جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك
باقاتشعرطارق هاشممكتبة

باقة من أشعار الشاعر المصرى طارق هاشم

 

صلاح عبد العزيز


باقة من أشعار

الشاعر المصرى
رفيق محنة الحياة ومحنة الكتابة

طارق هاشم



تقديم :

صلاح عبد العزيز


هو ابن جيل التسعينات بدأ كتابة قصيدة النثر بالعامية المصرية مع أوائل من كتبها من الشعراء أمثال صادق شرشر ومجدي الجابري وابراهيم سلامة لكنه تحول في الآونة الأخيرة لكتابة قصيدة النثر بالفصحى وقد سبقه لهذا التحول شعراء وشاعرات أشهرهم ربما محمد متولي وفاطمة قنديل .

في ديوانه الأخير (اختراع هوميروس) ينحاز طارق بوضوح للسرد مستوحيا شخصيات أدبية معروفة كهوميروس وديستويفسكي ، وقارئا تفاصيل الواقع في زوايا الحياة الخفية حيث المآسي الصغيرة التي لا يلمحها سوى قلب شاعر .

عبد الوهاب الشيخ

1

حين افترقنا فكرت أن أرسم لك بورتريها

لكن الألوان عاندتني

الأزرق الذي ياما حدثتني عنه لم يذكر شيئا جميلا لك

البيوت التي ألفناها

الشوارع

الساحات التي ياما مررنا بها أعطتني ظهرها من بعدك

وحدتي خرجت من حيز التخيل لتقفز في الواقع كشبح

لا يهزمه حتى الأعداء

لقد هرمت يا ليلى

ظلك ماعاد يزورني في الليل ليغلق باب عزلتي

تخيلي حتى الأحمر القاني خذلني

انا الذي تعلمت على يد جوجان وكليمت ورينوار

أصبحت يدي عاجزه عن الحركة

تذكرتك نعم

وأنت ترممين دموعي التي أصبحت كرصيف يكره العابرين

تذكرتك نعم

وأنت تعبرين قلبي كرسول أنكرته قبيلته فعاد إلى الصحراء مهزوما

الألوان جحدتك ياجميلة

فلا تجرجيني بالغياب

فأنا بدونك دون يد

دون ذراع تحفظ الريح فتردها عن ظهرك حين يحل الشتاء

..

2

هذه القصيدة

أعرف هذه القصيدة جيداً

شاهدتها وهي تخرج من رأسي

في اتجاه الباب

إ أنني تظاهرت بالنوم

خشية أن تطلق الرصاص علي

ربما راحت تبحث

عن شاعر آخر

كي تُفضي بسرها إليه

أنا أخشى القصائد المركونة

نها تعاني من اكتئاب مزمن

حين ذهبت إلى ندوة الثلاثاء

شاهدت شاعراً آخر

يُلقي قصيدتي أمام عيني

وحين هممت خبره

لمحت نظرتها تفر كي تقتلني

قالت إنني أهملتها لسنوات

إنني خنتها مع قصائدي الجديدة

حين مررت أمام بيتنا القديم

شاهدت ذلك الشاعر

يُطل من نافذة غرفتي

يا أيها الشعراء

تخونوا قصائدكم القديمة

تتركوها وحيدة

كي تموت كمداً

قبل أن ترى حريتها

..

3

..

في الطريق إلى وكالة البلح

سلمى تعرف الطريق

 إلى (وكالة البلح)

أقنعتها أن طرق الفقراء واحدة

إلا أنها أخبرتني

أن علاقتها لم تبدأ بعد

بهذه اماكن

لذا اختارتني

كي أكون دليلها إلى هناك

قالت :

منذ متى بدأت علاقتك

بهذا المكان

قلت لها هنا ولدت

واشترت أمي لنا

كل ملابس العيد الرخيصة

هنا يا سلمى

ضبطتني حبيبتي اولى

وكغيمة عابرة انتهت علاقتنا

هنا كنت ألمح أمي

وهي تخفي دمعتها في كم جلبابها

كي يرى العابرون كبرياءها المهزوم

تسأليني عن الطريق إلى هنا

نني أحفظه عن ظهر قلب

لست غريبا عنه

أنا من سكانه اصليين

في الشتاء

كانت أمي ترهن ما تبقى من زينتها

كي تشتري لنا البطاطين العادية

لتجنبنا ضراوته

تسأليني مرة أخرى

عن علاقتي بهذا المكان

اجدى أن تعرفي

هل انتهت أم لا

نني ببساطة

قد حفرت وجهي

على كل الطرق المؤدية إليه

حتى حين أعود إلى البيت

خدع الجيران

فأقول إننا عائدون من الشواربي

أو ممر الكونتيننتال

يلمحون دموعي تكبر

كبيت سقته المرارة

أنا من هنا يا سلمى

وسأظل دليلك اوفى

كي تعرفي ملامحي الحقيقية

صباح الخير

من الطريق

الذي يأبى أن يغيرنا

أو نغيره

..

