جنان الحسن
من ذاكرتي
لطالما ظننت أن خيال
الطفل أكبر وأوسع من خيال الأيام ..
حين كنت صغيرة
كنت أظن أن أشد الألم
هو ألم الأسنان
في المرة الأولى التي
آلمتني فيها أسناني وقبل أن أصل لسن المدرسة ..
كنت أتخيل أن هناك جيش
من النمل داخل فمي يحمل شواكيش صغيرة يطرق فيها على أسناني ..
وحين كبرت علمت أن هناك
ألما أكبر من ذلك وهو وقوف الكريم على باب اللئيم ..
في صغري
أحببت مهنة التعليم قبل
أن أعود لكرهها لاحقا ..
لأنني كنت أحب معلمتي
في الصف الثاني لدرجة أنني في عطلة نصف السنة من ذلك العام ..
شكلت في خيالي صفا من
٣٠ تلميذ وتلميذة وأطلقت عليهم أسماء خاصة بهم وجعلت لهم صفات معينة .. وكنت أنا معلمتهم ورافقوني حتى نهاية السنة
الرابعة .. طردتهم من خيالي بعد إن انتقلت معلمتي المفضلة .. وتركت أنا مدرستي
القديمة إلى مدرسة جديدة .. مالبثت فيها إن انشغلت بفرقة الدبكة التي ضمتني إليها
معلمتي الجديدة والعروض المستمرة على مسرح المركز الثقافي في المدينة لدينا في
السنوات اللاحقة ..
عشت أؤمن بأن خيالي هذا
كان واسعا جدا وغير معقول ..
وحتى ١٠ سنوات مضت .. رأيت على أرض الواقع مافاق كل خيال ..
كثيرا ماكنت التقي
معلمتي الأولى بعد إن كبرتُ ..
معلمتي التي منحتني
فسحة الخيال تلك ..
وحين نقف للسلام أولادي
لايصدقون أنها معلمتي وأولادها لايصدقون أنني تلميذتها ..
كنا نبدو كصديقتين ..
ولم أخبرها يوما عن
تأثيرها فيني ..
معلمتي هذه قتلت قبل ٦
سنوات هي وزوجها وابنها وزوجة ابنها وحفيدها بقصف جائر للطيران ..
دمر بيتهم ودفنهم جميعا
تحت الأنقاض ..
يومها أدركت بأن خيال
الطفل ضيق جدا ..
🦋
#ذاكرتي_