حامد حبيب
الثقافة الإسلامية المعاصرة
--------------------------------
إنَّ العلمَ
والدينَ متلازمان فى
منطق القرآن ، والمجتمع الذى يوجَد
فيه الإسلام ينبغى أن يسوده جوٌّ صحوٌ من الدراسات الأصيلةِ الحُرّة ، ينمو فيها
العقل وتتوطّد فيها
أواصرُ الصداقة بين الإنسان
وبين عناصر وقوانين هذا العالَم . وإن كان أساس
الثقافة الإنسانية معرفة
الكون والحياة ، فهذه
المعرفة إنما هى وسيلة لمعرفةٍ أعظم، وهى معرفة
خالق الكون ، وربِّ كل شيءٍ ومليكه. ولم
نرَ كتاباً
كالقرآنِ الكريم يربطُ الإنسان بالكون، والعقل بالعلم
والضمير بالتقوى، والسلوك بالخُلُق.
والعلمُ الذى يُقبلُ المسلم عليه ،
ويرحل فى طلبِه ،
لبس علماً مُعيّناً
ولامحدوداً ، بل كل مايوثِّق
صلةَ
الإنسانِ بالوجود ويفتحُ
له آفاقاً أبعد من
الكشفِ
والإدراك .
ومن الخطأ أن نظُنَّ
أنَّ العلمَ المحمودَ هو
دراسةُ الفقه والتفسير وما شابه
ذلك من العلوم
الدينية
فحسب ، وأن نعتبر ما غير ذلك نافلةً يؤدّيها المسلم
تطوُّعاً أو يتركها ولاحرج. هذا خطأٌ كبيرٌ جداً ، إذ أنَّ
علومَ الكون والحياة ، ونتائج البحث
المتواصل في
ملكوت السماء والأرض لاتقلّ أهميّة عن علوم الدين
المحضة،بل إنَّ مايرتبط بها من نتائج يجعل معرفتها
أولى بالتقديم. فنصوص القرآن وألوف السُّنَن النبوية
تُشكّل مادّة علمية
تتّصل بفروع الثقافة الإنسانية كلِّها. فالثقافةُ الإسلامية
واسعةُ الدائرة ،
تضمُّ إلى جانب العقائد
والعبادات دراسات قانونية ومالية وسياسية. ولا
يحجر الإسلام على العالِم أن يدرسَ
مايشاء ، وذلك كان
سرَّ الحضارةِ الإسلامية لقرونٍ
عديدة ، وسرّ روعةِ الإسلام.
ولا يختلف العقلُ والنقلُ بأىّ شكلٍ من الأشكال ، ولا
تتناقض ثمارُ الوحى مع الفِكر، فكلاهما تصويرٌ مُجرّدٌ
للحقيقة ، لأنّه إذا كان
الكونُ من صُنعِ اللهِ والدينُ
كلامُه ، فيستحيلُ إذن أن يكون فى المعارف الكونية
مايخالف العلوم الدينية ، فالدينُ
الحق والعلم الحق
هما تصويرٌ متكاملٌ للوجود.
ومع أنّ العقل
البشرى خطا خطوات
طويلة فى
الحياةِ وحده ، إلا أن حصيلةَ فكرِه انتهت فى الغالب
إلى حقائق دينية أصيلة ، حيث
كان الإيمانُ باللهِ وحده
نزعة كثيرٍ من
الفلاسفة ، وقد قال أحدُ مُفكّرى الغرب :" إنّ القليلَ من
الفلسفة ِ يبعد عن الله
ولكنّ الكثيرَ منها يُرَد إليه جلّ
جلاله" ، أما الاغترارُ
بقليلٍ من المعرفة رذيلةٌ انتشرت بين كثيرين ، وفي
ذلك قال الشاعر:
فقُل لمَن يدّعى فى
العلمِ معرفةّ
حفظتَ شيئاً وغابت عنك أشياء
والثقافة الإسلامية المعاصرة
تحتاج الكثيرَ من التأمُّل،حيث اعترتها شوائب عِدّة،إذ انفصلت الدعوة
عن الدول الإسلامية منذ زمنٍ مُبكّر
، وتولّت شئون
المسلمين حكوماتٌ تصلها
بالإسلام خيوط واهية
وهم ملوكٌ ورؤساء
يحترفون شهوة السُلطة ، والرغبة فى
الثروة ، ولم يحاول
هؤلاء الحكٌام تقريبَ العلماء، إلا من نافقوهم أو كانوا علماءَ ضِعاف
أماّدً الراسخون فى العلم ، فقد تُرِكوا
لضرّاء الحياة
وتقلُّباتها ، فكم من أئمّةٍ دُفِنَت ذخائرُهم فى التراب ،
وخفيت أسماؤهم وحُرمت
الأُمّة من الانتفاعِ بهم
إلا قليلاً منهم. ولم تُلقِ الحكومات الإسلامية بالاً بهذا
وتركت الشعوب للفراغ، فانشغل عوام الناس بفروعٍ
الفقه، والجدال فى التوافه، والتعلّق بالبِدَع والأوهام
وأصبحت الفكرة الشائعة
عن الدين _ فى الوقت الحالى_أنّه يعادى الحياة ، وأنه لم يعُد
مناسباً للحياة
العصرية بتطوراتها، وأن وظيفتَه تقتصر _فحسب_
على إعداد الناس لاستقبال الحياة الآخرة .
إنها مؤامرات لتهميش جوهر الدين ، يقودها أعداؤه
ويسير فى الركب أبناؤه.
إن حظَّ علمائنا النابهين_بكل أسف_حظٌّ تعيس، وإنّ
التكفُّل بمعايشهم وذراريهم
وصيانتهم خارج حيّز
اهتمامات الحكومات والملوك والسلاطين والأمراء...
أمّا مايُقدّم لأولى اللهو
والعبث والغناء والتسلية ،
فهو كثيرٌ جداّ ،كانوا أحياءً أو أموات ، بل كأنه
من
الواجبات الهامة الضرورية
، من احتفال
بذكرى سنوية وتكرار إذاعة أعمالهم والحديث عنهم بكافة
القنوات والإذاعات، بينما الاحتفال بالعلماء يبدو أنه
من الاحتفالات المغضوب عليها..يرحلون فى صمت..
ويتعقّبهم النسيان ..فنانة تمرض يهرول
المسئولون
بالورود والسؤال والنجدة ، ويمرض
عالم أو مُثقّف لاأحد يدرى عنه
شيئاً ...وفيه قال الشاعر:
ورَّث الجُهّال
أبناءَهم غِنى
وجاهاً، فما أشقى
بَنى العُلماء
كما قال الإمام الشافعى:
مَن رُزِق
الحِجا حُرِمَ الغِنى
ضدٌان مفترقان
أىّ تفرُّق
ومن الدليلِ
على القضاءِ وحُكمه
بؤسُ اللبيبِ وطيبُ
عَيشِ الأحمقِ
* أمٌةٌ لاتوقّرُ علمائها
ومُثقّفيها ولاتوفّر لهم مناخَ
الحرية للتفكير والإبداع
، ولاتتمسّك بأصولها وهويتها ، أُمٌةٌ لاملامحَ لها ، ستتوه
بين الأُمَم ، ولن
تقومَ لها قائمة.
* إنَّ العلمَ والثقافةَ
أساسان تبنى عليهما
الأمم حضاراتها..كيف ونحن أمّةُ "إقرأ" يصل بنا الحال إلى
هذا الهوان ؟!
_______________
حامد حبيب _مصر