4

ربما في المساء

أو في أي وقت آخر

ترقصين معي

وبحزم طفولي

ستصادرين العين التي اختارت

أن ترقب عقارب الساعة

تلك العين الشاخصة نحو الوقت

بمفردها قررت أن ترحل بعيدا

باتجاه الغيم

الذين مروا من هنا

بلا عدد

إلا انهم جاءوا بسهامهم متقطعين

باتجاه رقصتنا

كم حاولوا أن يقطعوها لا لشيء

سوى إرضاء كبيرهم

وإن يفقدونا رعشة تأخرت

ظلت نائمة نحو عشرين سنة

انظري كيف يرمقنا كبيرهم

هكذا بحذر يبدو ناعماً

كل مايدور برأسه

كيف يضيع حلاوة الرقصة

رقصتنا المؤجلة

منذ عشرين سنة

منذ أن كتبت اسمك على مقعدي

في مدرستنا الابتدائية

تذكرين ساعتها

كيف نهرتني معلمة الفصل

وهددتني بإنهاء رقصتنا

دون دمعة أسف واحدة

في لحظة سيقترب منك كبيرهم

ليخبرك أن القطار الأخير

على وشك أن يرحل

وسينتهي المسافرون إلى محطاتهم دونك

وتذكري دائماً

أننا لسنا أبناء قطارات

فعند حافة النهر التقيتك

كطفل راح يطارد فراشة

حتى ابتلعته الغابات الكثيفة

ربما صدفة

أو لعامين

اختار لنا النهر أن نذوب

هكذا دفعة واحدة

شفاهك التي أنست البحر

حين غاب الصيادون

بشباكهم الحانية

لم تترك فرصة ولو صغيرة للذبول

أن يحتل ضفافها

كانت قناديل تشيع البهجة

في منازل الفقراء

أشجارك ياصغيرتي الحلوة

كم هي عالية

وجميلة

كوجهك حين يخرج لاصطياد الشمس

في المزارع الخالية

ربما في الغابات

أو قرب الحقول البعيدة

نلهو معا

أو نختفي كابطال الأساطير

أو نضل الطريق

كأطفال الغابة الضائعة

سنعرف أسماء بلاد

ونزور فراشات وحيدة

في بيوتها

سنصعد أشجارا

لا أسماء لها

مدن ساكنة

وأخرى منسية

وصيادون جفت بحورهم

فلم يعودوا كي يخلطوا أحزانهم

بأنين الموج

سنعبر البحر

كفريسة هاربة

من فخ صياد لعين

وفي كل مرة سأذكرك

لا تصدقي العابرين

وبخاصة كبيرهم

فقط

اصنعي من ذراعيك طوقا حانيا

حول جسدي

ولتكملي الرقص

..

5

أيها الحزن ابتعد

بالدمى التي صنعتها يداك

أخرج مهزوماً إلى البحر

أبيعها للمصطافين لقاء جنيهات

قلما أضاعت مرارة يومنا

أرقص

وأطقطق بقدمي

ربما يلتفت المارة إلي

ويجتمعون بفضولهم حولي

من أي بلد أنت

من البلد التي كلها جدران

ماذا تعمل

أعمل بائعا للوهم

وكيف لم يُستدل عليك

المحتالون في بلادي

هم أكثر الناس قدرة

على إخفاء جريمتهم

وأنا جريمتي حزني

بالليل أجالسه

نحتسي الشاي معاً

هو يكره السكر

ويحبه ثقيلاً

إلى أقصى حد

شاي الحزن

موجات سوداء

بإمكانها قتل الآلاف

من البشر الحالمين

وأنا بائع دمى

مجرد بائعها

صنعتها زوجتي كي تقتل الملل

الملل الذي بات قريباً منا

قرب النظرة من العين

يشرب الحزن شايه مراً

في الليل يأتيني بخبراته الفائتة

يقترب مني برعونة استثنائية

ويشرد

بينما يحدثني عن الذين أصيبوا

من جراء شروده

أيها الحزن احترس

فأنا لست جديراً بك

ليس بإمكانك أن تختال فرحاً

لمجرد أنك قد افترست واحداً مثلي

بائع دمى

مجرد بائع

ليس لديه القدرة حتى على صناعتها

ألا تخجل

ماذا ستكون صورتك

أمام صديقك الألم

لابد أنكما صديقين

لذا

من الطبيعي

أن تختار ضحاياك جيداً

كي لا تصبح أمثولة

أو مُضغة في فم قوى الشر الأزلي

ابتعد قليلاً

حتى يمكنني أن أعد موكباً

يليق باستقبالك

في الليلة القادمة

..

6

الحكايه جد غريبة

ولكني سأحكيها لكم

كما حكتها لي ماريا

ومعذرة إذا كانت ستؤلمكم لبعض الوقت

بالأمس اقتحموا شقته الصغيرة في الطابق الرابع

وفي الزاوية القريبة من المكتبة

وجدوه أزرقا

يحتضن كومة من الورق الأصفر اليابس

العاشق الصغير الذي ترك بلاده لأجل مخطوطة التهافت

وجدوه مقتولا في حضن ابن رشد

قتله لص المخطوطات اللعين

كان قد ودع أهله وأصدقاءه

وترك لحبيبته بعضا من المال

وأنشودة كان قد أعدها لأجل

ذكرى ميلادها الثلاثين

صوتك يا ماريا

أعذب الأصوات

صوتك يا ماريا

يعدل روحي

ويسند خاطري

صوتك مرساتي

وأهلي وبيتي

أريدك يا ماريا

كرعشة لا يزول سحرها

كمخطوط قديم

كبحر عكا الذي لا ينام

كرقصة أقسمت أن لا تنتهي

إلا على جثث الغزاة

أريدك يا ماريا

كروح طليق

كأسطورة نائمة على شفاه البحر الميت

العاشق الذي أيقظت رائحته مدينتنا البعيدة

أعادوه في نعش صغير

ربما كهدية

في الذكرى الثلاثين لميلاد ماريا

...   ....   .....   ............   .

