كاتيوشا
شريف مصطفى
غريب ذاك الرباط المجهول بين النفس والجسد، شهوة تنغمر وقلب يشكو ونفس
تضيع، لا يجرؤ خيال العاشقين على الإخلاص؛ فربما لطاقة الحب أثر بليغ حينما تطغى
المتعة على العاطفة.
أتعرف من هي "كاتيوشا" ؟ تلك المرأة التي أخلطت قيم الحب بقيم
الاستشهاد في الحروب، ربما لا تختلف صاحبتنا "مشيرة" كثيرًا عنها؛ فقد
ذاقت عذاب الخيانة وخاضت حرب الكبرياء أمام ذل الحب.
كانت لحظة اعتراف تلعن فيها الصدق، تمنت "مشيرة" أن تختفي بعدها
من الوجود؛ فلن تحتمل هذا الصدق القاسي الذي لا يترك مجالًا للتسامح، ويخلق روح من
الشر لا تفكر سوى في الانتقام.
بلغة بديعة، وصور حالمة، وسرد عبقري، استطاع الكاتب الساحر خلق معجزات على
صفحاته؛ فقد غاص في أعماق وأفكار الرجل والمرأة بكل قوة وانسيابية، فعشنا مع
"مشيرة" خواطرها المضطربة بصحبة "رشيد" الروائي الراغب في
كتابة رواياته على صفحات الواقع.
فضّل الساحر أن نسمع صوتها فقط، وأظن أن له بصيرة رائعة في هذا الأمر؛
فالحكي الذاتي أجبرني على الغوص في نفس المرأة وهي هنا "مشيرة"، وسمعت
كل ما دار بعقلها من مخاوف وأسرار تجاه الحبيب الذي يكتب ويعيش غرام الواقع من أجل
تحريفه في الخيال، وكأن هؤلاء الكتّاب يهربون من الخيال للواقع وليس العكس.
رغم أن صوت "رشيد" لم يظهر إلا أني لم ألاحظ تحيّز أو ظلم لطرف
على حساب آخر؛ فقد استشعرت ما في نفس "رشيد" و "أسماء" من صوت
"مشيرة" فقط، كان صوتًا واحدًا لكنه صادق فوصلت معانيه والتمست مخاوفه.
لكن ربما الإسهاب قد أنقص من ولع تلك الحالة، ووضعني في بعض الملل، الحالة
جميلة ببساطتها وعمقها وتكثيفها، لم تكن تحتاج لإطالة تنقص من عظمة المضمون وروعة
المشاعر.
هذه رواية بقلم ساحر، له ألاعيب مبتكرة فريدة في اللغة والسرد، يستطيع أن
يخلق بها حالة ذهول الجمهور أمام العروض السرحية المدهشة، والأهم أنه يستطيع خلق
متعة أدبية خالصة تحيا في أعماق كل عاشق للفن.