المُثقَّفون ودورهم فى التغيير "١"
المُثقَّفون ودورهم فى التغيير "١"
؛!؛!؛!؛!؛!؛!؛!؛!؛!؛!؛!؛!؛!؛؛!؛!؛!؛؛!؛!؛!؛!؛
كان للأحداث العالمية بعد الحرب العالمية
الثانية، وامتداد حركات التحرُّر إلى القارة الأفريقية وظهور
قوّة الرأى العام
الدولى المُناهِض الاستعمار أثرٌ كبير فى أن يتطوّر المجتمع القِبَلى فى"
الكنغو" على يد
المثقفين فيها .
لقد حاولت البعثات
التبشيرية التى كانت دائماً ماتُمهّد للاستعمار وتصاحبه، أن تعمل على نشر المدارس
التبشيرية ؛ لخدمة أغراضها، وإيجاد جيل
موالٍ للاستعمار
يقوم بالترويج له ، وبالفعل بدأت نواة جيل مثقّف تظهر
بفضل هذه
المدارس ، لكنها كانت موالية لأوطانها .هذه الطبقة المثقّفة استطاعت بمزيد
من العلم أن تكشف نوايا الاستعمار
وتشعر بالظلم من خلال
مبادئ آمنا بها ، وهى تحرير
البلاد من المُستعمِر ،
فانقلبَ السِّحر على الساحر، حيث شعر هؤلاء المثقفون بحرمانهم من خيرات بلادهم ،
التى يتمتَّع بها الإقطاع من ناحية، والاستعمار من ناحيةٍ أخرى.
وأخذ الاختمارُ الفكرى
يتزايد ويسرى بينهم فيما بين الحربَين، فبحث عن حقِّه فى الحرية و تقرير مصيره ،
فقام هؤلاء المثقفون بإذكاء روح القلق والتذمُّر ضد المستعمِر.
فلمّا انتهت الحرب
العالمية الثانية، وشاهدوا الاستعمار يسقط تباعاً فى آسيا ، أخذت هيبتُه تنزل
فى نفوسهم، وسهُلَ
عليهم الوصول فى وجهه. وكانت الإمبريالية الاستعمارية قد أخذت فى الانحدار. فلما
ظهرت الحركات التحرُّريّة فى القارة
الأفريقية وآزرتها
هيئةالأُمَم ، كانت ساعة الانفجار
قد أوشكت فى الكنغو.
وكانت تحت سيطرة
البلجيكيين ، الذين لم يسمحوا
بتكوين أحزاب سياسية،
فشجّعت على تكوين جمعيات ثقافية لتكون نواة لطبقة موالية لبلچيكا ،
وبتعمل على الحيلولة
دون ظهور الحركة القومية،
ولكن هذه الجمعيات
الثقافية كانت يقِظة ، وتحوّلت عن مجاراة الاستعمار فى أهدافه الخبيثة، وكان منها
جمعية"
باكونجو" التى أصبحت _فيما بعد_ حزب
" أُباكو"
والتى أصدرت عام١٩٥٣م جريدة " الوعى
الأفريقى" ،
واشترك فى تحريرها صفوةٌ من الشباب المُثقّف.
وأخذت هذه الفكرة
السياسية تنتشر بين المثقفين
على أساس العمل من أجل
التحرُّر ، فلما وجدت البرجوازية فيها سبيلاً لصيانة كيانها أيّدت دُعاة هذه
الفكرة، ووجدت قوتها
الفعلية بين طبقة العمال الكادحة.
وأحسّت بلچيكا بهذا
الاختمار ، فحاولت استرضاء هؤلاء بلون من الحُكم المحلّى ، وأجرت انتخابات
فى ديسمبر سنة١٩٥٧م، لثلاث
مجالس بلدية، نصفها من الأوربيين، والنصف الآخر من الأفريقيين ، وفاز
" حزب
أُباكو" الذى ضمّ المثقفين بالأغلبية. فحاولت بلچيكا إنشاء حزب يعمل على
تمزيق القوى الناهضة
لكنه مُنى بهزيمة
ساحقة، وفشلت بلچيكا أمام قوة المثقفين فى "حزب أُباكو" أن تصنع لها
حليفاً موالياً لها فى البلاد.
وفى أغسطس سنة١٩٥٨م ،
عرض (ديجول) على الكنغو الفرنسى_"حيث كان شمال الكنغو خاضعاً للاحتلال
الفرنسي"_الاختيار بين الحكم الذاتى أو الاستقلال التام، فأستثار ذلك الشعورَ
القومى الناشئ بالكنغو، وعُقِد مؤتمر الشعوب الأفريقية فى " أكرا "
نهاية سنة ١٩٥٨م،
واشترك فيه شعب الكنغو الذى قرّر الاستقلال التام لجميع المستعمرات الأفريقية.
وأخذ حزب"
أباكو" يدعو لاجتماعٍ لاتخاذ بعض الخطوات المستقبلية، فتوافد إليه الناس من
كل صوب، وأحسّت بلچيكا بالخطر ، وعدت بالاستقلال
وشكَّ الناسُ فى نيّات
ملكها، وأخذت طليعة الاتجاه
القومى تتجلّى فى حزب
جديد أسّسه(لوموبا)فى
مايو١٩٥٩م، وهو حزب
"الحركة الوطنية الكنغوية"..
((وكان"لوموبا"
أحد خريجى المدارس التبشيرية
ومن طبيعة المثقفين ، لكنه خرج سريعاً من
عباءة
الاحتلال، مؤثراً وطنه عما سواه)).
واندلعت الاضطرابات ،
تلتها ثورة عارمة، قضت بإعلان الاستقلال
فى(٣٠ يونيو ١٩٦٠م) ثم أجريت
انتخابات فى البلاد فاز
فيها "حزب الحركة الوطنية
الكنغوية"
بالأغلبية، وأصبح ( لوموبا )أول رئيس للوزراء ،
وأصبح (جوزيف كازافوبو)الزعيم المحافظ وقائد حزب " أباكو" رئيساً
للجمهورية ، وانتصر المثقفون على الاستعمار، وحرروا بلادهم
وقادوها إلى أول طريقٍ
نحو المستقبل.
_______________
حامد حبيب _ مصر