7

حبيبتي تصدق الافلام

لاشيء أصعب من ان تراقب أصابعك وأنت تشير إلى ليلها

وهو يعبر الشاشة ليخدش امراة جميلة

هكذا بحنان عابر

يدها لا تغيب طويلا لكنها تخمش القلب كعصفور مهاجر

تقول لي أنها لا تحب سعاد حسني لأنها قبلت

أن تكون مجرد رقم في أميرة حبي أنا

كيف صدقت حسين فهمي وهي تعرف جيدا

أنه تزوج من قبل أكثر من امراة كاذبة

السينما بالنسبة لحبيبتي بحر غاص بالخطيئة

وأنا بين جرحين لا أرى من الماء سوى رحلته

من آخر ليل في ركن عينيها إلى المصب

كم مرة نمت فيها دون اي شعور بالخجل من محبتي لسعاد

لكنها كانت تفتش في عيني الضيقتين عن دليل يربطني بها

كنت أراقبني وأنا أردد أمامها أنها ممثلة لا قلب لها

وداخلي يعلم أني كاذب

كل الذكريات التي مررنا بها كنت أعيشها مرتين

مرة مع من أحبها دون شرط

أعني حبيبتي حبيبتي

وأخرى اقول لنفسي فيها

لن تخطئك يدها هذه المره

ستطل عليك كمدينة غادرت سكانها

لتحل كحل نهائي لتلك الحرب التي خلفتها

خلف زجاج سقط بلا أهل في ارض غريبه

ياحبيبتي لاتصدقي الافلام لانها تنتهي

بينما حبي لصوتك وهو يربت على دموعي من بعيد

لا يكتب بعدهthe end

حبك بلا بعد

كحبي لسعاد تماما

فلا تتركيني خلف ليلك الطويل

كنجمة هجرها الشعراء

لاتتركيني هكذا دون أن تقولي لي

كما تقولين كل يوم

تصبح على سعاد

..

8

الحرب نهاية العالم

بتأثر نادر

قالها خمس مرات

في المرة الأولى لم يكتف ببكاءه

فنهض

ليردد على مسمع من الجمهور

(الحرب نهاية العالم)

الحاضرون لم ينتبهوا

ناموا في القاعة الكبيرة

في المرة الثانية

حاول أن يوقظهم

فارتفع صوته

عن الحائط سقط برواز

كان يحتوي صورة نيتشه

في حالة أشبه بالعناق

(الحرب نهاية العالم)

لم تف المرة الثالثة

بما كان يتمناه

فراح يصرخ

الحاضرون هنا أشبه بحجارة بائسة

أيتها الحرب

كيف لا تعرفين جاك

نعم إنه هو

رأيته في مسرح صغير

والملتفون حوله هالتهم حركاته

راح يقفز قفزات متتالية

بيديه السميكتين يصفع الحائط

نيتشه لم يسقط

مازال معلقا بأطراف البرواز

ومازال جاك في دائرة التقمص

في الحالة الرابعة

أدرك أن لا شيء هناك

الحاضرون هنا سمعوه للمرة الأولى

(الحرب نهاية العالم)

ظلوا يتهامسون

(نعم هو) هذا جاك

هي بساطته المربكة ذاتها

كان قد نزل إلى الجمهور

يصرخ فيهم من جديد

إنها الحرب

(الحرب نهاية العالم)

حين صعد إلى المسرح ثانية

راحت ملامحه ترمقني من جديد

إنه هو

نعم هو جاك بريفير

بشحمه ولحمه

وإنسانيته المُفرطة

نعم هذا لون دموعه

هذا طوله

عيناه الحادتان في نظرتهما

هو أيضاً فقد حبيبته في الصباح

كانت قد هربت مع صاحبها البدين

أستحلفكم بالله أن تنصتوا إليه

أن تتأملوا حركة يديه المجهدتين

كتفاه وهما يدوران في اتجاه المصفقين

كمحترف قديم

لابد أن دمعة من عينيه قد انحرفت

وأصابت واحداً من الجمهور

فاشتعل المسرح

الجميع هنا أدركوا أنه هو

الجنائزية التي انسابت من فوضى دموعه

الكثيرون هنا لم يتخيلوا

أن الحياة بهذا الإسراف

حتى تمنحهم تلك اللحظة الاستثنائية

الحركة ذاتها

الصوت بدرجاته

الحساسية المرعبة

كم مرة أدار ظهره إلى الجمهور

كي لا يرى دموعه

هكذا في كل مرة يتذكر (باربارا) حبيبته القديمة

حين اقترب الجمهور من المسرح

كان قد اختفى للأبد

تبخر كشعاع الشمس عند الغروب

الإداريون هنا يعرفونه جيداً

فعامل الإضاءة المسرحية العجوز

راح يفصل بين الناس بصوته الأجش

هذا ليس جاك بريفير

إنه أحد أفراد الكومبارس في فرقة من المتجولين

القدامى

وقد أسند إليه الدور

حين تعرض البطل لحادث سيارة

كان قد أفقده الذاكرة

لم يجدوا غيره

لم يجدوا غير جاك المزيف

إنه ليس جاك

ليس هو

ليس

....   ...   ....   .

