جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك

 

أسامة أسبر

***

سأصغي



 

-١-

لا أرى شجرةً

رغم أنني أفكّرُ بواحدة الآن.

نافذتي مسدلةُ الستائر

الليل يغطّي وجه الأشياء كأنه حجابٌ.

أتخيل شجرةً،

أراها على شاشة ذهني

كنت أتسلّقها فيما مضى

في وادٍ لم يعد يعيش

إلا في ذاكرتي.

أرى الطفل الذي كان يتسلقها

أعرفه ويعرفني

كلٌّ يعيش في عالم متصل

هو يتسلق شجرة في ذاكرتي

وأنا نافذتي مغلقة

والليل خارجها

يلتصق على الأشياء كالصمغ.

-٢-

أستيقظ باكراً جداً كل يوم.

تمرّ في ذهني أحياناً صور

لدروب قديمة

كانت المياه تتدفق عليها في الشتاء،

لعنفوان ماءٍ

لشتاء له لونُ

تربةٍ تتشبّع

وأشجار ثملة

ونباتات تتلألأ عليها القطرات

ولطيور مختبئة

لحمام أسمع هديله الشاكي

لبيوت يتصاعد من مداخنها الدخان

أرى الأيدي فوق النار

أرى عروق النار في الأيدي.

كان الشتاء حقيقة

تستطيع أن تعانقها

وتقبلها على خديها دون أن تخشى

تبلّل شفتيك بمائها.

-٣-

صباح آخر في كاليفورنيا،

طرق طويلة وعريضة

مضى عهد الطرق الوعرة

مضى عهد الدروب

لم يعد هناك مسافرون راجلون أو على الأحصنة

ولم يعد هناك حكايات عما يجري في ولايات أخرى

أو، لم يعد هناك مسافات

صارت المدن قريبة من بعضها

وصار الناس أكثر بعداً عن بعضهم،

أو هكذا يُقال.

طرق سريعة تبقع جسد الولاية بالإسفلت

تزحف كالثعابين بين الأودية والتلال

تحفّ بها حقول الماريجوانا،

حقول القمح والأرز والبطاطا والقرع

وعلى التلال أشجار البلوط المهيبة

تشكل عالماً خاصاً بها من الأغصان.

في الليل.

في بعض الشوارع

رائحة الماريجوانا في كل مكان

أكثر ألفة من الضوء

أكثر حضوراً

من الهواء.

-٤-

في السادسة والنصف صباحاً

اتصلتْ بي صديقةٌ كي تخبرني

أن علاقتها التي استمرت ١٤ عاماً مع زوجها

شارفت على الانتهاء.

سيسافر كلٌّ منهما في اتجاه

أو سيفلت أحدهما من شباك وحدته.

أخبرتني مرة أنها حلمت بأنها على سرير

يعوم فوق مياه مضطربة

 في غرفة نوم لا حدود لها،

ثم دفعتْها يد وسقطت في اليم

وعلقتْ في شباك مصلية في الأعماق.

قلتُ لها على ضوء ذلك الحلم:

ربما حان الوقت الإفلات من الشبكة.

-٥-

للحب أحياناً أشكالٌ غريبة،

أحياناً يكون صمتاً

صمتاً حجرياً،

وأخيلة في الذهن،

ربما هناك خوفٌ من أن يتحوّل إلى حقيقة

فينفضح ويتلاشى.

-٦-

الذين يريدون أن يغيّروا العالم

 أو يغيروا عليه باللغة،

 يسكنون في اللغة أو تسكنهم

يعشقوق موسيقاها الصاخبة،

يبحرون في مراكبها فتغرقهم

 تحت الأمواج الصاخبة لبحر الاستعارات

والتشبيهات، في تقلب مجازاتها 

في الأعماق المضطربة لجملها

في اندفاعها على البياض كثعابين مريشة

لا وجه لها.

الذين يحولون اللغة إلى مهرجان ألفاظ

يضيّعون همس الأشياء،

أو ربما لا يكترثون به

يتوجون اللغة حاكماً مطلقاً

ويبنون حولها سوراً من المعاجم.

-٧-

 لا أحب أن أكون ناطقاً

باسم أي شيء.

أحياناً أعجز عن تمثيل نفسي..

حين أفكر بما أريده

حين أفكر بمطالبي

ولا أحظى بها

أعرف أنني في حفرة الواقع نفسها

مع غيري

وأنني في النهاية سأتسلق

 خارجاً منها لوحدي.

أشعر أنني حتى حين أمثل نفسي

أسيطر عليها

أسرجها في خدمة أفكاري

وأقودها على دروب لا تريدها.

-٨-

سأصغي

سأصغي

إلى ما تقوله النافذة

حين تنفتحُ وتطلُّ على شيء آخر

سأصغي إلى منزل

يعيش في هذه الإطلالة

وينفتح فيه أفق الأعين.

سأصغي

سأصغي

 إلى كلام الأشجار في الغابة.

لها لغات كثيرة

غير أنها لا تُعلَّم في المدارس.

سأنحني

سأنحني

وأبلل شفتيّ بالينبوع

كما كنت أفعل في طفولتي

وأغترف الماء وأرشّه على وجهي.

سأصغي

سأصغي

 للماء وأستسلم لموسيقا جريانه.

سأقرّب

سأقرّب

 وجهي من وجه الزهرة

وأغمض عينيّ وأغرق في الرحيق.

سأصغي

سأصغي

لقمم الجبال

سأصعد إليها

سأظل أمشي صعوداً حتى أصل إلى الغيوم

كي أصغي إليها أيضاً.

ثمة عودة يجب أن أعودها إلى الأشياء.

سأصغي

سأصغي

إلى جناحيْ الفراشة

وأنا أفكّر

كيف يمكن أن أعيش فيهما قليلا

أن أشفَّ وأعيش فيهما قليلا

أن أشعر بارتجافهما

بدورانهما حول الأشياء

أن أحط معهما قليلاً

خفيفاً على ورقة عشب خفيفة.

ليس من الصعب فعل أشياء كهذه

كل ما عليّ فعله هو

أن أحضّر نفسي لهذا البهاء

أن أطلّق أفكاري القديمة

أن أبحث عن أفكار لا تتحول إلى أصنام

ولا تحول اللغة إلى مستودع

وتقف حارساً على بابه،

أن أفتح صدري للهواء

لاتساع الأفق البحري

وحين أسير على الطرقات

لا أحيل الأشياء إلى مصادر أخرى

أنظر وأصغي إليها

 وهي تتفتح وتخرج من نفسها

كبتلات الوردة

كبتلات الضوء

وتسافر إليَّ وتعبرني كما لو أنني

طريقٌ لها.

.

أسامة أسبر

سوريا


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *