زكريا محمد
***
. بستان الألم
لو كان للشجرة أم لكنت أنا. لو كان لها أخ ضرير لكنت أنا كذلك.
تصعد في قلبي أغنية، ويصعد في دماغي غيرها. هكذا أنا دوما، نفسي تعاكس
نفسي. عندي فرس ولا أعرف في الخيل. عندي محبس في إصبعي ولا أعرف كيف أقفل باب
الليل.
أردت أن يملأ لي أحد كأسي وأن يشرب معي. بل أردت أن يكسرني على الحجر كأنني
زجاجة.
سقط زر قميصي على الأرض يا أميمة. فخيطيه لي، ثم اربطيني بجذع شجرة. أريد
أن أثغو مثل حمل تحتها.
وسوف أظل أهذي حتى يقتل شعبان أخاه رمضان. حتى تضيع الفرس في الغيطان.
لو كان للشجرة عريس لكنت أنا عريسها.
ولو كان في خنصرها محبس لخطفته وابتلعته، فأنا آكل خواتيم.
تصعد في قلبي أغنية، وتقتلها أختها.
*
اسميكَ نسرين، وأنا وأنت لا نعرف من هي نسرين أصلا. أسميكَ هنيدة وأنت لم
تسرح بجمالها المائة بين الكثبان حتى مرة واحدة.
خبّر إذن من يعرفك أن لا يأخذ قولي على معناه. فليس لدي معان. لدي شوق غامض
لا غير. لدي تفاحة وأنا أنقّلها بين ثديي. للرجال أثداء تختبئ فيها المعاني
والحليب معا.
وهل تعرف ما أريده حين أموت؟ أريدك أن ترفع لي جثتي إلى (برج الصمت) كي
تمزّقني الطيور بمناسرها.
لم أكن عبدا لك، ولا لسواك. كنت عبد الكلمات. أصعد كل يوم الدرج الطويل إلى
بيتها. وسوف أظل أصعد حتى تكلّ ركبتاي.
أتعرف أيضا أنني أزرع لك الفخاخ في طريقك كي تكسر لك قدمك؟!
بلى، هذا ما أفعله. أنا أعاهدك وأخونك. أنا أحالفك وأقتلك.
بقي القليل من الوقت حتى تحطّ النسور على برج الصمت يا حبيبي.
بقي القليل كي تتدحرج التفاحة من حلمة إلى حلمة على صدري.
*
ضربت الرمانة بقبضتي وفجرتها.
من أجل هذا خلق الله القبضة. وقد وهبها الحجر أيضا كي تضرب به الأشياء
الأشد صلابة مثل الجوزة.
هناك أشياء كثيرة تتجمع على نفسها، وتعاند. وهذه يجب أن تكسر. وهناك أشياء
تُسقط نفسها بالحبال من السقف كما لو أنها عناكب وتنجو. غير أنني سأتولى أمرها.
احذفني من قائمتك في الفيسبوك. لا اريد أن أكون في قائمة أحد. أتفهم هذا؟
أطلقَ الليل ينبوعا، فجاء النهار وأقفله. ومثل نملة فتحت الحقيقة ثقبا في
الأرض واختفت فيه.
وليس عبثا أنني كسرت الرمانة كأنها عدوي. كان دماغي يؤلمني، وكنت أداريه.
كانت عيني رَمِدة، وكنت أشفع لها بالعقيق.
رأسي على الوسادة، والجوزة تحت عظمة ترقوتي. عيني في السقف والسكين على
بلاطة المجلى.
لم تفكك كلماتي يا رب؟ لم تجعلها هكذا بلا معنى؟
ألأنني كسرت رمانة على بلاط المجلى؟ ألأنني وضعت حبة جوز تحت ترقوتي؟
لا بأس. سوف أتدلى من السقف بحبل أطلعه من فمي كأنني عنكبوت. سوف أكسر
بقبضتي قلبك يا حجر الياقوت.
*
بستانك الوحيد الذي عليك أن تقفل بابه بوجه الجميع، حتى الأحبة منهم، هو
الألم. لا تسمح أبدا لأحد أن يضع قدمه على عتبة هذا البستان. فهو ملك لا يشاركك
فيه أحد.
وكل بستان غيره تشرع بابه للعابرين.
*
صعدت إلى التلة. الشمس بين كتفي، وعصاي في يدي. هل العصا وسيلة أم غاية؟
لست أدري. لكن من المحتمل أنها غاية. من المحتمل أن الإنسان يصير إنسانا بالعصا.
لا تُعرف التلة إلا بالعصا، ولا تدرك الحقيقة إلا بها.
صعدت. أحد ما فرش السجادة الخضراء. سيعبر من هنا ملك في ما يبدو. من بين
هذين الحجرين سوف يعبر. وأنا أنتظر الموكب وعصاي في يدي.
الندى على نصال العشب. لكل نصلة قطرة. لكل نصلة عين تلمع تحت الشمس.
مضيت إلى شجرة التين التي أخرّت تينها إلى ما بعد المطر. لا أحد هناك سواي.
لا أحد. والعصا هي أطروحتى الوحيدة. أحني بعقفتها الأغصان وأقطف حبات التين، وأضع
في كيسي. لو كان لدي حصان لوضعت التين في خرجي. لكن الخيل تتبخّر تحت الشمس.
لو كنتُ برِجلين اثنتين لأضعت المشهد. عليك أن تمشي على ثلاث كي ترى
الأبعاد الثلاثة للكون.
يقولون: الطريق طويل والزاد قليل. لكن هذه ليست أطروحتي. فقد ملأت كيسي.
جعلت فيه ما يكفي كي أقطع الخريف والشتاء معا.
السجادة الخضراء فرشت، والملك سيعبر بين الحجرين. وأنا بانتظاره: عصاي في
كفي، والشمس بين كتفي.
.
زكريا محمد
فلسطين