9

أنا رجل مريض

هكذا يبدأ ديستويفسكي روايته

مذكرات من العالم السفلي

أو عالم الموتى

الموتى الذين رحلوا دون أن يرسلوا اي دليل يرشدنا

أين هم الآن

كثيرون ماتوا دون ان نعرف اين هم الان

في عام 1881مات ديستويفسكي

وراحت اناجريجروفنا تذرع الارض بحثا عن أثره

كانت شاخصة إلى السماء

أين زوجي يالله

هل وجد وظيفة لديكم

حين خرج من المنزل تركنى بدعوى البحث عن عمل

إن زوجي يكره الموت لا لأنه خائف منك

بل هو طيب ويحبك

هو فقط لا يحب البطالة

حين ودعني في اللحظة الاخيرة

كان يقول والدموع تحتل عينيه

أن البطالة موت يا أناديستويفسكايا

الاسم الذي كان يحلو لي أن يناديني به

ذلك ان الموت مرهون بالبطالة

بحق محبتك

أعده إلي

إن أطفاله المساكين لا ينامون بالليل

ويقطعون الطريق ذهابا وإيابا بحثا عن رائحته

لأجل أبنائنا لا لأجلي

أستحلفك بمن تحب من ملائكتك الأطهار

ان تعيد إلي زوجي

لأننا ببساطه ليس لنا عائل سواه

فهو الذي يحرس أرواحنا

ويكافح دموعنا المساكين

بحق عدلك لا تدعه عاطلا

فهو طيب ويحبك

لا تتركه مهملا

حتى لايكره اليوم الذي اتى به إلى العالم

دون موافقة خطية منه شخصيا

لا تدعه وحيدا

لا تدعه

فالبطالة لم تخلق لمثله

لم

..

10

في بحر ستة ايام

في بحر ستة ايام

أستطيع أن أعيد إليك ابتسامتك

التي أضاعها الالم

من هنا سأحاول أيضا

أن أعيد إلى وجنتيك

تلك الورود

التي ذبلت حين فارقتها

لأشجار لا تربطها بها أي رابطة

هذا الصيف أكثر قسوة

من نهاية سيئة لرواية

كرواية العطر

ربما لو عاشه زوسكيند

لاعتزل الكتابة

أعرف أنك تحبين بلزاك

كما أعرف

أن مدينتي تنتهي عند حدود كفيك

في بحر ستة ايام

سأراجع الحزن

كما أراجع مذكرة بالفصل

لمجرد السير عكس الاتجاه

سأحاول أن أطمئنه أننا بخير

ولا زلنا على عهدنا معه

أن لا نبيت خارجه

خارج هذه المدينة النائية عن الأفراح

حتى لو اضطررنا إلى إغلاق هواتفنا

كي لا يستدل علينا أحد

فيغوينا بالخروج إلى مدن أخرى

سأفتش عن ابتسامتك لدى الباعة

والمتجولين

ربما كان الله كريما كعادته

فيرشدني أين اختبأت

في تلك الزحمة المرعبة

ليس صعبا

ولا غريبا

أن أعثر عليها

في بحر ستة ايام

ليس مستحيلا

أن أصنع معجزة صغيرة كهذه

ففي المدة ذاتها

خلق الله ملايين الأشياء

فلا أظنه يبخل علي بشئ بسيط كهذا

وأنا قد أضعت الكثير في محبته

لا أطلب أكثر من ابتسامتك

فقط ابتسامتك

أن تنامي ولو ليلة واحدة في العام

دون ألم

أن يخجل ظهرك من دموعي

ولو ليوم واحد

دون أن يؤلمك

فقط ابتسامتك

لا أريد ذهبا

ولا أشياء من تلك

التي يحلمون بها في زمن القفر

فقط أريدك ان تنامي

ولو ساعة واحدة في غياب الألم

في الشتاء الماضي

خلعت روحي

كنت تتألمين في صمت

حتى لا تضيعي علي

فرصة أن أنهي قصيدتي الجديدة

كنت تنامين كقديسة

وهبت ذاتها لتيمة الألم

كي ترفعه عن الأرض

وأنا ذاهل

لا أملك إلا صمتي

يسقط الألم

لا أعتقد أن الله سيكون سعيدا

حين يتألم الناس

لا أعتقد أن الصورة

التي رسمتها لك في العام الماضي

كانت تعلم

أن هناك دمعة

قد اختفت أسفل البرواز

لا أعتقد

..

11

مريم

____

لابد أنها الآن مشغولة

بالبحث عن طريقة تمكنها

إذا لزم الامر

أن تزيل آثار سلامي من يدها

سلام العامل المتسخة يده

من أثر البحث عن سيرتها

في الواجهات البعيدة

لست مفكرا

ولا من النبلاء

كي تحتفظ يدها بسلامي

لست ضابطا في حرس الحدود

يمكنها بوساطته

أن تهرب قبلاتها المسروقة

إلى الضفاف الاخرى

لست متخصصا في أمراض النساء

من السهل أن تجبره على إجهاضها

إذا استسلمت لعاطل عن الحب

لم يقدر كونها منحته روحها

في لحظة هو نفسه أضاع فيها

آلاف الضحايا من العذراوات

دون دمعة ندم واحدة

أنا العامل يامريم

اعتدت أن اقبل المكن

كما اقبل يد حبيبتي في الصباح

العمال يامريم كالزجاج

أي خدش لكرامتهم هو الموت ذاته

فلا تتنصلي من سلامي

بدعوى أن ملابسي متسخة

وأحب امراة أراد لها الله ان تسكن

في سماء تكره العمال

العمال يامريم

أقرب الى الله من ضفائرك الطويلة

هل تعرفين لماذا يحب الله العمال

لأنهم ببساطة يقبلون المدافع

أليس المكن كالمدافع

على الأقل في استنكاره لمرارتهم

يدي الآن ساكنة

أعدك أن أجعلها لا ترد نظرتك

الممدودة بالخناجر

فكوني عاملا يجعلني

 لا أهين امراة

كأي مهووس بذكورة مستعملة

لن أفعل

فيدي تحبك

ولن يمكنها أن تغادر راحتك

حتى لو أزالت سماؤك سلامها

فستظل قابضة على سلامك

إلى اخر شهقة

سيشهقها غريق

في بحار محبتك

..

12

تجر عربة الحياة بمفردها

..

