عبد المنعم عامر
🌹🌹
أهلا أبي...
أنا "منعم ابنك البكر "
معجزتك التي ترى بالعين المجردة
ويلمسها الناس وتمشي في الأسواق
وتبكي كل خمرٍ وقليل...
ليلةُ شتاءِ سنةَ 1996 كان عمري عامًا حينها؛مليئًا بالأمراض منذورًا
للموتِ أكثر من أي وقت، ملفوفًا كالحزن في قَماطٍ مُزَّق من فستان قديم!
نَبهّتك أمي بعد أن تعبت أقدامها من اللف بي مخافة أن تزعجَ نومك العصبي!
إنهض...سيموت يا رجل،
إنه أقربُ للقبر من الصَبر
وأضيقُ نفسًا من أن يبلغ الصباح
طفلُ الدمعِ هذا لن يبقى منهُ لآخر اليوم سوى الصراخ!
وبخفّة الحشّاش الطيب
حافي القدمينِ عاري الرأس اليتيم
والمطرُ الحزينُ يذرفه الجبين
تحضنني أكاد من أضلاعك لا أُبين؛
كنتَ تقولُ في وَتر الرجال:
لا تمت الآن ...
تحمّل قليلاً حاجزٌ واحد وسنكون بأمان؛
بعدها أكملَ دمعك النبيُّ ما تخطّاه الكلام!
قبلَ المشفى بقليل...
أيامَ العشريةِ السَوداء والدمِ المبين
بنادقهم الآن موجهةٌ لجسدكَ النَحيل
تنظرُ في عينيّ تبسمُ في انكسار المهزوم
كأنك أردتَ أن تقول:
بعضُ خطواتٍ أخرى وهذا الموت يزول!
أخرجتني منكَ
فتحتَ بحذر اليتيمِ دفء اللثام عن وجهي
وصرختَ في احتراق الواقف على الجمرِ
ليستْ قنبلةً هذا كل ما أملكُ
أسمي "عبد الحكيم عامر"
ميكانكي في آخر الشارع
نسيتُ بطاقتي تحت الوسادة
لا أملكُ أهلاً ولا بيت
والدي مطلقان منذ زمنٍ بعيد
وهذا الطفلُ كل عائلتي
وزوجتي الآن ترجو من الله أن يعيش...
تجاوزنا الحاجز يا أبي
والفقر
والحاجة
الطريق الطويل
غرفة القصدير
وألمُ ظهرك الذي يعودكَ
من حَمل الحقائب كل هاته السنين...
تجاوزنَا كل شيء
الطعنات والخُصومات
المنعرجات والمحطّات
خبث البدايات وعنفُ النهايات
المسرّات والإنكسارات
قهرُ الرجالِ والبقاياتُ الصالحات
مزاجيةُ الرياح ضد قاربنا الضئيل
بيتنا الذي بنيناُه يدًا بيدْ ومن كيدِ أولئك الذينَ
سقطْ!
بيتنا الذي تربّى فيه أخوتي الخمسة
هدّهُ الأقارب وجرفتهُ القسوة
بيتنَا الذي تبكيه أمي كل لحظة
تهاوى خلفنا...
باغتهُ النسيان وطحنته الحسرة!
تجاوزنا كل شيء معًا
دمعة بدمعة
وفي كل خيبةٍ تقول لي:
تمسّك بحزنك أن يضيع فنضيعَ يا بنيّ
وكن لحزنكَ أوفى من صَحبك
غدًا ستخونك الحبيبةُ ويقطعُ الحبُ ظهرك
غدًا تمزقك الخيباتُ فاستر كما اتفقنا دمعك!