المازنى..بين رومانسية المضمون ورمزيةالتعبير
حامد حبيب
انا اللهُ من قومٍ نُذيبُ نفوسَنا
ويجنى سوانا مانشورُ
ونقطفُ
ويصدر عنّا الناسُ ريّا
قلوبِهم
ونحن عطاشٌ
بينهم نتلهّفُ
نذوقُ شقاءَ العيش دون
نعيمِه
على أننا بالعيشِ
أدرى وأعرَفُ
....
.... .....
مَن يشترى شعرى على
حُبِّهِ
براحةِ الغافلِ
عن دهرِه
من يشترى
نفساً وآلامَها
بثقلة المأفوكِ
فى فكرِه
_________ يصوّر
(المازنى) عملية الإبداع المُعقّدة
بأنها تمُرّ بمراحل
كثيرة (الفكر/الوجدان/الخيال)...
ومايعانيه فيها من
مخاض، خاصةً إذا كان مخاضاً
شعرياً ، فيقول :"
وكثيراً ماأشعر أنى
مدفوع إلى الكتابة ، وإنى لاأملك
التحوّل عنها أو إرجائها ، وأنى
سأشقى وأسقم
إذا لم أُذعِن
لهذا الدافع الغامض، فأجلس
إلى المكتب ، وليس فى
رأسى شئٌ سوى
الإحساس العام
الثقيل بالحركة ، ولأنها
توشك أن
تتمخَّض عن خاطرٍ
معيَّن أو خالجة معيّنة ، ويكون
القلم فى يدى تلك
اللحظة، فأخُط به على الورق وأنا
حائرٌ ذاهل
لا أحسّ ماحولى ، بل
لاقُدرةَ لى على الإحساس بشئٍ
مما يُحيطُ بى ، إلّا إذا حُملتُ على ذلك حملاً ، وخرجتُوبها
من ضباب الحيرة والذهول
والسَّهو بجهدٍ واضح . ثم تخطر
لى عبارة ، وأنا لا أدرى إلى أين
تمضى بى ، ويغلب أن يطول
تردّدى فى البداية ، ثم يمضى
القلم بعد ذلك
بلا توقُّف ،
ويستغرقنى الموضوع
وتستولى روحه علىّ فلايبقى
لى بالٌ إلى شئ ، حتى
إذا انتهى الأمر ونصب المعين
ألقيتُ القلم والورقات،
ورحتُ أتثاءب وأتمطّى، كأنما
كنتُ نائماً ،
ويكون هذا آخرَ
عهدى بما كتبتُ فى يومى ، وقد استعملتُ لفظ "
التمخيض" وأنا أعنيه ،
فليس ثَمَّ
أدنى فرق _فيما
أعلم وأُحس _ بين
التمخُّض بالجنين وحركة التوليد فى النفس".
________
كان ( إبراهيم عبد القادر المازنى ) نموذجاً
رائعاً للمُبدع الشامل..فقد كان قاصّاً وناقداً ومترجماً وكاتباً للمقال،
إلى جانب إبداعه الشعرى ، فقد كان له ديواناً
فى مُجلّدَين ،صدر
الأول عام١٩١٣، والثانى عام١٩١٦م
وكان لإبداعه الشعرى
حضور ظاهر وسحر ، فقد كان
شاعر النفس الإنسانية ،
غاص فى أعماقها بأحزانِها
وانكساراتها.
*قال عنه الدكتور/محمد
مندور ، أن شعره جمع بين رومانسية المضمون ورمزية التعبير.
* وقال عنه
الدكتور/محمود الرُبيعى ، إنه رومانتيكى من رأسه إلى قدمِه .
* بينما رفض الدكتور /عبد اللطيف عبد الحليم، أن
يكون المازنى منطوياً
تحت أى اتّجاه من الاتجاهات
الأوربية ، لأن فى
نظريته أمشاجاً من كل المذاهب
والاتجاهات ،
ففيها الاهتمام باللغة
وفيها العناية بالنفسيات ،
فهى إذن نظرة متكاملة
لفن الشعر المرتبط بالشاعر
والحياة.
* وإذا كان (المازنى)
وجماعته من مدرسة الديوان
قد تأثروا بالآداب
الأجنبية وخاصةً الأدب الإنجليزى
والشعر الانجليزى، لكنه
اهتداءٌ بضيائه دون تقليد ،
والتشابه كان فى فهم
الرسالة فقط.
* من أشعاره:
فتىً مزّقَ
الحب المبرّح قلبَه
كما مزّق
الظلَّ الضياءُ أياديا
قضى نحبَه كالمُزنِ
فِضنَ مدامعا
وخلفنَ آثاراً
لهنّ بواديا
...........
كتمتُك حُبى خشيةَ
الصّدِّ والقِلى
وحصّنتُه حتى رمى
بى المراميا
بعُدتُ كماضى الأمسِ
عنى غايةً
وأقربُ شئٍ
أنت مثوَى وثاويا
.........
تموتُ مع
المرءِ الهموم ، ولن ترى
ككأسِ الرّدى من
علّةٍ العيشِ شافيا
ولستُ على
شئٍ. بآسٍ ،
وإنّنى
لَأهجُرُ ظهرَ
الأرضِ جُذلانَ راضيا
* لقد كانت تلك الأبيات
من قصيدة القصائد فى شعر
المازنى ، وهى قصيدة
" الشاعر المُحتضِر" ،
جاءت وكأنه يلفظ وصيتَه الأخيرة.
_ رحم الله المازنى
_____________
حامد حبيب_ مصر