أنا عمر

خرجت منذ خمسين عاما

من كتاب القراءة العربية الجديدة

الا انني سرعان ما اكتشفت

أنني تركت وجه حبيبتي

عالقا بالصفحة الاولى

تركتها تجر عربة الحياة بمفردها

كانت نرجس هي الحائط

الذي نضبط خيالنا عليه

في مدرسة نجيب الريحاني الابتدائية

كانت حين تحل ضفائرها

نذهب إلى الفسحة

على جنبات شعرها الليلي

كانت نرجس لغة الحب

التي منحتنا الدفء ذات صباح بارد

انا عمر يا نرجس

شقيق الأمل

وابن عمك الذي مات في حرب الاستنزاف

هل تتذكرين الطفل الذي مر أمام منزلكم

منذ خمسين سنة

أنا حبيب الطفولة

الذي أضاع تاريخه

حين لم يبحث عنك

لم يقتف أثر براءتك

التي مازالت تغرق ذاكرته

بحنان يمكنه ان يمحو القهر

من خرائط الجغرافيا

أعرف يانرجس

أعرف جيدا

أنك لم تضيعي فرصة البحث عني

لسنوات طوال دون جدوى

إلا انني أعرف أيضا كم تعرفين

أن من ننتظرهم إما ياتون متأخرين

أو لا يأتون أصلا

أنا عمر

شقيق الزنابق والفراشات

حبيب المطر والأغنيات الطيبة

لست غريبا عن جدول ماء

أطل من عينيك

حين ودعتك على باب الصفحة الاولى

من كتاب القراءة

حين تركت يديك

أدركت يومها أن روحي ضاعت

الطرق خانتني بمعنى الكلمة

الهداهد التي كانت ترقص طربا عندما تراني

أشاحت بوجهها حين شاهدتني

خفت النرجس

واحترقت حكاياتي

خمسون عاما أضاعتني

دون أن أصل الى شئ

ماذا يصنع الواحد منا يا نرجس

حين يفقد روحه في الطريق

حين تصبح كلمة أحبك جريمة

يعاقب عليها القانون

حين نخرج من كتب القراءة بلا يدين

أو جناح يساعدنا على الطيران

تجاوزت الخمسين يا ابنة عمي ومازلت أشعر بالعجز

لأنني لايمكنني ببساطة

أن أغيب في حضنك دون شرط

فالرقابة بالباب

ودموعي على الحافة

في انتظار أن تمطر

..

13

نحو الشرق

ــــــــــــــــــ

بخبرة الدراما

بخبرة النوم على الأسفلت

في الشتاءات القارسة

أحببتك يا شبيهتي

يا وجعي التاريخي

وأسطورتي النهائية

حين التقينا في الربيع البعيد

كانت الجنة قد حولت بابها

نحو الشرق

شرق روحي التي لا تهدأ

من يومها

والموسيقى تغمرنا بشكل خاص

لذا

لا تنزعجي

اذا ماحاولوا استبدال ثورتك

بعفاف زائف

قولي لهم

هو لا يريد

حاولت معه

إلا أنه تركني أهذي

وأغلق باب حجرته

وراح يقرأ كتابه المقدس

الجريمه والعقاب

تركني دون أن أفهم

وأقسم أن أبقى كما أنا

كما أحبني

على صورتي الأولى

فراشة برية

من الصعب أن تصبح

كخيال الحقل

الذي لا يضر ولا ينفع

ولا يمكنه أصلاً

أن يغادر موقعه

كيف لسجين

أن يحرر عصفورًا أخضر

..

14

في الغابة البعيدة

أشتاق الى روح يديك

إلى صمتك

الذي طالما أغرقني

في دراميته المذهلة

لاتتخيلي أن هذه الغابة

أشجارا أحرقتها قصص الحب

التي ماتت تحت ظلالها

بل هي أيضا تحب وتسافر

وتعرف محبيها من رعشتهم

حين تمد لهم يدها كي تصافحهم

ليتنا كنا أطفالها

لرعتنا كما يرعى القمر أطفاله النجوم

الغابه تحرسنا من الباحثين عن الذهب

نعم

في اللحظة التي يبحثون فيها عن ضحايا

ليتقربوا بدمائهم إلى ملكهم الجشع

تخبئنا في حجرها

دون أن تنتظر

أن نترك لها

ولو عصفورا صغيرا يكمل ليلها

فيؤنسها حتى تنام

..

15

منذ ثلاثين عاما

ألقيت أبي من النافذة

خرج مع الرياح والهواء والرمل

خرج هكذا بخفة ملاك

صورته التي أربكت امي لسنوات طوال

مازالت تعدو بين الصالة والمطبخ

أمي التي لم تنم منذ ثلاثين عاما

ادركت خطيئتها حين أخبروها أن أبي

لم يترك امرأة ولا رجلا إلا وحكى له عن المرأة الطيبة

التي كان يخونها كل مساء

وأنا أحمل جثته لألقيها خارج رأسي

اعترضت سيدة في آخر الممر المؤدي

إلى بيتنا الصغير في حي الأزهار

البيت الذي قام على دمعة من دموع أبي

لم يعد يسكنه سوى الأشباح التي تركها تنعي ذكرى نذالته

أبي مات حين بكت نادية سالم دون مراعاة

لجيرانها الذين جفت دموعهم من أثر الحرب

الدموع التي فرت وراء رجالهم دون أن تعود

في هذه اللحظة فقط مات أبي لا ريب

الأخبار التي حملتها جرائد الصباح

صحيحة مئة بالمئة

صورته أسفل الخبر تخبر كل الذين تعلقوا بها

إنها الآن بلا إطار يحفظهم

بل يحفظه هو

اليوم فقط مات

وجدوه ساكنا وحزينا

دون روح

..

