القصّة القصيرة والرواية فى أمريكا اللاتينية
القصّة القصيرة والرواية فى أمريكا اللاتينية
من المهم جداً لكُتّاب القصة والرواية فى وطننا
العربى الاطّلاع على الآداب الأخرى فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية، نظراً لأوجه
التشابه بين ظروف
هذه الدول وظروفنا، بين
واقعهم وواقعنا ، مامرّوا به من الرضوخ تحت وطأة الاستعمار زمناً، وقسوة
الديكتاتورية، و عبورهم بكل مراحل التخلُّف والجهل وسطوة الخرافات والتسليم لعادات
وتقاليد تأبى التغيير . كل هذه الظروف وتلك المراحل، خرج
من رحِمها كُتّابٌ
واقعيين ، لكشف عورات المجتمع
وسلطات الحكم ، ومحاولة
الحَض على التغيير لتحريك الواقع نحو إيجابية تواجه تلك السلبيات
وهذا الخنوع ، فكان للأدباء
فى تلك الدول، خاصّةً
فى أمريكا اللاتينية
التى تتشابه معنا لحدّ كبير فى
أمورٍ كثيرة مهامٌ صعبة
قاموا بها، وأثّرت تأثيراً كبيراً فى التغيير .
*وقد دخلت الكتابة
القصصية والروائية مرحلة
نضوجها مع بدايات القرن
العشرين، نتيجةّ لانعكاس
الأحداث التاريخية التى
مرّت بها تلك البلاد.
*وإذا كانت الكتابة
القصصية فى بدايتها قد سيطر عليها الاتجاه الواقعى الخالى من التِّقَنيّة أو
حِرفيّة الكتابة ، إلا أنها مع تيار الحداثة التى وُلدت على يد الشاعر
الكبير(روبين داريو) الذى مزجها بالشاعرية،
فأدخل العديد من
التجديدات على اللغة وعلى الأخيلة، مما أدى إلى أن يتمتّع كُتّاب الحداثة بقدرة
فائقة على هضم الثقافات
الأخرى، وخَلق إبداعات
جديدة، وجاء
كتابُه"أزرقAzul"عام ١٨٨٨م، ليؤكد
على هذا التجديد ويبدأ
الثورة الأدبية التى امتد تأثيرها على البلاد المجاورة.
* وجاء (أمادو نيرفو)
لينقل إلى كُتّاب المراحل الجديدة نظرية الكتابة فى إطار الحداثة، وكان مما
كتب :" حقيقةً أنه
لكتابة القصة القصيرة ليس من المُفترض استخدام التخّيل دائماً، فالكاتب يرى الحياة
تجرى من حوله، وقد يفاجئه مشهد معيّن،
أو ملمح معيّن ، فيقطف
من هنا وهناك أشياء متفرّقة، سواء كانت واقعية أو أشخاصاً من حوله، أما مايحدث بعد
ذلك فى الكتابة فهو قليل، تنظيم
تلك الملاحظات وتشكيل
القصة منها".
*وقد سيطرت مابين
الحربين العالميتين عدةُ اتجاهات على الكتابة، منها الكتابات الشاهدة على حركة
المجتمع، فجمعت بين الكتابة التاريخية والعاداتية، وكان من أبرز هذه الكتابات، قصص
وروايات ل(هوراسيو كيروجا) فى قصصه:
"الصحراء"
و" المنفيون".
