المفهوم الأنثروبولوجى للثقافة
حامد حبيب
إن المفهوم
الأنثروبولوجى للثقافة هو
مايُعنى بالتمييز بينى عالَم الطبيعة وعالم الثقافة ، وبالدور الفاعل
للإنسان فى واقعه ومع واقعه، وأثر التفاوض
والتوسُّط الذى يجرى بين البشر عن طريق التواصل
فيما بينهم .
والثقافة هى الإضافة التى يُسهم بها الناس فى عالم
لم يصنعوه..إنها نتاج لعمل
البشر ، ولجهودهم في
التشكيل وإعادة التشكيل
لما يصنعونه ،
ثم إنها
المعنى الروحى لما يسود من علاقة بين الناس.
وهناك الدور الإنسانى فى الثقافة، باعتبارها اكتساباً
مُنظّماًللخبرةالإنسانية،وليس مجرد تخزين معلومات،
وهو يعنى ديمقراطية الثقافة ، فالثقافة
تعنى دور
الإنسان كفاعل فى العالم ومع العالم.
ومن هذه المنطلقات ، يبدأ الأمّى
في إحداث تغيير
فى اتجاهاته السابقة ،
وفى إعادة اكتشاف
ذاته
كصانع لعالَم الثقافة ،
وبإدراكه أنه مع
غيره من
المتعلمين يمتلكون طاقات
خلّاقة تُعيد تشكيل الحياة .. وأنّ العمل
الفنى هو جهد نحّات
عظيم أورسّام عظيم ، أو صوفى عظيم أو فيلسوف عظيم.
وما الثقافة إلا شعر لشعراء
يجيدون المعرفة بالحروف ، وهى
أيضاً شعر الشعراء الشعبيين...
باختصار..فالثقافة كلها ماهى إلا صناعة إنسانية.
وفى تعبير لكنّاس فى شوارع برازيليا: "غداً سأذهب
إلى ممارسة عملى مرفوع الرأس"،لقد اكتشف الرجل
قيمةَ ذاته...وصرّح آخر بشكل قاطع : "أنا أعلم الآن
أننى مثقّف ".. أجاب بنبرة
التأكيد السابقة نفسها:
"لأنى أعمل وأنه بعملى أغيّر العالم".
فعملية محو الأمية
هى أكبر وأشمل
من مجرّد الشعور بالسيطرة
السيكولوجية أوالميكانيكية على
مهارات القراءة والكتابة....إنها سيطرة
على تلك المهارات فى سياق إيقاظ
الوعى،وعلى فهم الإنسان
لما يقرأ وكتابة
مايفهمه .... إنها عملية تواصل عن طريق
الرموز....ثم إن اكتساب
مهارات القراءة والكتابة ، لايتضمّن
حفظ جُمَل وعبارات
وكلمات
وفقرات لموضوعات خالية من كل
حياة وحيوية،
وغير مرتبطة بأىٍ من
مواقف عالم الوجود ، وإنما
هى توجّه نحو
عملية خَلق ،
وتحوّل فى الذات
الإنسانية يتولّد منها موقف للتدخُّل فى السياق الذى
يعيش فيه الإنسان.
ويتمثّل دور المعلّم
بصورة رئيسية
من خلال الدخول مع
الأمّى فى حوار حول واقعة محدّدة ،
وفى تزويده بالوسائل التى
يتمكّن بها من
تعليم
نفسه القراءة والكتابة.
وقد ذكر العلاّمة البرازيلى (باولو فريرى) أنه أُجِرَى
بحث عن المفردات اللغوية
للمجموعات التى نعمل
معها ، وتم اختبار
الكلمات التى تتسم
بأهميتها
وبدلالاتها البيئية ، وذات
المضمون الانفعالى الأكثر
شيوعاً ، إلى
جانب العبارات الشائعة
، والكلمات والتعابير المرتبطة
بخبرات مجموعات التعلُّم التى
يشارك فيها الباحث
، وقد احتوى
أرشيف قسم الخدمات والإرشاد
الثقافى فى جامعة
"رسيفى"
دراسات عن الحصيلة اللغوية في المناطق الريفية
والحضرية فى القسم
الشرقى وجنوبى البرازيل ،
وفيه أمثلة، مثل:
" أريد أن أتعلّم القراءة
والكتابة حتى لا أكون ظلاً
لشخص آخر"
" لستُ غاضباً لأننى فقير ، ولكن لأننى لاأعرف كيف
أقرأ "...كان ذلك تعبيراً لأحد السكان فى نبرة حزينة.
ومقولة لأُمّى آخر :"أريد
أن أتعلّم القراءة
والكتابة
حتى أستطيع تغيير العالَم".. يقصد
أن المعرفة هى
التدخّل لتغيير واقعه.
* أن تُغيّرَ هذا العالم..هذا الواقع..تديرَ حراكاً
شاملاً
يصل بك إلى مستويات أعلى من أمنياتك ، فالعلم...
الثقافة،الفكر،الأدب..التواصل الجمعى المتوائم حول
هدف عام يحقق النهضة لتلك الأمة..بغير ذلك ، فلن
تحقق الأمية ، ولاالجهل أدنى المستويات التى تحلم
بها..إن أمة "إقرأ" لابدّ
أن تستعيد مكانتها العلمية
والفكرية والثقافية والأدبية
تحدوها الغيرة على
أوطانها ، تقودها حميّةُ الأسبقية والتصدُّر ، كفى أن
تقنع بدور المُشاهد المُنبهِر ،
والمستهلك المستسلم
وأن ترفع شعارها الذى حققت به نهضتها سابقاً من
جديد، فتستعيد ب"إقرأ" هذا الوطن المفقود.....فلم
تكن أول آية أُنزلت لتلك الأمة
إلا لأنها مفتاح
سرّ
النهوض والتحوّل من جاهلية وظلام إلى نور الحياة
وقيادة العالَم....هى ال Pass word السماوى
لتلك
الأمة.
______________
حامد حبيب_مصر