16

 هكذا لم يغادر الحزن موطنه

لم يغادر الاسكندرية

الإسكندرية حزينة بقدر ماهي جميلة

كامرأة داهمتها الخيانة لأول مرة الشعور ذاته واجهها بحقيقة من أحبتهم

من منحتهم بكارتها دون ضجيج يذكر

في وداعنا الاخير ارتعش كفاي وهي تسحب سلامها من راحتيهما

ربما هنا قد عرفت الوحدة

الإسكندرية لا تصنف أحدا

الجميع كانوا على مقربة من المسرح الروماني

وحده بسترودس داسته أقدام الغزاة الجدد

في باسترودس نسي كفافي مدينته لكنها حاصرته

كان داريل على موعد مع جوستين أمام سينما امير

كنا نعم هناك

وبينما نحن نجتاز الممرات الضيقة في قلب المدينة

أطل فورستر وأم كلثوم وأسماء كثيره أخبرتنا بألا نصل

الإسكندرية وجعنا

من بعيد أطل الحي القديم بروحه المتخثرة

شئ كبير قتل في هذا القلب

قلب كوم الدكة لم يعد صالحا للغناء والجميع لا يجهل ذلك

أخرج من هذا الحي ومقهى منعم بظلاله الكئيبه تلاحقني

اخبرتها اني لست أنا القاتل

انا برئ من دمه من دم سيد درويش

هكذا اصبحت كوم الدكة محض أشباح

في شارع ليبس وفي المنزل رقم أربعة التقينا الشاعر الشيخ التقينا كفافي

كان مترددا كعادته وحيدا كعادته وبسيطا كبشاعة هذه الايام

الإسكندرية قتلته قتلته بدافع الغيرة

يا داريل

يا كفافي

يا فورستر

يا أحباؤنا الإسكندرية تشكوا من الوحدة تتركوها

لمن       ....

..

17

في الممر الضيق أسير

تتقدمني عجوز بعكازين

يبدوان كغيمتين نابضتين

صنعتهما المأساة

كانتا تحجبان وجهك

الذي أطل حزيناً دون سماءٍ تحرسه

كان وجهك يسكن بيتنا لسنواتٍ

حتى اختارته سحابةُ الموت الغريب

وجهكِ يلمحني الان

يسمع ربابتي وهي تتنصتُ على وقع خطوات

ربما لم يمنحها القادم حق اللجوءِ إلي الراحة المؤجلة

حين اختصرنا العالم في نظرتنا الى الحائط الفاصل

مابيننا

توقف الممرُ عن استيعاب خطواتي الثقيلة في الطريق

إلي خيمتك

لوهلةٍ فكرتُ أن أتجاوز العجوز التي وضعها المساء في طريقي

إلا أن الفتحتين اللتين تحيطان بزوايا جسمها

ليس بوسعهما أن يمنحا لاجئا أجبرته الشوارع

أن ينام على صوت صنبورٍ ليس لديه رفاهية الغلق الكامل

فراحت أيامه تتساقط نقطة نقطة

أن يعبر كطيف أسير خلف غيمتيها الرابضتين كجرح مزمن

لم يعد أمامي سوى الانتظار كحل نهائي

ربما انحنت العجوز قليلاً باتجاه اليسار

اليسار اختيارنا للعبور

ربما أسندت ظهرها لتستريح من تعب الطريق

على خيط بداهتها

أو ربما غابت الفكرة

وتعطل النص

وظل وجهك كأسطورةٍ ضائعة

في آخر الممر

..

18

الحياة مأساة كبيرة

ـــــــــــــــــــــــــ

تسألني رفيقتي

لماذا لا تكتب

إلا عن المآسي

فأقول لها

إن الحياة مأساة كبيرة

نسي واضعها

أن يكتب النهاية

أعد ملف الشخصيات

ودرسها جيدا

ثم أسند لكل ممثل دوره

من يومها والكاميرا تدور

دون توقف

إلى هذه اللحظة

يخرج البطل صباحاً

ولا يعود إلا حزينا

في كل يوم تنتظره النجمة

على حافة السماء

فيأتي مهرولاً

فقط

ليرمقها بعينيه الصافيتين

قبل يومين سألته النجمة

إلى متى ستبقى حزينا

فأجابها في ذهول

إلى أن ينتهي الحزن

في المساء يأتي الناسك

ومعه كتابه المقدس

وصورة لامرأة كان قد أخفاها بداخله

ربما أحبها في الماضي

وحرمت عليه حين دخل الدير

إلا أنه يومياً ينظر إلى صورتها

وتكاد دمعة تفر من عينيه

لا يراها

ولا يشعر بها أحد سواه

هكذا دائما فى المدينة الساكنة

عادة ما ينام الطيبون على مرايا جراحهم

بينما تنامين ملء روايتي

الرواية التي لم أحكها لاحد قبلك

فقط حبستها بين خلاياي

ربما ترمم روحي

روحي الناجية من أسر نظرتك

اللانهائية

أريدك أن تعرفي

أن الحزن ليس في المأساة

بل فيما يتحمله راويها

فاعذريني

حين لا ألقي الصباح على أحد

أو أعبر الشارع

دون أن التفت باسماً

للودعاء الطيبين في طريقهم

إلى المذبح

أو ألقى القمامة على رجل نائم

دون أن أدري

ثم أعود خجلاناً

فأعتذر له

ثم أترك له ورقة فئة الخمسة جنيهات

كنوع من الإحساس بالذنب

من يومها

وأنا لا أعرف إلا المأساة

كأني ابن شرعي لوليم شكسبير

أو شبحاً كان قد استأجره هوميروس

ونسيه في الإلياذة

نعم

أنا سجين الإلياذة

أوجدني هوميروس

ولم يحدد لي دوراً

فأصبحت معلقاً كالخطيئة

فلا تغلقي المأساة حتى لا تخسريني

سأضيع مؤكداً في زحام الآلهة

أخرجيني

كي لا أموت وحيداً

في الصفحة الأخيرة

..