*وتتطوّر القصة القصيرة
فى أمريكا اللاتينية وتصل لأقصى تقدُّم لها خلال الخمسينيات، حتى أن النقاد
أطلقوا على تلك الفترة
" الفترة المُدهشة"، نظراً
لتحوّل العديد من كبار
الكُتّاب فى الأنواع الأدبية الأخرى إلى كتابة القصة القصيرة، فظهرت عام١٩٥١م
أوّل مجموعة قصصية
متكاملة للكاتب الأورجواى
(خوان كارلوس أونيتى)
بعنوان" حلم متحقّق وقصص أخرى"..وقدّم الأرجنتينى (خوليو كورتاثار)
مجموعة"
بيستياريو"..وجاء المكسيكى (خوان رولفو)ليقدّم مجموعته الرائعة"السهل
يشتعل" ، ثم الكولومبى الرائع( جابرييل جارثيا ماركيز) ليقدّم رؤيته لبلاده
من خلال مجموعته القصصية"الأوراق
الجافّة"الصادرة
عام١٩٥٥م، إلى أن نصل إلى الكاتب
الأرجنتينى (خوليو
كوتاثار) فى مجموعته"الأسلحة السرّية".
* وجاءت الفترة التالية
لتشهد ظهور روايات صنعت شهرة لهذه المنطقة ،كمنطقة إبداع كأنه النهر المتدفّق ،
كراوية"الكولونيل لايوجد مَن يكاتبه" للكاتب الكولومبى (جابرييل جارثيا
ماركيز) ، ويظهر
رسوخ الحركة الروائية
الجديدة فى رواية"موت
ارتيمو كروث"
للكاتب المكسيكى (كارلوس فوينتس)
الصادرة عام ١٩٦٢م.
* إن أمريكا اللاتينية
ةمرّت بواقع مُفجع دموى، وفقر وأمّيّة، يصاحبهما الخرافة والرعب والموت
والاسطورة.
* لقد عاش الإنسان فيها
_بعد اكتشافها والقرون التى تلت ذلك _ ليتهدّده الموت فى كل لحظة على أيدى العسكر
والديكتاتوريات العسكرية، فى رعب شبه يومى، حياتُه كلها..مايزرعه ومايصنعه، يحمل
إنتاجُه على ظهره ليسلّمه للشركات المتعددة الجنسيات، أو لتجّار المخدّرات ومافيا
التهريب، الذين يتحكّمون فى كل شئ.
*وعندما تهُب عليهم
رياح التغيير، مما سُمّى بالنُظُم
الديمقراطية، لأيام ذلك
إلا بشروط قاسية، أولها :
التغاضى عن محاكمة
مجرمى الماضى، والتعايش معهم تحت سقف واحد، "سقف يجمع القاتل والمقتول"
، وإلّا فإنَّ العسكَر لايزالون يحملون السلاح استعداداً للعودة فى أى وقت، بمعنى
أن الديمقراطية كانت بحقّ أقسى من الديكتاتورية ذاتِها، لأن الإمبريالية كانت
تتحكّم فى كل شىء،
والإنسان فى تلك البلاد
كُتٓبَ عليه أن يعيش لصالح
الآخر الذى يتحكّم.
....فى هذا المناخ وُلِدَت الكتابة...
لتقاوم
لِتُحرِّض على التغيير
لِتنهضَ بالبلاد
* قام الكُتّاب بدورهم
الحقيقى ، لقتل...
الاستسلام
و...الخضوع
_____________________
* إن القراءة فى أدب
كُتاب أمريكا اللاتينية لَمُمتِع...
جذّاب.. مثير
للشجن..أحسبه كثيراً يحكى عنّا فى بلادنا..فالهمّ واحد..عبر التاريخ..عبر الواقع
........
ولعلّنا لاحظنا فترة
ازدهار كتابة القصة القصيرة عندهم والرواية، وهى فترة الخمسينيات..أظنها نفس فترة
ازدهارها لدينا.
* الاحتكاك بأدب أمريكا
اللاتينية غاية فى الفائدة...
للتشابه ومانشترك فيه معاً من معاناة..والاتجاه
الواقعى فى الكتابة الذى نُفضّله ..مزيدٌ من التواصل
والتعرّف على كتاباتهم
أمرٌ مُهم للغاية.
________________
_ سنواصل إن شاء الله_
________________________________
حامد حبيب _ مصر