حامد حبيب
أدبُ الشكوى
* يُربِّتُ الفيلسوف (سقراط)على ساق (أفلاطون)
بعد أن رُفِعَ عنها القَيد ، ويقول له :" ماأعجب هذا الشئ الذى يسمّونه اللّذّة ،
وماأغرب صلتُه بالألم
الذى قد يُظَنّ أنّه
اللّذّة ، نقيضان لأنهما لايجتمعان
معاً فى إنسان ، مع أنّه لابُد لِمَن يلتمس أحدهما أن
يحمل معه الآخر . إنهما اثنان ولكنهما
ينبُعان معاً من أصلٍ واحد.
* فأدب الشكوى نوعٌ من النقد ، ولعلّ أصحابه قد
وجّهوه لِمَن لايستطيعون مواجهتهم
، فآثروا أن
يحتموا وراء
أساليب البلاغة ، عن أن يتعرّضوا
للبطش ، فإذا بحثنا عن
الغاية التى استهدفتها هذه
الفنون ، وجدنا أنها هى
البحث عن حلول لمشاكلهم.
ومن أظهر مايبحثون عنه_
ببراعتهم الفنية الكبيرة_
مسألة الراحة .
والراحة التى يرنو
إليها الشاعر ، ليست مجرّد فراغ من
العمل ، بل هى أصلها الوصول
إلى حل
مناسب ينتصر به
الإنسان على مشاكل الحياة ، ومن هذه الأعمال ، قول الشاعر
:
كل
المجاريح طابوا بسّ
أنا فاضل
وطبيب
لجْراح دوا الناس
ونا فاضل
أنا قلت ياطبيب ماعندكش دول فاضل
عسّس على القلب والتفت قال لى........
روح ياقتيل المِلاح ماعاد لك دوا فاضل
* وفى كافّة فنون الأدب
الشعبى ، تنتهى الشكاية
أو النقد أو الخوف إلى مركز يجمع كل شئ ، ذلك
هو الزمان ، والزمان
بهذه الصورة هو المصير ، وله
مرادفاته الذائعة ، فقد
يستخدم الشاعر أيّة كلمة
من الكلمات التالية
للدلالة عليه ، وهى " الدنيا " و
" البين"
و" المكتوب" و" القدر" و" الدهر" و"
الحظ"
و"البخت"
و"النصيب". فهذه الأسماء
جميعاً لِقوّة
باطشة ، أكبر من
الإنسان ومن إرادته.
* وعن
هذا الألم ،
نجد أن التعبير
عن الألم باستخدام أبرع الأساليب ،
إنما يدُل على أنَّ عواطف
الشعب اكتسبت
عبقرية الألم أو مايخصّه
، وهى قدرة عظيمة مندمجة لديه بقدرة أخرى عظيمة هى
السُّخرية. فهم
ينظرون إلى الحياة
بعينٍ دامعة، وأخرى ساخرة ، ويرتبط ذلك
عنده بالتأسية ، أى
يربط الشكاية بالصبر
والانتظار والاتّكال ، وكأنّ لديه
أمل غامض فى أن تحلّ
المصاعب نفسها بنفسها.
* واللافت للنظر ، أن
الألم والتعبير عنه بالنقد، نجده
أكثر مانجده
فى الشعر ، فإذا
بحثنا عن التأسية بالصبر والفرج ، وجدت تعابيرها فى
الأمثال والأقوال النثرية . يقولون
الأمثال فى حال عدم
الاستطاعة على حل المشكلة ، ويشبهون
المشكلة
بالطعام الساخن
.."اصبر على الحامى تاكله بارد"....
و " اغسل غسيل
الهم واتّكل على الشمس "..و"أيوب صبر لمّا انمحى المكتوب"..و
" الصبر مفتاح الفرج".