19

أحتاج مع النثر بعض الغناء حتى تظن حبيبتي انني لست منحرفا

أقول لأمي إن صلاة الجمعة تفوتني لعذر خارج عن إرادتي

وحبيبتي تعرف أنني كاذب في كل ما أدعي

لا أعرف ما تريده حبيبتي من كراهيتها لقصيدة النثر

ولماذا تجبرني على الغناء رغما عن تواضع صوتي

هي تقول إن شعراء قصيدة النثر منحرفون

هم يشربون البيرة ليلا

وأنا اشربها بالنهار

هم يحبون نيكول كيدمان وميرلي ستريب

وانا أحب ليلى مراد

كثيرا ماتقول انت غيرهم

لماذا تصر على التخلي عن أصلك

وأنا لا أصر ولا أريد

فقط أنا محاصر ما بين عينيها الطيبتين

ورغبة أصحابي المهووسين بالاغاني

سأعدك يا حبيبتي أن أبحث عن مطرب محترف

يمكنه أن يغني ما أكتب

أن يكون جريئا بالقدر الذي يجعله يغني لوديع سعادة

وسركون بولص والماغوط

وفي كل مرة ستسألينني أنت شارب

سأقول لك الحمد لله

أنا شارب العشق الذي لا تزول رائحته

فلا تغضبي ياحبيبتي من كتاب قصيدة النثر لأنهم أصحابي

أراهم في قوتي وفي ضعفي

واعلمي أني حين أقول لك إنني لم ألتقيهم

أو أشرب معهم

أو أحبهم هكذا ببساطتي

أو أتآمر معهم للسخرية من الايقاع

حين أنكر كل هذا

اعلمي جيدا أنني ساعتها سأكون الكاذب الوحيد

في هذا العالم

..

20

بدم بارد

..

بدم بارد

ترسلين الحسرة إلى نوافذ الفقراء

حين تعبرين بتنورتك الحمراء القصيرة

النوافذ لم تنم بالأمس

ظلت تراقبك حتى تخرجين من أرواحها بسلام

أعرف نافذة علقت نظرتها في ليل شعرك المسافر

دون أن تعود

نافذة اخرى باعت ضفائرها

كي تعرف السر

نافذة ثالثة فاتها القطار

وهي تتطلع إلي انحناءة القمر فوق جبينك الاعم

كم أنفقت من عمرها بالقرب من مساؤك البعيد

شهداؤك كثر وأنت واحة للحب

لايضيع راويها

النوافذ ودعت من فيها حتى تحرس تنورتك

إذا ما اصطفتها الرياح الخريفية الغادرة كجراح المحبة

النوافذ هاهنا في القلب

تعرف كم انتظرت وبالتحديد

حتى تعبرين لمرات ومرات

كالنسوة اللائي فقدن رجالهن في حرب عتيدة

هي الآن تشهدك

ترفل أفراحها خلف السياج التي اختارت بمحض إرادتها

أن تكون ظلا لروحك فلا تخذليها

وارجعي إلى نظرتها برضا كامل

كي لا تموت وحيدة على باب نظرتك

..

21

من على كرسي متحرك

كان يراقب العالم

الضيفة التي سحرتها نظرته

حينما ألقت اليه بخطابها

من النافذة المقابلة

ولم يستطع أن ينزل الى الشارع

حتى يلتقطه

غادرت في اليوم التالي

دون أن تعرف

أنه فقد ساقيه في الحرب الأخيرة

كانت لاترى من النافذة

سوى عينين شاردتين

ظنتهما نجمتين

ترقبان النوارس المهاجرة

إلى اللاشئ

..

22

جوع

..

المرأة التي هربت من الشرطي

في إشارة عبدالخالق ثروت

حاملة طفلتها

وشارة كحلية

اعتادت أن تجلو بها

أكوام الحزن

من فوق جبين العربات اللاهثة

تجلس الآن في ركن بعيد

عن المارة

ربما تتمكن من إرضاع طفلتها

التي راحت تبكي

حين شاهدت أمها تنحني

أمام إحدى العربات الفارهة

في اللحظة التي قررت فيها الأم

أن تتعامل مع دموع ابنتها

على أنها دموع جوع

كانت قد طردت هاجسا في بالها

يحرضها على استيعاب الحادث

بمهارة قواد قديم

كانت تنظر إلى السماء

في دهشة بالغة

البنت التي عاشت لحظتها

كمن يكلم الله رهقا

اختارت أمها أن تعاملها

كأية طفلة جائعة

يا الله

كن أنت بسمتها الضائعة

لاتدعها تفقد كبريائها

تحت عجلات أدمنت

أن تدهس الجائعين

في طريقهم اللاينتهي

حين عبرت الشارع

في اتجاه الرصيف المؤدي

إلى باب اللوق

رحت أبحث عنها

كما يبحث طائر عن غصن

كي يرتاح عليه

بعد عناء ليلة

في البحث عن سرير طيب

لا تشاكسه الرياح

كانت قد غابت

تبخرت كالحلم

ضاعت

ومازال طيفها يكسر الإشارة

بحثا عن أنشودة

تهدهد بها طفلتها

كي يسكن الجوع

حتى تنام

..

23

في حياة سابقة

..

