حامد حبيب
________( النقدُ ضرورة
لاغِنى عنها)_______
---------------------------
_(امرؤ القَيس) يُطلِّق زوجتَه..؟؟؟
-------------------------------------
* قال (حمّاد الراوية):"كانت العربُ تعرضُ
أشعارَها
على قُرَيش ، فما قبلوه
منها كان
مقبولاً ، وماردّوه
منها كان
مردوداً ، فقدم
عليهم ( علقمَة بن عبدَه)
فأنشدهم قصيدتَه التى
يقولُ فيها : " هى ماعلِمتُ وما استودعت مكتوم " ، فقالوا
هذا سِمطُ الدهر،ثم عاد إليهم فى العام المُقبل فأنشدهم" طحا بك قلبٌ
فى الحِسانِ طروب"
، فقالوا : هاتان سمطا الدهر ".
* ولقد
مدحه(الفرذدق)قائلاً:
والفحلُ علقمَة الذى
كانت له
حُلَلُ الملوكِ
كلامُه يُتَمَثَّلُ
* أمّا (امرؤ القيس) ،
فقد قال فيه(عُمَر بن الخطّاب)
عندما سأله
(العباسُ بنُ عبد المُطّلب) عن
الشعراء،
فقال : " امرؤ القَيس
سابقهم ، خسف عينَ الشِّعر
(فجَّرها)فافتقر عن
معانٍ عُورٍ أصحّ أصحّ بَصَر".
* لكنّ امرئ القيس كان
لايرى أحداً أفضلَ منه، فقد
كان يتملّكه العُجب
والغرور، إذ كان (علقمة) صديقاً
له...وفى أحد الأيّام
تناظرها حول أيُّهما أشعَر،حتى
قال (امرؤ
القيس):" انعَت ناقتَك وفرسَك، وأنا أنعتُ
ناقتى وفرسى" ،
قال : نعم ، فافعل
والحُكمُ بينى
وبينك هذه
المرأةَ من ورائك ،
يعنى امرأة امرئ القيس الطّائية، فقال( امرؤ القيس
)قصيدتَه التى مطلعها:
خليلىَّ مُرّا بى على أمِّ جُندُبِ
لِنقضى حاجاتِ الفؤاد المُعَذَّبِ
وقال (علقمة) القصيدة
التى مطلعها:
" ذهبت من الهجران فى غير
مذهَب"
فلمّا فرغا
من قصيدتيهما عرضا
على الطائية
امرأة امرئ القَيس ،
فقالت:"فرسُ ابنُ عبدَه أجودُ من فرسك. قال لها( امرؤ القيس ): وكيف؟ قالت:
لأنّكَ زجَرت، وحرّكتَ
ساقَيك وضربت َ ، وإنّه جاهرَ الصّيد ، فغضب عليها امرؤ القيس،فطلّقها، وتزوّجها
علقمة، وهكذا اكتسب
لقب"الفحل".
* فإن كنّا سابقآ قد
تحدّثنا عن عيوبٍ يرتكبها النُّقّاد
بين قسوة
وتعالى ومجاملات وتبنّى
نظريات ومُصطلحات أجنبية جامدة
لايتم توظيفها بشكل
جيّد لصالح العمل
الفنى، فإنّ من النُّقّاد من لايحمل
من تلك العيوب شيئاً ،
بل يحملُ ضميراً يقِظاً ولديه
حيادية التعامل مع كافة
النصوص والأدباء على حدٍّ
سواء ، لكنه
لايلقَ فى الوسط الأدبى رواجاً ، لأنه_
للأسف_ صار أكثرُ
الكُتّاب لايتقبّلون كلمة
الحق، وغير مُدركين أنّ مثل هؤلاء النقّاد لايتصيّدون لهم
الأخطاء، وإنما يكشفون
الجوانب الإيجابية ، وأيضاً
لايغفلون بعضَ
الجوانب السلبية فيُنبّهون
إليها
ليستقيم العمل ، ويصبح
فى صالح الأديب لاضدّه.
* والنقد..له جذورٌ
قديمة عند العرب ، فى سوق
" عكاظ " _ كما نعلم_ و"ذى
المجاز " وكان ( النابغة
الذُّبيانى) ناقداً
كبيراً عند العرب
، له ثُقلُه ، وكان العرب أغلبهم يقول الشعر ولديهم ذائقة نقدية .
* ولقد وقف الرسول(صلى
الله عليه وسلم)ذاتُه من
الشعر موقف الناقد فى
كثيرٍ من المواقف، مثل خلعه
بُردته على كعب بن
زهير" وهو ما يعنى استحسان شعره" ، ودُعائه للنابغة الجعدى ، ورأيه فى
عنترة،
واستحسانه لشعر أُميّةَ بن أبى الصّلت ، رغم أنه لم
يسلم، واستنشاده
للخنساء. وقوله لحسّان بن ثابت
" اهجهم _أى
قريش_ومعك روح القُدُس ، والقَ أبا
بكرٍ يُعلِّمك تلك
الهنّات" وهو حثٌّ على الاستعانة
بالنقد، مُمثلاً فى أبى
بكرٍ كناقدٍ ماهر، ولعلمه بأنساب
العرب أيضاً.
* وكان ل(عمر بن
الخطاب)رأيه فى الشعراء، فقال
فكان(زُهير بن أبى
سُلمى) عنده "أشعر الشعراء"....
ولديه أسباب
ذلك ، فقال : "لأنه كان لايُعاظِل فى الكلام _أى :يُداخل فيه_وكان
يتجنّب وحشىّ الشعر
ولم يمدح أحداً إلا
بماهو فيه"..وكان (النابغة) عنده
أشعر العرب وأشعر الناس
، وسبق أن ذكرنا رأيه فى
(امرئ القيس).
* فالنقدُ داعمٌ
للعملية الإبداعية ، طالما ابتعد عن كل
مايُسئ إليه من مجاملات
وعواطف وتحامُل وقسوة
وتعالٍ، وطالما الناقد لديه من المعرفة مايستوعب
كل جديدٍ فى هذا المجال ، وأن تكون لدى الناقد موهبة النقد
والذائقة التى تعلم كيف تتعامل مع
جماليات النّص المخبوء
منها والظاهر ، وأن نتعامل
معاً كشريكَين فى خلق
العمل الإبداعى، وفى الرسالة
التى نُقدّمها للقارئ ،
ولا أريد أن يكون موقف الكاتب
من الناقد، موقف
الطائية زوجة امرئ القيس، تصدق
النقد فيكون
جزاؤها الطلاق ، فلا ينبغى أن
يكون جزاء الناقد الذى اجتهد فى النصّ قطع العلاقة معه
وكراهيته ، والتشاؤم من
وجوده. فإن الناقد الصادق
قيمة كبيرة تضيف إلى العمل
الأدبى، حتى ولو نبّه
لبعض جوانبه السلبية،
مادام ناقداً نقياً صادقاً واسع
المعرفة.
_____________________
تحياتي لكم. حامد حبيب _مصر