تقوية هذا الجيش، ومحمد العايق على يقين
،منذ أن قص َّ عليه(محمد عرابى) رؤياه، بأن (احمد) سيكون من ذوى الشأن"
وبما أنّ نسب
(عرابى)يعود إلى الإمام الحسن بن على بن أبى طالب.."فالحسين ..حذّر من
الخيانة!
هل سيخونه من
عاهدوه؟....هل يفعلون معه كما فعلوا مع جده الأكبر(الحسين)؟..."فجدّه الأكبر
أوّل من ثارَ على توريث
الحكم، فالدولة الإسلامية قامت على الشورى....وهاهو معاوية يخرج على هذا
الأمر،يأخذ البيعة فى
حياته لولده يزيد.."
فيربط ذلك بثورة عرابى
من خلال كلمات الخديو
توفيق له فى مظاهرة
عابدين:"كل هذه الطلبات لا حقَّ لكم فيها، أنا ورثت مُلك هذه البلاد عن آبائى
وأجدادى، وماأنتم إلا
عبيد إحساناتنا"
ويثور عرابى بكلماته
ردّاً على ذلك:" لقد خلقنا الله
أحراراً، ولم يخلقنا
تراثاً أوعقارا، فوالله الذى لا إله
إلا هو ،لانُورَّث ،
ولانُستعبَد بعد اليوم "
فجدُّه الأكبر (الإمام
الحسين) أول من ثار على توريث الحُكم...فربط بين ثورة الحسين بن علِى
علَى يزيد بن معاوية،و
توريث الحكم فى خلفاء محمد على. ولعلّ ماجاء فى إهداء الرواية"إلى ثوار
مصر..من الزعيم أحمد
عرابى..إلى شباب ثورة ٢٥ يناير"..ربطٌ ظاهر ، يشير إلى أهم أسباب قيام ثورة
٢٥يناير، وهى"
قضية التوريث" فى الحُكم. هذا السياق التاريخى كان الهدف منه الوصول لتلك
القضية، ونتائجها ..ويبقى السؤال بالمقارنة فى الحالات الثلاث التى واجهت قضية
التوريث فى المواجهة بين الحسين ويزيد/فى المواجهة بين عرابى والخديو توفيق /فى
المواجهة التى حدثت فى ثورة٢٥يناير. والنتيجة ،فى اعتقادى: استُشهد الحسين ، وظلّ
التوريثُ قائماً، وتم القبض على عرابى ونفيه، وظل التوريث قائماً، فهل نجحت ثورة
٢٥ يناير فى التغيير ؟..سؤال ستظل الإجابة عليه عالقة مؤقّتاً.
_____________
*القضية الثانية،
يجسّدها(عبد العاطى) الذى سلك
طريق الصوفيّة، واطّلع
على كثيرٍ من أسرارها، وتعجّل الولاية ونَيل الكرامات ،دون أن يبلغ فى الطريق
مداه، مُستغِلاً حالات الجهل والتخلّف والاعتقاد فى الأولياء ، لتكوين ثروات مالية
ومكانة
عالية فى ظل عالم متغير
شكلاً ، ولكنه متشبّث بعادات وتقاليد وأعراف واعتقادات خاصة ،يتميز بها هذا الإطار
الأنثروبولوچى، فيستغل وفاة ابن عمه
(أحمد الطيب)ويزعم
ولايته، ويبنى له ضريحاً،
ويقيم له مولداً
وصندوقاً للنذور، ويوسّع الساحة
حوله،لاستقبال زوار
المولد، ويستفيد من البائعين
والمتبرعين لصندوق
النذور، وينشئ إعلاماّ خاصاً به
يذيع على الناس كرامته
وقدرته على فكّ العُقد، حتى إنه يستغل انتخابات مجلس شورى النواب،
فيستفيد من زيارة
المرشحين، وتبرعاتهم ، ويتمكن من بناء مسجد، كل ذلك جعله من الموسرين الأوائل.
_لماذا اختار الكاتب
رجلاً من الطرق الصوفية،ولم يختره من رجال الدين؟وإن كان سيأتى برجل الدين متجسداً
فى خطيب المسجد.
_لأن المجتمع فى عمومه
، وفى البقاع الريفية على وجه الخصوص ، كان للأولياء مكانة خاصة، يتعلق الناس
بأضرحتهم وموالدهم لنَيل البركة، ويصدقون
مايُذاع عن سِيَرهم
وكراماتهم..ساعد على ذلك تفشّى الجهل والخرافة والتخلف ، فاستغل(عبد العاطى)ذلك
فيهم، بدليل تعجُّله فى نيل الولاية
وظهور الكرامات للوصول
إلى ما وصل إليه، تلك
كانت من أخص اهتمامات
الأنثروبولوچيا.وهى تورد فى ذلك حكاياتٍ عديدة.
_الطرف الآخر: رجل
الدين(خطيب المسجد)الذى ينافق السلطة، والطرف الأقوى ثراءً وصيتاً ، ويُطوّعالآيات
والأحاديث لما يعزّ شأنهم، ويقوّى مكانتهم، ويعطيهم الحق فى كل مايشاءون.
*وبالتالى فإن نتيجةَ
القول فيما سبق، أن مثل تلك الشخصيات ، يجدّدها التاريخ، فتبقى قائمة بچيناتها فى
شخصيات أخرى تخلفهاقولاً وعملاً فتجد
_مازال_أصحاب المزاعم
الباطلة، والأفاقين
المتملقين، والمعمعية،
ونهّازين الفُرص، والمستفيدين من تغيير لم يكن لهم يدٌ فيه، لكنهم يظفرون بأعلى
المكاسب..
فأمثال هؤلاء عبر
الزمان تمتد عروقهم ودماؤهم
فلا يخلو منهم زمانٌ
ولامكان.
..نواصل إن شاء الله
_________________
حامد حبيب_مصر