سليمان حسين
نزيفُ قلمين
من أين لي بمقبرةٍ تتسع
لكلّ هذا الحزن الذي يشيع بقلبي الآن؟!
من أين لي بحروفٌٍ
أُعبَّرُ بها عن تعازي دموعي وقد أصبحت لغتي أوّل الراحلين؟!
آهٍ ياصديقي حتى اللغة
تتعثر بنا، تموت مختنقةً بدخان خيباتنا، كلّ الحروف تغدو سكاكيناً تمزّقُ حبال
الصوت حدَّ الوجع، فهل ثمَّة وشاحٌ يُخفي تلك اللغة الفاضحة على شفاهِ الملامح؟!
نلفظُ الحروف كالتنهيدة
الأخيرة بوجهِ هذا الليل، فتغدو مصابيحاً على جدار قلوبنا، لكنها خافتة الضوء
لايسمن نورها بالحبّ ولا تغني جُملها من شوق.
نسافرُ عبر أثير الحنين،
نتوسل الغيم كي يحملنا ذات نزيفٍ إلى لثغة الدهشة الأولى في المثول الأوّل، إلى
ظمأ العيون ورجفة الأنامل، وانسكاب الروح في كؤوس الروح على طاولة العناق.
نبحث في عتمة الشوق عن
نافذةٍ نستنشق منها عبير النسيان، فنطل على شرفات قلوبنا المليئة بالحنين لتصيبنا
آهات الذكريات، فتتعثر خطوات أقدامنا العابرة نحو الرحيل ثم نسلك عكس التيار.
يطأطأ القلب نبضه
ويرتدي معطف صمته، يلعق العدم من أكف الريح، ويجذف لا شيء مبحراً نحو مرافئ الجرح
المسجى على ضفتي الأنين.
ندوَّنُ لحظات اعترافنا
الأول على جدار الذاكرة بحروف الصمت، نلحنُِ كلمة أحبك بكل المقامات، ثم تهمسُ لنا
الأيام أنتم المفــــــارقون دون وداع، العاشقــــون بلا أحبة تنتظركم مقابر
الأحزان، مكتوباً على أضرحتكم "شهداء الحب في زمن الحرب وضحايا الظروف
القاسية."
سليمان حسين
البارحة طال حديثنا عن
الحب وايجاد تفسريات لانواعه، تكافأنا بالوصف والتعريف، وطال جدالنا في مقياس كمياته. صمتت قليلا ثم بادرتني
بالسؤال:
"هل تحبني!"
اجبت: "نعم، ولكن
ماسر هذا السؤال؟
قالت: "اريد تحديد
كمية حبك ان كنت حقا تستطيع حصرها."
في البداية ارتبكت
للحظة صاحبها صمت، فمن الطبيعي أن يحدث ذلك لمحب أمام اول اختبار في حضور حبيبته.
ثم أجبتها:"أحبك
بالكم الذي لاقدر له، وباللغة التي ليس لها تفسير، وبالعدد الذي لانهاية له.
أحبك عدد ماسبّحت
الملائكة بحمد ربها، وما طافت الحجاج ببيته العتيق.
أحبك بالصمت المسموع
وبالشجن الموجوع.
أحبك كفصول السنة ثابتة
المدار لايغيّرها الزمان.
أحبك بصدق شوق الغريب،
وأتشبث بك كالغريق، فأنت منقذتي وانت الحبيبة والوطن، وأنتِ الصديق......"