في حياة سابقة

كنت أعمل بائعا للكتب

كل صباح

تصافح يدي

يد ديستويفسكي

تعصرها

 كما يعصر البحر

أرواح السفن

كنت احصي الكتب

 كما يحصي الأطفال

 الأيام السابقة على الأعياد

 بقلق ظاهر

 ذات صباح

 لم أجد كتاب (فن الهوى) لأوفيد

 كان مهووسا بإحدى الروايات

 في المكتبة المقابلة

 لم تكن المرة الأولى

 التي وجدوه قابعا في حضنها

 کهارب من معسكر للتعذيب

 صاحب المكتبة

 الذي اتهم (البير كامو)

 بسرقة فن الهوى

 اقسم أنه سيطردني

إذا ما رأني

 اقرأ (فن الهوی)

 في ترجمته الكاملة

 قال أنه سيفسدني

 وسيكون سببا مباشرا

 في طردي من المكتبة

 كنت ارص الكتب

 كمصابيح غامضة

 كانت الساعات تمر

كغريب

فقد جواز السفر

 بينما

 كان (كونفوشيوس)

 يترك قهوته

 لعابر آخر

كم مرة

 سمحت لي الظروف

 أن أبكي بين يدي (فرجينيا وولف)

كم كانت حادة المزاج

 وهي تعد إفطارنا

 في المرة الأخيرة

كانت

كقسم وقع من صاحبه

حين راهن على محبة خائفة

ساعتها أخبرتني

 أنني كسول

 وغبي

 صارحتني هكذا دون مواربة

بأنني

لا أصلح لهذه المهنة أصلا

 نهرتني بدعوى أنني اخدع الزبائن

 اتهمتني بالتجسس على سيرتها

 حين لمحت في يدي

 كتاب (كوينتين بل)

 إبن شقيقتها

(فرجينيا وولف) سيرة حياة

 قالت أنني قتلت قطتها اللطيفة

 صنعت كل ما كان من شأنه

 أن يجعلها تلقي بنفسها في نهر (اوز)

 لمجرد أنها شاهدتني

 اعرض مذكراتها للبيع

 بثمن

 هي نفسها قالت

 أنه ضعف ثمنها

 آلاف المرات

 کم صرخت في وجهي

 أنت لص یا (طارق)

 وتركتها دون أن أخبرها

أنني أصنع ذلك

 حتى يمتنعوا

 وتبقى روحها ترفرف

 على الأرفف

 كملاك صغير

 حين وبختني

 أمام أكثر من قارئ

 أحزنتني لأيام

 إلا أنني ظللت صامتا

كي لا تفضحني

 حروفي المتقطعة

 كمدينة بلا أثر

 كنت أخشى أن تكشف سري

 أن تعرف أنني جئت إلى هنا

 كخطأ قديم

 كعار لا يزول

 كطير

 مارس كل الأشياء

 سوى أن يطير

لم اشأ أن أخبرها

 أنني رجل عادي

رجل

وأحبها

أحب صباحها

حين يعبر امام غرفتي

 احب قهوتها

 وهي تصافح القرفة

 بطيبة استثنائية

 أحب حتى (صوفيا)

 خادمتها الرؤوم

 حتى شعرها الأعزل

 أحبه كثيرا

قطتها الرمادية

 وهي تمشي خلفها

 كجندي

 تخلف عن حرب غير عادلة

 كي يحرس جبهتها

 احب كل اشياءها

 إلا أنني لا أحب أن أبيع الملائكة

 نعم

 الكتب كالملائكة تماما

 حين يبكون

 الكتب يمكنها أن تبكي

 وتضحك

 إلا أنها آثرت الصمت

 حتى لا تفضح من كتبوها

 لم تفش سر توترهم

 وانكماشهم

من أجل جملة لا تأتي

 هكذا اختارت

 أن تموت بسرها

 في ظل أرفف

 لا تعرف حتى أسمائها

 أنا فاشل

 یا (فرجينيا) الحبيبة

 فاشل

لأنني لا أبيع الكتب

 ولا بد لي

 أن اترك هذا المكان

المكان

الذي أودعوني فيه

 حتى لا تكون جدتي

 قد ماتت

 دون أن تجد لي

 عملا يأويني

 هي أفنت حياتها

 من أجل ذلك

 كانت لا تعرف

 أنني أكره أن أبيع

 بلزاك

وروسو

 وطه حسين

وكافكا

هكذا ببساطة

 حين مرضت أمي

 بعت الأعمال الكاملة لديستويفسكي

 کي أشتري لها تذكرة الطبيب

كل ما فعله ديستويفسكي طوال حياته

لم يضمن لأمي

 أكثر من مقعد صغير

 في عيادة بائسة

 ونحن عائدین

 أودعتها السرير

 وعدت أبكي

 كطفل أخفوا لعبته

 أمام صاحب المكتبة

 متوسلا إياه

أن يجعلني أبحث داخل (الأخوة كرامازوف)

 عن إخوتي الذين فقدتهم

 من ساعتين تقريبا

 الذين سبقوني

 إلى مدينة

 ربما لم أستطع اللحاق بها

 ودون ان أدري

 تذكرت (جروشكا)

 فصرخت كالمجنون

كيف هانت عليك

كيف ساویت

بين حنانها العادل

 وتذكرة الطبيب

 الآن فقط

 أدركت

 لماذا تركتني دموعي

 لتلحق بها

 لتودعها

 وداعها الأخير

 الجميع خذلوني يا (فرجينيا)

 ولم يعد لي سوى قلبك

 الذي لم يرد بابه

 في أي زمن كان

ـــــــــــــــــــــــــ

طارق هاشم

     مصر

 


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *