باقة من نصوص
الشاعر الجميل
أيمن معروف
.........
مقدمة للشاعر
محمد صالح
..............
حين تكتب امرأة ، غالبا،
ما ترى صوتها .
غالبا ، ما تضيئ العناقيد
في الليل .
حين تمر على مهلها
في الهدوء النبي ،
الأغاني .
وتأخذ من سمرة الوقت ،
حين إحتدام الشذا،
بيتها .
Aiman maaroof
والشعر ما أن يلمس شيئا ما ، ظلا ما ، كونا ما ، وجها ما ، حتى تلمسه رائحة
الخلود وينشبك بالزمن .ولهذا كان ينظر إلى الشعر بوصفه من سلالة العناصر التي لا
تبلى وإلى الشاعر بوصفه صائد الذهب والضوء والعطور التي ترشح من الكلمات ليضمها
إلى عائلة الوجود .
والشاعر ، بالأصل ، منسوج من كل العناصر النادرة والمشعة وهو من يثير حواس
الكلمات ويدهش اللغة قبل أن يدهش العالم وربما كان هو من يجعل اللغات تدور فلا
يدركها الكسل لتبقى في صباها الدائم فلا تشيخ ولا تبلى ولا تتجعد وتظل موردة مثل
صبية حسناء في العشرين ، زمن الإشراق التام والجمال ..
قبل هذا وبعده الشعر فاكهة اللغات وعصيرها المسكر الغلاب
والشاعر كلكة اللغات .
هذا ما يفعله الشاعر السوري أيمن معروف في الشعر والقصيدة والحياة ، غدا
وبالامس والآن .يستقطر اللغة ويملأ الأكواب بالأنخاب .
محمد صالح
جبلة.
1
..
🌼
أريدُ منَ الشِّعرِ،
أنْ يأخذَ النّاسَ في رحلةٍ،
ثُمَّ، لا ينتهي العَدُّ إلّا وقد
دخلَ النّاسَ
بيتَ القصيدةِ.
حتّى، إذا حَلَّ ليلُ الغِناءِ
يصيرُ الجميعُ المغَنّي وترتعشُ
الأغنياتْ.
،
،
أريدُ منَ الشِّعرِ،
أنْ ينهَبَ اللّونَ.
أنْ يخطفَ البرقَ في ضحكةٍ.
حتّى،
إذا تهتُ عنْ قطرةٍ في مياهِ
الكلامِ
تدلَّتْ غيومُ المعاني
فلم يبقَ،
بينَ المجرَّةِ والنّايِ غيرُ
الّذي يتساقَطُ
منْ مطرِ المفرداتْ.
،
،
أريدُ منَ الشِّعرِ،
أنْ يتمشّى على شاطئِ الأبجديَّةِ
أشقرَ، منْ وَخزَةِ الطّيرِ.
أسمرَ،
منْ خلجةٍ في أنينِ الجبالِ.
ومنْ،
نارِ عينَيهِ يشرقُ نورُ
الحياةْ.
🌼
2
....
سأحذفُ
قصائدي كلّها إذا تسنّى لي ذات يوم
أن أطبع أعمالي الكاملة في مجلد كبير وضخم
كما يفعل كبار الشعراء.
ولن أتوانى لحظة
عن إقامة حفل توقيع أدعو إليه كلّ الممسوسين مثلي بلوثة الشعر وسأوقع
كالعادة على الصفحة الأولى مع إهداء بسيط من ثلاث أو أربع كلمات،: - هذا المجلد
الفارغ الضخم حصيلة جهد خمسين عاماً ذهبت قصائده أدراج الرياح.
سيصفق كثيرون
للبياض الذي مسّهم في قلوبهم
بعد أن أنهكتهم جرثومة الحبر كلّ هذا العمر
دون أن يوقع لهم السواد باسمهم على شيء.
*
سأحتفي كما لم أحتفِ من قبل
بهذا الفراغ الهائل الكبير الّذي أحدثته القصالد وسأشعل على الدرابزون
المؤدي إلى صالة الاحتفاء شمعة أو شمعتين إيذاناً ببلوغي الثالثة والخمسين،
تماماً.
لا أعرف كم سيحضر من الأصدقاء.
الشعراء لن يحضروا فهم مشغولون بتنظيف الغبار
عن مدوّناتهم ومرتبطون بمواعيد مهمّة على الطرف الآخر
من المدينة يعقدون فيها صفقة هائلة مع الهباء.
أمّا الغاوون فلن أسأل عنهم
فما عاد ثمّة من غاوين ولهذا لم أضع في حساباتي أيّ جدول أعمال أو قائمة
بعدد الحضور وأكواب الشاي أو القهوة. كل ما أعرفه أن العائلة لن تحضر لانشغالها
بترتيب مسائها هذه الليلة على نحو بهيج في جبال بسطوير.
كل ذلك متوقع
والمأمول فيه لن يحدث.
فالخديعة الكبيرة تمّت على مهل
ولم أنتبه.
وما عدا ذلك
فأنا مشغول الليلة وربما في الليلة التي تليها أيضا بهذه الكمية الهائلة من
الأحوال والأهوال. من الترهات والتفاصيل والأوراق التي امتلأت بها قصائدي خلال
خمسين عاماً كيف لي أن أضرم النار فيها دفعة واحدة إلى الأبد، وأستريح.
•••
3
•••
في المحطَّةِ،
تسألُني امرأةٌ عنْ قطارِ الشّمالْ.
لا أفكِّرُ في الأمرِ،
أنظرُ في ساعتي وأُحدِّقُ في وجهِها
ثُمَّ أسألُها،: هل يمرُّ قطارُ الشّمالِ بهذي المدينةِ
.. تضحكُ،
ثُمَّ يمرُّ كلامٌ خفيفٌ على فجرِ غمّازَتَيْها
يُشيحٌ بوجهٍ صبوحٍ إلى
الجهةِ الثّانيةْ.
لم أكنْ أتوقَّعُ،
أنَّ قطارَ الشّمالِ يمرُّ بهذي المدينةِ،
قلتُ لها، ثمَّ دارَ الحديثُ عنِ الضّوءِ
في المدنِ النّائيةْ.
لم تقلْ أيَّ شيءٍ.
لم أقلْ أيَّ شيءٍ.
كانتِ ابنتُها،
تستريحُ على مقعدٍ جانبيٍّ
وتُدَندِنُ أغنيّةً عنْ صباحِ الفراشاتِ
.. كنتُ أرقبُها،
كانتِ ابتسامتُها مثلَ خيطٍ منَ النّورِ
يلمعُ فوقَ سماءِ المدينةْ.
لم أشأْ،
أنْ أُحَيِّدَ غبطتَها عنْ أغاني الصّباحِ
وضحكتَها عنْ جهاتي الحزينةْ.
فجأةً،
مرَّ صوتُ قطارٍ سريعٍ
توقّفَ بينَ المحطّاتِ حيثُ التفتُّ
إلى الصّوتِ حيناً وحيناً إلى
امرأةٍ كالخيالْ.
لم تقلْ أيَّ شيءٍ
تُلوِّحُ لي ابنتُها من قطارِ
الشّمالْ.
•••
4
***
لا اسْمَ لي،
كيْ يُباغتَ في شهقةِ الوردِ
شمسَ الصَّباحِ،
فشمسُكِ،
أعلى منَ الغيمِ، أحلى منَ
الشّمسِ حينَ يُطِلُّ،
صباحُكِ،
أشقرَ،
في زَغَبِ اللّونِ، أسمرَ
في شَغَبِ الوردِ،
والأغنياتْ.
أنا،
يا صديقةَ عمري ونفحَ
جنوني أُريدُكِ،
حتّى،
ولو كنتِ أُمّاً يُناقشُ في
أمرِها الياسَمينُ،
أريدُكِ،
حتّى المماتْ.
🌼
5
●.....
أحلفُ بالله،
أنُي ما زلتُ على قيدِ الحياة.
أشربُ وأدخُنُ وأكتبُ
وأصيدُ الحَبارى ولي سمعةٌ طيّبة
بين الرّجال
وأحبّ النّساء.
عندي إيمانٌ عميقٌ بما تقولُهُ
المُعَلَّقات.
ويعنيني أن أسمعَ كلّ صباحٍ
أخبارَ العالَمِ وما يقولُهُ
الفَلَكُ عن طالِعي كلّ يوم.
مطمئِنٌ لحروفي وقصائدي
ومواظبٌ على عملي بشكلٍ جيّد.
ويعجبني ما يفعله
شعراء الزِّينة وشعراء المراثي.
خَدوم ومتصالحٌ مع ذاتي
وأقرأ رواياتِ جيمس بوند وأجاثا
كريستي وأفكّر
بشراء درّاجة هوائيّة هذا الصّيف.
يااااااااااه.
أحلامي بسيطةٌ جدّاً
وليس لديَّ طموحاتٌ كثيرة.
أعمق ما أفكّرُ به
تحت سقفِ هذا العالَم أن أنامَ
بهدوء
وأحلم أحلاماً سعيدةً وعندما
أُفيقُ
أُفيقُ لأتسلّى بقطفِ النّجوم.
لم أخنْ يوماً أو أعتَدِ على أحدٍ
يوماً ما
كما لم أؤذِ نملة في حياتي ولم
يعتَدِ
على حياتي أحد.
وفيٌّ وأحبّ الجميع
وأمّي دائماً تقولُ لي،: أنت ولدٌ
صالح يا أيمن.
وأيّامي تجري، كما العادة، بشكل
حسن.
مثل أيّ كائن وديع وأليف، أعيش.
يا إلهي.
كم أنا على قيدِ الحياة.
كم أنا ميّت.
●.........
6
•••
فراشةُ الضّوء
_________
كانَ الكلامُ
ولمْ يكنْ أحدٌ.
وكانتْ آيةُ الصّمتِ الكبيرةُ
في اتِّساعِ الصّمتِ.
كانَ اللّيلُ
يقرأُ في كتابِ اللّيلِ عنْ ليلٍ
تجيءُ
بهِ القصيدةُ للقصيدةِ.
كانَ ثَمَّةَ جدولٌ يحبو فتحبو
في نوايا الفنِّ ربّاتُ
الجلالِ.
وكانتِ امرأةٌ،
يقولُ الماءُ،: أقسى منْ
خيالٍ هاربٍ في رعشةِ التّكوينِ،
بلَّلَها نُعاسٌ غامقٌ يحتدُّ
بالأسرارِ،
فانْحنَتِ القصيدةُ
في الأعالي تحتَ وَقْعِ الحبِّ
وارتبكَ النّدى.
حتّى
إذا انْدَلَقَ الصّباحُ على
الكلامِ،
وكانَ قيسٌ، قالَ،: - إنَّ
الحبَّ،:
- ليلى.
مثلما ينثالُ
منْ شفتَيْك تعريف القصيدةِ،:
- نَبْتَة الصّمتِ اليتيمة.
☆☆☆
ها أنتَ تخرجُ
منْ شفيفِ النّصِّ،
ثُمَّ تدخلُ منزلَ الرُّؤيا،
وتبتكرُ الطّرائقَ والحرائقَ
للعبارةِ.
كيفَ يحملُها خيالُكَ
جُلّنارَ فراشةٍ يُضْفي على
الكلماتِ
ما يَسَعُ التَّأمُّلَ أنْ يُضيءَ
الكونَ.
كيفَ تُقيمُ نّصَّانِيَّةَ
الأشياءِ
منْ ماءٍ ومنْ ضوءٍ
ومنْ مطرٍ غريبٍ
مثلَ صمتِ الغَيْبِ.
تصنعُ للجمالِ كمائناً
وتُحيكُ لعبتَهُ الخفيَّةَ
في الهدوءِ.
تُقيمُ منْ سِفْرِ الجلالِ
حدائقَ المعنى
وتسألُ في العبارةِ،:
مَنْ رآني.
☆☆☆
أنتَ اقترحتَ الكأسَ
والمنديلَ واللُّغَةَ القريبةَ
منْ نهارِ النّاسِ أنساغاً
لنبضِ النّصِّ.
أنتَ اتَّكأْتَ
على الخبيءِ منَ العبارةِ
والمُجَرَّبِ في البهاءِ الصّرْف
ِ كيْ تَصِفَ اخْتِلاجَ الذَاتِ
في ذكرى حبيبٍ أو غريب
ٍ أو مدىً يَنْداحُ في هذي
الكثافةِ
منْ جنونِ الوقتِ.
كيفَ تُسْرِفُ
في اختزالِ الضّوءِ
أو ما كانَ منْ شَغَبِ الكواكبِ
أو إِزارِ الظّنِّ ، ثُمَّ تفكُّ
أزرارَ التّفاصيلِ الصّغيرةِ
كيْ نرى لغةَ القيامةِ
في دمِ الأشياءِ.
(نحنُ الواقفينَ
على سوادِ الحبرِ)
لمْ نتعلّم التّحليقَ
في مرآةِ ضوئِكَ.
(لمْ نُغادِرْ
نقطةَ الحبرِ الغشيمةِ.).
لمْ نُسافرْ
في النّهاراتِ البعيدةِ
والبياضِ الجمِّ.
لمْ نسبحْ
لكيْ نتعلّمَ الأنهارَ.
لمْ نخدُشْ يقينَ العينِ
كيْ نتعلّمَ الرُّؤيا.
إذاً. مَنْ قالَ،:
إنَّ الصّمتَ تأويلُ الفراغِ.
وإنَّ هذا اللّيلَ في
تأويلِ غيرِ اللّيلِ
،: أعمى.
☆☆☆
ماذا سنفعلُ
بالوضوحِ مُعَلَّقاً
في رُدْهَةِ اللّاشيءِ.
أو ماذا سنفعلُ بالغموضِ
يظلُّ متروكا بلا اسمٍ
في خيالِ الذّاهبينَ
إلى الكتابةِ.
كيف نعبرُ محنةَ المعنى
ونشحذُ منْ دمٍ ليلاً
لأشواقِ القصيدةِ.
قُلْ لنا،:
كيفَ ابتكرتَ
الغيمَ للأمطارِ،
والأمطارَ للأنهارِ،
والأنهارَ للبحرِ المُفاجِئِ.
ما حدودُ الرّوحِ عندَكَ.
ما حدودُ الصّمتِ.
مَنْ تلكَ الغزالةُ
فوقَ شبّاكِ التَّذكُّرِ.
كيفَ تعبرُها خلايا الضّوءِ.
ترتقُ منْ نسيجِ القلبِ أشرعةً
وتَفْدَحُ بالخيالِ الطِّفْلِ
أسماءَ الكواكب.
☆☆☆
يا أيُّها الضوءُ المسافرُ
في براري الشِّعْرِ.
علّمني القيامةَ
وارتباكَ الفجرِ والأنهار
كي أتعرَّفَ الأسرارَ
في تظليلِ أسئلةِ الوجودِ،
وخذْ هوائي للقصيدةِ
مثلما تهوى،
وهبْني ما تشاءُ فراشةٌ
في حقلِ ضوئِك
َ ،: أنْ تقولَ.
خذْني
إلى التّأويلِ
والتّخييلِ والتّشكيلِ
كي تتعلّمَ الكلماتُ
،: أنْ تحيا طويلا.
•••••••
🥢
7
..
القـــطّ
°
على الكنبةِ في الصّالونِ القطُّ طوالَ اللّيلِ يموء. ألتفتُ.. أُطفئُ الضّوءَ
الجانبيَّ وأدعُ العتمةَ كلّها للقطِّ وأنا أدخلُ أحراشي الملبّدةَ أُفسِّرُ
سيكولوجيَّتي الخاصَّةَ وعيني على القطِّ. القطُّ صامتٌ كالكنبةِ. الكنَبَةُ سوداء
كاللّيلِ. أفركُ عيني.. أُشعلُ ضوءاً.. أَتَمَطّى. أتحسَّسُ حنجرتي.. وألعن
التّدخين. أُجْهِزُ على الخُفِّ تحت الطّاولة.. أنتعلُهُ بعصبيَّةٍ وأتَّجِهُ صوبَ
المغسلة. أفتحُ الحنفيَّةَ وأُغلقُها. أتَّجهُ صوبَ الغازِ في المطبخ.. أضعُ
دلَّةَ القهوةِ على الغاز. لا أُريدُ القهوةَ.. أُفكِّرُ بالشّاي. الشّايُ نَفَدَ
البارحةَ.. والقهوةُ كذلك.. الغازُ انتهى. أذهبُ إلى الصّالون.. أفتحُ المذياع.
الكهرباءُ مقطوعةٌ أيضاً. جَهْجَهَةُ الفجرِ تتسرَّبُ منْ شقوقِ الباب. على
الكنَبَةِ في الصّالونِ القطُّ صامتٌ.. طوالَ اللّيلِ يموء. أجلسُ على كنبَةٍ
مجاورةٍ وأتطلَّعُ في القطِّ. رأسُهُ مَمْطوطٌ على شكلِ كُرَةٍ بيضويَّةٍ مَحْطوطَةٍ
إلى جانبِ الذّيل. الذّيلُ ملفوفٌ كعشٍّ. القطُّ كلُّهُ على بعضِهِ كتلةٌ مخفيَّةُ
الملامحِ. آخُذُ شهيقاً.. تحرجُني حنجرتي.. فأسعلُ. يفزعُ القطُّ.. يفتحُ عينَيْهِ
بنعاسٍ.. يموءُ وهو يَتَفَرَّسُ في وجهي.. يتمطّى. يقفزُ عنِ الكنَبَةِ ويتَّجهُ
نحو السّريرِ، وأنا أبقى صامتةً على الكنَبَةِ في الصّالون.
°
ذلك الصّباحُ كلُّهُ ذهبَ في الْتِماعِ الفكرةِ.. وأنا مُحاطةٌ بالكوابيسِ
وخيوطِ الذّهب. أنْقرُ على خَشَبِ الكنبَةِ.. وأُدَنْدِنُ بتفاهةٍ.. وأحياناً
أموءُ كقطّ. أعثرُ دونَ قصدٍ على إبرةٍ في كومةِ هذا الصّمت قرب الباب. أمدُّ يدي
وألتقطُها. أضحكُ منْ لَقِيَّةِ الصّباحِ.. إبرةٌ في فراغ. أُمرِّنُ نفسي على هذا
الهُراءِ المُقَطَّنِ.. ثُمَّ أتعلَّمُ هذا القليلَ منَ الهواءِ الّذي يتصادفُ مع
تَكَّةِ الباب كما أتعلَّمُ حياكةَ جَوربي في الظّلام، لإيماني أنَّ الضّوءَ لا
يقولُ لنا أشياءً مهمَّةً عنِ اللّمعان، كما هو التّاريخُ لا يقولُ لنا أشياءً
مهمَّةً عنِ التّراب.
تسقطُ الإبرةُ منْ يدي على البلاطِ.. فأسمعُ رنينَها الغامقَ الّذي مازال
يلسعُ جسمي كوَخْزِ الإِبَرِ. ينفرطُ المكانُ القليلُ ويتعدَّدُ.. فأتهدَّمُ في
انْفراطِ المكانِ.. وأصفنُ.
الجداريَّةُ المائلةُ على الحائطِ..
مائلةٌ بشكلٍ صحيح. أُخَمِّنُ البرتقالةَ الّتي في يدِ المرأةِ كناريّاً
يُعَشِّشُ في فضاءِ الكفِّ، بينما تتوزَّعُ باقي اللّوحةِ مساحات منْ ألوانٍ
مركَّبَةٍ تَتَخَلَّلُها دروبٌ مُلَبَّدَةٌ بالحصى.
كلُّ ذلك الصّباحِ ذهب في التماعِ الفكرةِ، وأنا مقرفصةٌ وسط الغرفةِ
مكتظَّةٌ وكظيمةٌ، بينما الظّهيرةُ تلوحُ، وهي تسيلُ أسيانةً مثل نمر.
°
ماالّذي جاء بي إلى هنا كي أُشعلَ سيجارةً في فمِ الوجودِ وألعبَ النّرْدَ
مع هذه الكائنات.
البيتُ عشُّ ضباعٍ.. والبابُ مؤامرة. أرمي العلبَ الفارغةَ في نهارِ
النّاسِ، ولا أغلقُ بابَ الصّدفةِ على اللّيل. لي الظّهيرةُ كلُّها تتعقَّبُني
أسيانةً. ذبابةٌ زرقاء تطنُّ في هذا الفراغ مثل بارجةٍ حربيّةٍ في البحرِ الميت.
أُعلِّقُ خرزةً زرقاء على بابِ الوقتِ، ثمَّ أُقلِّبُ الحصى تحت بيارقِ الظّهيرةِ
الّتي تسيل.
أَدْعَكُ جسدي مثل قطَّةٍ..
وأضحك. أقبضُ على مزلاجِ البابِ.. وأضحك. لا بدَّ منَ الضّحكِ في اللّيلِ أو
النّهار.. لا بُدَّ منَ الضحك..
الضحكُ.. فنجانُ قهوةٍ في الصّباحِ
المُلَبَّدِ كأحجية. أضحكُ.. وإذا كانَ ثَمَّةَ حمّى.. أصفعُ النّافذةَ وأركنُ
لِطَلَّةِ النّسيم.
ما شأني بالمؤامرةِ والبابِ.. أنسى. ما شأني بالبيتِ وعشِّ الضّباعِ..
أتخلّى. لا أدخلُ.. و لا أخرجُ.. وإذا كان ثمَّةَ دخولٌ.. أُسمّي البيتَ –
الظّهيرةَ.. عشَّ دبابيرٍ.. وأضحك. وإذا كان ثمَّةَ خروجٌ.. أُسمّي البابَ –
المؤامرةَ.. فرصةً.. وأخرجُ.
أبدأُ يومي، هكذا، من الإفاقةِ حتى النّوم. أجعلُ صباحي طريَّا وناعماً
وأملس، ثمَّ أنزلقُ فيه كحلزونةٍ.. وأضحك.
لا بُدَّ منَ الضّحك.. الضّحكُ.. فنجانُ قهوة.
°
غريبٌ هو الضّحك. إيه. غريبٌ هذا الفراغُ الّذي هو رأسُ أفعى.. أُعطيهِ ولا يأخذ. غريب. أنامُ قاتمة.. وأُفيقُ قاتمةً في الفراغ. ترنُّ
بوالينٌ غريبةٌ في الهواء. تُصَفِّرُ ريحٌ.. ولا صوت. أُسوِّي مزاجي بضحكةٍ.. ولا
أتعمَّدُ قراءةَ العزلةِ. مُعَرَّضَةٌ نجومُ الظّهيرةِ لشيءٍ.. ومتروكٌ بابي هكذا
في المشاع. غريب.. تطلعُ شمسٌ ولا لزومَ لي. تغربُ شمسٌ ولا لزومَ لي. النّهارُ
كلُّهُ.. واللّيلُ كلُّهُ.. فرصةٌ كَأْداءَ تتمطّى في الظّهيرة. سأضعُ قبَّعةً على
رأسي و أغيمُ..، قلتُ. لنْ أنتظرَ السّماءَ حتى تهطلَ.. ولا الغيمةَ حتى تنزلَ إلى
النّهر. لا سماءٌ.. ولا غيمةٌ.. ولا نهرٌ.. أو هطول..
الجحيمُ الّتي في يدي..
والجحيمُ الّذي في الكلام.. سأهبُهُ المغفرةَ حتى يستقيم. أرمي حجراً..
وأرسمُ دوائر كابيةً.. ثُمَّ أركنُ للعصفورِ الأزرق وهو يتخبَّطُ بين مسامِ
الهواءِ ويَخْبُطُ النّافذةَ على الحافَّة. أضعُ ريشةً كالهنودِ الحمرِ وأكمنُ في
دغْلِ اللّحظةِ.. وفي السّكونِ العميقِ.. لا أُخَرْبِش. أتنقَّلُ بخفَّةِ طائرٍ
منْ كمينٍ إلى كمين.. وأنتظر. كم هو عمقُ اللّيلِ.. وكم هو قاعي. بين ركامِ
الغبارِ المترسِّبِ على البابِ والمكدَّسِ في غرفتي.. لا أقدرُ على التّخمين.
أجلسُ على عشبِ الخرافةِ ويدايَ فوق رأسي كوسادةٍ.. وأُحدِّقُ في مغاورِ الفضاء.
يعبرُ شِلْحٌ أزرق.. أظنُّهُ الطّائر في انتظارِ المَكْيَدَة. هكذا في الظّهيرةِ.
الظّهيرة، الأسيانة مثل نمر.
°
أرمي هرطقةً هنا..
وأذهبُ إلى لا مكان. أقبعُ في غرفةِ القطِّ.
معي كلُّ هذا الجحيمِ الّذي سوف
أصعدُ منه.. و لا أشهق. معي كلُّ تيجانِ الخسارةِ.. وهذا الفراغُ الّذي
يُقَهْقِهُ. سأسحبُ العتمةَ منْ جلبابِ الوقتِ و أُسوّي منْ صراخي المكتومِ أعوادَ
ثقابٍ. أذهبُ في كلِّ اتّجاهٍ.. ولا أندملُ في سكون.
°
هكذا في الممرِّ إلى غرفةِ القطِّ أضعُ معطفي على الحافَّةِ. لا أقراُ..
ولا أكتبُ.. لا أُفسِّرُ.. ولا أنجو.. فقط أتأمّل. كلُّ هذه الكارثةِ منْ صنعِ
يدي: الغرفةُ.. والبابُ.. والظّهيرةُ.. والقطُّ.. كلُّ هذه الكارثةِ وعادات
الصّباحِ تُفَكِّكُ صمتي.. فأبقى صامتة. وتشعلُ الكلامَ.. ولا أتكلّم.
القطُّ.. وحدَهُ القطُّ الّذي ترك لي الظّهيرةَ كلَّها مثل صرَّةِ عَتْمٍ
في الصّالون. تركني أموءُ عزلاء، هكذا.
°
أقنصُ غيمةَ المصيرِ دون جدوى..
ولا أدّعي لوجودي هنا أيَّ شيءٍ.
رمَّدَتْ الوردةُ في المزهريَّةِ.. رمَّدَتْ المزهريَّةُ في الصّالون..
والضّحكةُ رمَّدَتْ.. وأنا لنْ أُقايضَ وردةً بغيمةٍ.. ولا غيمةً بوردةٍ.. فقط
أقنصُ ضحكةً غامضةً كالمصيرِ.. وأندمل.
أقنصُ ضحكةَ القطِّ.. ولا أضعُها على الرَّفِّ.. وأظلُّ شاخصةً بينهما. لا
أريدُ القطَّ.. ولا أريدُ الضّحكةَ. فقط، أنوي أنْ تجفَّ ضحكةُ القطِّ، ثمَّ
يتخثَّرُ القطُّ كلُّهُ في المواء. أقنصُ الضّحكةَ وأبتلُّ بالجفاف.. أرفعُ صراخي
أعمقَ منَ الهاوية.. أغبطُ اللّيلَ ولا أتقدَّمُ.. أُمجِّدُ الفراغَ .. وبجرحٍ
أخضر أمشي على الحافَّةِ.. أكنسُ العتمةَ بهذيانٍ مجروح.. لي صمتي المكلومُ أكدحُ
فيه.. لي نهاري المُغْبَرُّ أهزُّهُ منْ خاصرتِهِ.. لي.. ولي أنْ أضعَ اللُّغْمَ
على البابِ وأضحكُ ضحكةً عاليةً في هذا الفراغ.. وأُزَوْبِع.
ينامُ القطُّ نومةَ ذئبٍ. بعينينِ مفتوحتينِ ينام. وعلى اتّساعِهما
يتضوَّرُ منَ الضّحك. وأنا في نيّتي التهامَ الفراغ. واسعةً.. واسعةً.. أصعدُ
وأهبطُ سلالمَ الجحيم.. (الجحيمُ الّتي هي المأوى).. فما حاجتي للأبعادِ والجدرانِ
مادمتُ أتهدَّمُ في داخلي.. وفي مقدوري أنْ لا أقوم.
أُصدِّقُ بأسي وأركنُ لليأس.. أُحيطُهُما بأناملي.
أرسمُ غيمةً.. وأدعُها تهطلُ. أرسمُ شمساً.. وأشدُّها بحبالِ الغسيلِ كي لا
تسقطَ في عرضِ البحر. أُرجئُ اللّيلَ يُنَقِّطُ على شَرشَفِ النّومِ وأتزحلقُ على
الكنبَةِ في الصّالون. أتركُ الغيمةَ واللّيلَ والمزهريَّةَ.. وأُصفِّقُ في خلاء.
غير نادمةٍ.. ولي متَّسعي في الظّهيرةِ كي أصرخَ في القطّ.
°
ما منْ أحدٍ يأتي لأهديه علبةَ الصّمغِ الّتي تتلوّى على رَفِّ البلاغةِ.
ما منْ أحدٍ يذهبُ ليجلبَ لي أخدودَ الماء. وجهي جَفَّ. أدعكُهُ مثل نشارةِ خشبٍ،
وأنتظر.
تأتي الظّهيرةُ وتذهبُ كحربٍ.. ولا أرمي القبّعة. أدعُها، هكذا، على رأسي
الملتهبِ كعلامة. أشربُ كأسَ الظّهيرةِ على أنّه الشّاي. وقبل أنْ أفرغَ منَ
الشّرابِ أطفئُ الضّوءَ الجانبيَّ.. وأدعُ العتمةَ كلَّها للقطِّ على الكنبةِ في
الصّالون، ثمَّ أدخلُ أحراشي الباهظةَ عنْ يميني دون أنْ أصرِّحَ لكم بشيء..
هكذا.. كلّي ساطعةٌ في مفردي
الكتومِ.... القطّ.
•••
8
•••
في المحطَّةِ،
تسألُني امرأةٌ عنْ قطارِ الشّمالْ.
لا أفكِّرُ في الأمرِ،
أنظرُ في ساعتي وأُحدِّقُ في وجهِها
ثُمَّ أسألُها،: هل يمرُّ قطارُ الشّمالِ بهذي المدينةِ
.. تضحكُ،
ثُمَّ يمرُّ كلامٌ خفيفٌ على فجرِ غمّازَتَيْها
يُشيحٌ بوجهٍ صبوحٍ إلى
الجهةِ الثّانيةْ.
لم أكنْ أتوقَّعُ،
أنَّ قطارَ الشّمالِ يمرُّ بهذي المدينةِ،
قلتُ لها، ثمَّ دارَ الحديثُ عنِ الضّوءِ
في المدنِ النّائيةْ.
لم تقلْ أيَّ شيءٍ.
لم أقلْ أيَّ شيءٍ.
كانتِ ابنتُها،
تستريحُ على مقعدٍ جانبيٍّ
وتُدَندِنُ أغنيّةً عنْ صباحِ الفراشاتِ
.. كنتُ أرقبُها،
كانتِ ابتسامتُها مثلَ خيطٍ منَ النّورِ
يلمعُ فوقَ سماءِ المدينةْ.
لم أشأْ،
أنْ أُحَيِّدَ غبطتَها عنْ أغاني الصّباحِ
وضحكتَها عنْ جهاتي الحزينةْ.
فجأةً،
مرَّ صوتُ قطارٍ سريعٍ
توقّفَ بينَ المحطّاتِ حيثُ التفتُّ
إلى الصّوتِ حيناً وحيناً إلى
امرأةٍ كالخيالْ.
لم تقلْ أيَّ شيءٍ
تُلوِّحُ لي ابنتُها من قطارِ
الشّمالْ.
•••
9
------------------
🥢
لو تُمهِليني كيْ أُتِمَّ الضُّوءَ، ضُوءَكِ.
.
لستُ مشغولاً، تماماً،
غيرَ أنَّ الوقتَ ملهوفٌ عليكِ،
إذا نَعِستِ، إذا ضحِكتِ، إذا مشيتِ،
إذا بكيتِ،
إذا تنهَّدَ كوكبٌ
أو أنَّ وجهَكِ قد أضاءَ على المرايا،
حيثُ غيَّبَني كلامي، هكذا،
في الضُوءِ
يفعلُ ما يشاءُ.
لو تُمهِليني كيْ أُتِمَّ الضُّوءَ.
بي،
ما في مراياكِ البهيّةِ،
خفقُ أجنحةٍ، ووقْعٌ كاملٌ في
الماءِ، بلّلهُ البكاءُ.
🥢
10
🕳
لو يقولُ
لِيَ الموتُ ماذا يريدُ
وماذا يحاولُ،
كي أتغاضَى،
عنِ الوَصفِ منْ جِهَةِ
القَولِ،
إنّي اشتريتُ لهُ،
منزلاً وأثاثاً ومرايا ملوَّنةً وخزائنَ منْ خَشَبِ الزّانِ
وكوّنتُ مكتبةً ضخمةً وكتبتُ القصائدَ حتّى إذا نمتُ أو غبتُ في حاجةٍ
يتسلّى. وأعدَدتُ كرسيَّهُ الخيزَرانَ وبعضَ النّوافذِ قربَ السّريرِ.
فلهُ كلُّ ما لي،
منَ الأغنياتِ، ولهُ كلُّ ما لي منَ المفرداتِ الّتي قلتُها مرّةً والّتي
لم أقُلْها. إذا، ما تأخّرتُ عنْ موعدٍ يتأخَّرُ أو قمتُ في غايةٍ، يتقدَّمُ
إنّي رأيتُ
أصابعَهُ في القصيدةِ في اللّوحةِ الحائطيَّةِ.
في دَرَجِ الذِّكرياتِ العتيقِ وفي الصّورةِ العائليّةِ، أنفاسُهُ،
تتكدَّسُ بينَ الخزانةِ والبابِ عند الممرِّ إلى غرفةِ النّومِ وأكثرَ ممّا أرى
خلالَ ثلاثٍ وخمسينَ عاماً
لو يقولُ لِيَ الموتُ
ماذا يُريدُ وماذا يُحاولُ
كي أتغاضَى،
عنِ الوَصفِ منْ جِهَةِ
القَول.
🕳
11
..
كلّ الّذينَ،
كتبوا عن الجمالِ لم يكتبوا مرّةً واحدةً
عن يدِك.
انتبهتُ،
وأنا أتمشّى في حقلِ النّور على موضوعةِ الجمالِ
الّتي لم يكتبْ عنها أحد، وفكّرتُ في كلّ هذه اللّامساتِ
منَ الضّوءِ الّتي تركتها يدُ الله على روحِ الأشياء
وذهبتُ بعيداً في تفسيرِ هذا البُعدِ الّذي تُحدثُهُ
في البعيدِ.. البعيدِ.. كيمياءُ اللّمسة.
كانتْ،
الفراشةُ تحطُّ على ميسمِ الزَّهَر.
تلمسُ الرشيمَ فتتفتّحُ وردةٌ في الطّريق.
كانَتِ الطّريقُ إلى النبعِ جافّةً وموحشةً تكثرُ على
جانبيها نباتاتُ الطّيّونِ والشّوفانِ. زمنٌ طويلٌ
مرَّ ولم تطأها قدمان أو تُخضّبْ تربتَها
دمعةُ عاشق.
المسألةُ،
ذاتُها عنِ اليدِ الّتي ترطمُ الأشياءَ فتُحدثُ،
انقلاباً.
عنِ،
اليدِ الّتي ترسمُ.
اليدِ، الّتي تذهبُ في الأحراشِ البعيدةِ.
اليدِ الّتي تُسافرَ في أدغالِ الحكاياتِ وحبورِ الينابيعِ
وتقرأ شجرةَ الحياةِ.
اليدِ، الّتي تستعيدُ الغبطةَ الكامنةَ في الأنهارِ.
اليدِ الّتي تحرُثُ في أرضِ اللّونِ الأولى بحثاً عنْ حجرِ
الغوايةِ الضّائع.
اليدِ الّتي تشقَّ مجرى الينابيعِ.
اليدِ الّتي تتعلّمُ رقصةَ الفرحِ فتصنعُ ابتسامةَ النّهارِ
وينبضُ شريانُ العالَم.
عنِ،
اليدِ الّتي تكتبُ.
اليدِ، الّتي تصنعُ معاجمَ الشَّغَفِ
اليدِ، الّتي تشعَّ منْ أهوالِها مدائنُ الرّوحِ.
اليدِ، الّتي تُمسِكَ بشرارةِ العالَمِ
اليدِ، الّتي تفدحَ باليقينِ الصَّعبِ
وتأخذُ العالَمَ معها،
وتتمشّى.
يدُكِ الّتي،
يدُكِ الّتي تُثيرُ اللّغةَ.
تلمسُ غصناً فتتفتّحُ، وردةٌ.
تلمسُ وردةً فيُحلّقُ عصفورٌ في المكان.
يدُكِ، الّتي
لم يكتبْ عنها في علومِ الجمالِ، أحد.
..
12
🥢
إنَّ،
القصائدَ لا تموتُ،
تقولُ ليلى كلّما أصحو على
مطرٍ بهيجٍ.
ذاتَ ليلٍ،
لم يكنْ غيري على بابِ
القصيدةِ،
عندما،
عبرتُ وفي يدِها قميصُ
الأرجوانِ
يجيءُ منْ،
غُرَفِ التَّخَيُّلِ ثُمَّ يأخذُني
إلى غُرَفِ التَّخَيُّلِ،
والصّباحِ.
،
،
هل قلتُ،
صوتُكِ ذلكَ المطرُ الغمامُ
إذا مشَينا في الطّريقِ
يصيرُ أغنيّةَ
الطّريقِ،
إذا،
تأخَّرَ في شَذاهُ الأقحوانُ
انثالَ منْ ألطافِ بهجتِهِ الشَّذا
وانداحَ في الخمرِ
الصُّراحِ.
،
،
إنَّ،
القصائدَ لا تموتُ،
تقولُ ليلى،
كلّما أصحو على مطَرٍ وأنهضُ
منْ بهيجِ الغيمِ للغيمِ
المُتاحِ.
.... ..... ....
13
🥢
ليس،
منْ عروَةٍ في قميصي
ولا جَيْبَ لي.
ليسَ،
منْ زهرةٍ في الطّريقِ ولا منْ
حفيفٍ ولا نسمةٍ،
كلُّ،
ما هُوَ لي ليسَ لي
والّذي،
فاضَ عنْ دِقَّةِ القولِ
والوصفِ صوتُ،
شَجَنْ.
،
،
ما اسمُ،
هذا الّذي رَجَّني.
ما اسْمُ،
هذا الّذي شَجَّني،
كلُّ،
ما هُوَ لي ليسَ لي
وقميصي،
كَفَنْ.
🥢
... ...... .
14
*
عثرتُ، بالمصادفة، على الكلمات وأنا أدخلُ بابَ اللّيل.
امتشقتُ صورةً نادرةً للهواء وسلْتُ على مقتضى ما أنا فيه أتأمّلُ سكونَ
الأشياءِ وأُصغي لحركةِ الكائناتِ في الصمت.
كانت الكلمات ترفُّ منْ حولي في خِفّةٍ كالفراشاتِ وتحطُّ قربي المجازاتُ،
كالطّيور. مرَّ من شرفتي طائرٌ ثُمَّ حدّثني عنْ أمورٍ مجازيّةٍ. عنْ نهارٍ بعيدٍ
تحفُّ على جانبيهِ طيورُ الغوايةِ.
كنتُ أرى ما أرى. أرى ما أريدُ وما لا أريدُ على وَقْعِ ما تتركُ الوشوشاتُ
والتفَتُ إلى منطقِ الطّيرِ يجلو الإدامة والسّرَّ عنْ معدَنِ الشَّكِّ. عنْ حجَرِ
اللّونِ. عنْ نظرةٍ ليسَ فيها سوى الخوف منْ نظرةِ العينِ.
استقمتُ وأنا أدخلُ وأتوغّلُ في ليل الكلمات. ثمّ اعتدلتُ في البهاء.
استَعَرتُ جملةَ الالتباس من أجل نقطةٍ لازمةٍ في منتصف الطريق، وقلتُ،: - ثمّة
ضوءٌ من أسمائه اللّيل. فما حاحتي للكلمات وقد صرتُ قريباً من مقام الكروم، حركة
النجوم.
*
15
•••
حديثي عن النّهار يخفّ.
حديثي عن اللّيل يرتجف.
أيمن معروف
سوريا
..
هناك، أكتبُ القصائد وأراسلُ الجهات وأحدّثُ النّجوم عن خلاف طويل مع
الطّموحِ والأمل ولا أفكّرُ في شيء. أنامُ عندما أتعبُ وأسهرُ حتى طلوعِ النّهارِ
عندما أرغب. أعبر الحياةَ في اللّيل.من شارعٍ لشارعٍ مثل حلمٍ خفيفٍ خفيف.
في النّهار أذهبُ إلى السّينما.
أرمي حِملاً كبيراً هناك ثمّ أقضي ساعات ما بعد الظّهيرةِ عند بائع طيور أو
أتفرّج على ملابس موضة الشّتاء في شوارع اللّاذقيّة. عندي مكتبة ضخمة أحاول بيعها
في سوق الكتب وأشتري بثمنِها تبغاً.
لا نوايا لديّ.
منذ زمن أعيش بلا نوايا. دوافعي مكدودة وأسبابي دون أسباب. القليل القليل
من الأشياء يفرحني ويكفيني. وِحدتي الخالصة تقنعُني وجريدة قديمة تملأ يومي
ولا يقلقني شيء.
أسافر في الصّيف إلى الجبال.
أتعلّم هناك لغة الكناري في الحقول وأتنسّمُ هواءَ السهوب والوديان
والغابات. أجري مع النّهر وأسيلُ دمعاً حارقاً وأتدفّقُ من رؤوس الجبال مثل
الينابيع.
أكلّمُ اشجارًا وبلادًا وجهات.
أصيرُ عند مفترقِ الدّروب شجرةً عملاقةً إذا مرّ بي طائرٌ أتّقِدُ مثل غابة
أو إذا حلّ بي خريفٌ أسافرُ في التّرابِ وأتقنُ لعبةَ الجذور.
أرعى الجرود العمياء.
عندي قليلٌ من خمرةٍ وقليلٌ من جمرةٍ وليلٌ على اللّيل وشيءٌ من حبقِ
التّلّ. أُطلّ من شرفةٍ صغيرةٍ وأتوجّعُ في النّسيم مثل طائرّ جريح. أقايضُ بذرة
الفناء ببذرةِ الفناء.
في الشّتاء ألبدُ في السّواحل.
أستكينُ ولا أفعلُ شيئاً. أصفنُ في فوضى العالَم وأحدّقُ في اللّيلِ
الكبيرِ أُحاولُ أن أعضَّ الفراغَ. أتّكئُ على جرفٍ مهجور وأفكّرُ في هذا البحرِ
الأبيض كيف يمكنُ أن يبتلعَ سوادَ المدينة.
أهاتفُ أحداً ما في المساء.
وأحياناً أذهبُ إلى غاليري عامر علي. أرسمُ دوائرَ وخطوطاً وظلالاً على
هيئةِ أحلام حائرة مثلي وأمضي في جهةِ بلا جهةٍ من جهةِ اللّيل ولا أعرفُ ما الّذي
أفعلُهُ.
أدخّنُ كثيراً وأحلمُ كثيراً
وأكتبُ كثيراً ولا أعرفُ مالّذي أفعلُه. أُعَرِّجُ على مقهى بعد أن تفرغَ
قدَمايَ من شوارعِ المدينة. البحرُ واسعٌ واسعٌ أمامي والنّساءُ على شارع البحر
جميلاتُ بما يكفي وليس معي في الطّريق غيرُ حزني.
وَجِلٌ وقلقٌ ومجنون.
أمشي في الأزقّةِ مطعوناً بالماءِ وبالضّوء والقصيدةُ تمشي مطعونةٌ في
وِشاحِها. التّواشيحُ التّباريحُ وتاريخُ الحزنِ طويل وقديم منْذ أوّلِ بيانٍ للبشريّةِ
عنْ تأريخِ الخبز.
وَجِلٌ أنا وخائفٌ كابتسامةِ طفلٍ.
وجلٌ أنا كدمعةِ أمي. قلقٌ كالعواصف وحزينٌ حزينٌ كالبلاد وليس في نيّتي أن
أغيّرَ العالَم.
حديثي عن النّهارِ يخفّ.
حديثي عن اللّيل يرتجف.
•••
16
..
يحدث أن أفكّك حياتي إلى تفاصيل
أستيقظ كلّ يوم كالعادة أجمع تفاصيل من حياتي
وأعيد تركيبها مثل فيلم مصوَّر طويل،
وأضحك.
أقول لنفسي
تعالَيْ يا حبيبة أكذبُ عليكِ كذبة الأوّل من نيسان،:
كلّ هذا العمر قطعته،
وأنا أركض.
أحلم أن أشتري لكِ
درّاجة هوائيّة في الصّيف نمتطيها معاً ونأخذ الوقت
في نزهة إلى جبال بسطوير كي يفرّج
عن نفسه.
يحدث ذلك،
ثمّ أنسى إطلالة الرّبيع وشمس الصّباح وضحكتي
في الأوّل من نيسان،
وكأيّ طفلٍ
مولع بالقطارات واللّعب أخدع نفسي وأستعمل
قطار الحياة المعطّل،
وأمضي..
أغنّي وأسافر وأكتب وأعشق وأضحك مثل
كذبة في الرّبيع.
..
17
•••
يوماً ما سأغادر.
لن آخذَ شيئاً معي بل سأتركُ كلَّ شيءٍ في مكانِهِ،:
المفاتيحُ على الطاولة. الصّور وألبوم العائلة الكبير والكثير الكثير من
تذكارات الأصدقاء في غىفتي. اللّوحة الأثيريّة لفان كوخ وأوراقي وقصائدي وبعض
الرسائل. أدواتُ الكتابةِ والقليلُ القليل من التّرجماتِ الّتي لم تكتمل.
يوماً ما سأغادر.
إلى الضفةِ الأخرى من النّهر حرّاً.
لا أملكُ شيئاً ولا يملكُني شيءٌ. لن أودّعَ أحداً بل سألقي نظرةً هادئةً
وأخيرةً على كلّ الأشياء الّتي من حولي. وإذا قُيّضَ لي القليلُ القليل من الوقت
سأعانقُ الجميعَ بقوّة وسأبتسمُ وأنا أستلمُ طريقي كما لو أنّي مسافرٌ من مدينةٍ
إلى مدينة.
يوماً ما سأغادر.
أأغلب الظّنّ سيكون يوماً هادئاً.
لن أهدرَ الوقتَ في انتظاره بل سأفعلُ كلَّ ما يضمنُ لي أنّه سيكونُ يوماً
هادئاً وخفيفاً، تماماً، كما تُوقِّعُ تلك الفراشةُ أيّامَها دونما أقنعة. سأفتح
النوافذَ صباحَ كلَّ يوم وألقي على الشّمسِ تحيّةَ الفرح. سأكتبُ للحياة كما أكتبُ
الآن للموت. سأعشق وأصلّي بقلب عار لأتعلّم في الحقلِ الواسعِ منْ جهةِ القلبِ
معنى انْدِلاعَ الشّموسِ.
•••
18
🥢
أتحدَّثُ،
عنْ حَجَرِ الشِّعرِ.
عنْ مائِهِ،
وشقائقِ نَعمائِهِ في الحقولِ
البعيدةِ والشَّمسِ،
عنْ،
سُنَّةِ الضُّوءِ.
عنْ زَغَبِ النّارِ بينَ المَسَرَّةِ
والقَبَسِ البابليِّ،
عنِ اللّيلِ،
عنْ بهجَةِ اللّيلِ في لُجَّةِ
اللّيلِ،
عنْ قَمَرِ الماءِ،
كيفَ يذوبُ على جانبيهِ،
البَهاءْ.
،
،
أتحدَّثُ،
عنْ فَرَحِ الشِّعرِ.
عنْ،
فِتنَةٍ في زُلالِ التَّشَوُّفِ
واللَّعِبِ الحُرِّ،
عنْ،
لفتَةِ في استضافةِ أنثى وعنْ
كحلِ أهدابِها في،
القصيدةِ،
إذْ كلّما،
التفتَتْ، خِلسَةً، في
الهواءِ،
استدارَتْ أصابعُهُ،
كيْ تُطَوِّقَ في لفتَةٍ ما تُثيرُ
استدارتُها في،
الهواءْ.
،
،
أتحدَّثُ،
عنْ وردَةِ الشِّعرِ.
عنْ،
شهقَةِ الوردِ بينَ الأغاني.
وعنْ وَهدَةٍ تَتَفلَّتُ بينَ السُّهادِ
وبينَ الرُّقادِ،
عنِ الرَّنْدِ،
والشُّرفةِ المَرمَريَّةِ للرَّنْدِ،
عنْ،
معدَنِ الشِّعرِ.
عنْ كْنْهِهِ واسْمِهِ
عنْ مراياهُ في كلِّ شيءٍ
وعنْ دِلِّهِ،
في الكلامِ، إذا نَزَّ في برهةٍ
منْ كتابِ النِّساءْ.
🥢
19
🌿
لي،
منْ سمائِكَ سرٌّ ليس
يعلمُهُ إلاّ الّذي لاحَ
في المعنى
، تَلَعثُمُهُ.
لي،
رَفَّةُ الضّوءِ في المشكاةِ
أعقدُها منْ غبطةِ النّورِ
قد راحتْ
، تُكلِّمُهُ.
لي،
لَيْلَكٌ وشذاً يجتاحُ
أوردتي إنْ أبرقَتْ
في مدارِ اللّيلِ
، أنجمُهُ.
لي،
كلُّ هذا السّنا في القلبِ،
يا لغةً أنارتِ القلبَ،
حتّى انداحَ
، مُبْهمُهُ.
🌿
20
•••
ذلكَ اللّيلُ،
لم أقترِفْ باسمِها أيَّ إثمٍ،
ولم نلتقِ.
كلُّ،
ما ينتمي للقصيدةِ، كانَ،:
خصوصيَّةُ،
اللّونِ والماءِ، شكلُ
الهواءِ وشيطانُ هذي الغوايةِ،
سحرُ المجازِ، ونهرُ الكلامِ الأنيقْ.
لمْ يكُنْ،
ممكناً أنْ أميِّزَ جوهرَهُ
وحوالَيَّ منْ زَهَرِ اللّيلِ سَبْعُ زنابقَ
مشغولةٌ بالقناديلِ.. ،
أوّلُها، واضحٌ كالمرايا
وأوسطُها غامضٌ كالنّوايا، وآخِرُها
مُدلَجٌ بالرّحيقْ.
كنتَ،
أقرأُ في معجَمِ اللّيلِ، أحوالَها
وأعاينُ في دفترِ الشِّعرِ، أمثالَها
في الحريقْ.
وأصلّي،
لأهوالِها، في الجحيمِ الّتي اتَّسَعَتْ
ولمْ تَتَّسِعْ كُوَّةٌ في الطّريقْ.
كلُّ، ما ينتمي للقصيدةِ، كانَ.
وكانَ عَلَيَّ،
الذَّهابَ لأنهبَ منْ قَمَرِ الشِّعرِ،
هذا البريقْ.
•••
21
***
🌿
.
في الوهم
منْ أين يأتي كلُّ هذا الوهم؟!.
قالَ وهو يهمُّ بكتابةِ شيءٍ ما
في ذلكَ اللّيلِ.
غير أنّهُ رفعَ قلمه واستدركَ،
وقالَ: ماذا بوسعي أنْ أكتبَ وليس في جعبتي ما يُمكنُ أنْ أقولَهُ سوى الوهم.
وقالَ: لا أعرفُ منْ أينَ أبدأُ ولا أعرفُ أين أنتهي مثلما لا أعرفُ إلى إيِّ مدى
يُمكنُ أنْ يذهبَ كلُّ هذا الوهمِ بالنّصِّ؟!. ثُمَّ أمسكَ بقلمِهِ وخطَّ في أعلى
الصفحةِ: لا شيء مهمّ. وتابعَ، وقالَ:
- منَ الأهميّةِ بمكانٍ،
أنْ نُولي التّفاصيلَ الصّغيرةَ
النّائمةَ في أقفالِها
أهميّةً كبرى مثلما نُولي
الأشياءَ الأقلَّ أهمية في العالَمِ منْ حولنا اهتماماً، فكلُّ شيءٍ يكمنُ في
التّفاصيل.
وقالَ:
المهمُّ أنْ نعثرَ، في النّهايةِ،
على المفاتيح.
وعادَ يُفكّرُ في الجملةِ
السّابقةِ الّتي خطّها في أعلى
الصّفحة، وراح يُردّدُ: (لاشيء
مهمّ.). ثُّمَّ قالَ:
(ولمْ لا. هذا في حدِّ ذاتِه شيءٌ
(هامّ).).
🌿🌿
هكذا،
وجدَ نفسَهُ، فجأةً، في آخرِ
اللّيلِ أمامَ
موضوعةٍ مهمّةٍ ربّما لا تهمُّ
أحداً، لكنّها على أقلِّ تقديرٍ أثارتْ اهتمامه وسوفَ تقودُهُ إلى ضالّتِهِ في
كتابةِ النّصّ، فوضعَ عنواناً مبدئيّاً في أعلى الصّفحةِ يحملُ اسم:
- (نصُّ الوهم).
ثُمَّ فكّرَ بهؤلاءِ،
الّذينَ يقبضونَ على أوهامهم
وكأنّها الحقيقة،
وسأل نفسه سؤالاً لم يكنْ يعتقدُ
في كلِّ حياته أنْ يقفَ أمامه مثلما يقف أمامه اللّيلةَ بقوّةٍ:
- كيف يُمكنُ،
أنْ ينتجَ الإنسانُ وهمَهُ ليصيرَ
معادلاً
سيريّاً للذّات؟!.
وضعَ القلمَ جانباً،
وقرأ في كتابٍ جانبيٍّ على
الطّاولةِ:
(الحياةُ كلُّها مركونةٌ في تلك
القارّةِ الجَهَوِيَّةِ الّتي لمْ يكتشفْ الإنسان أبعادها: قارّةُ الوهم.).
أزاحَ الكتابَ منْ مكانِهِ،
وفركَ عينيه وتثاءبَ، ثُمّ تطلّعَ
في ساعتِهِ فارتبكَ،
وقالَ:
- يااااه. كلُّ هذا السَّهَر وما
زال اللّيلُ في أوّلِهِ.
تناولَ شيئاً باردأً. وقالَ:
لابُدَّ منْ كلمات كيْ لا تنامَ
فراشةُ الرّوحِ
في الانهزام.
وقالَ:
لكنْ أين هي الكلمات.
التّفاصيلُ في أقفالِها نائمة. وأردفَ، وقالَ:
لا بُدَّ من المفاتيح. أين أنتِ
أيّتُها الكلماتُ - المفاتيح.
ثمّ قالَ:
يا إلهي.
منْ أينَ يأتي كلُّ هذا الوهمِ.
منْ أوهمني أنَّ الوهمَ شيءٌ
(هامّ).؟!.
🌿🌿
صَفَنَ قليلاً،
وراح يسألُ بينه وبين نفسه:
منْ استباحَ على دكَّةِ اللّيلِ
دَمَ الكلماتِ
حتّى تكدّسَتْ الهزائمُ وانتشرَ
الغبارُ على مداخلِ المدنِ وفي الحاناتِ والأرصفةِ والشّوارعِ واحتلَّ الوهمُ
مدارجَ النّصِّ فطالتْ أروقةُ الألمِ وامتدّتْ أزقّة الوجعِ وصارتْ بحجمِ بلاغةِ
التّاريخِ وعرباتِ الأيّامِ وخرائطِ الدّول؟!.
ثُمّ أردفَ، وقالَ:
منْ يستطيعُ أنْ يضعَ عنواناً
لكلِّ هذا الوهمِ الّذي
يَحدِِقُ بالعالَمِ ويُحدِّقُ
فيه؟!.
ونظرَ إلى الورقةِ البيضاءِ
أمامه.
تناولَ القلمَ وخطَ جملةً رأى
أنّها، ربّما، تصلحُ لأنْ تكونَ
جملةً مفتاحيّةً:
- أيُّها الوهمُ يا نجمةَ السّفر.
ثُمَّ كتبَ:
خذني أيّها الوهمُ. خذْني إلى ما
تريدُ وتشتهي.
خذْني للبعيدِ البعيدِ. للبعيدِ
الّذي هو أقسى والبعيد الّذي هو أقصى. خذْني. لقد مللتُ الطُّرُقَ القديمةَ
والحواري القديمةَ والشّوارعَ القديمةَ والأيّامَ. خذْني أيّها الوهم. خذني .
♧♧
أعاد قراءةَ ما كتب، وقال:
ما جدوى كلّ هذه الكلماتِ!!. ما
جدوى الكتابة،
وما جدوى القراءة، وما جدوى أنْ
تحبَّ، أصلاً، أو تقولَ للعالَمِ كلَّ صباحٍ،: صباح الخير. ما الجدوى؟!.
ثُمّ قال:
لا شيء في اللّاشيء والأيّامُ
الّتي تفتكُ بالأيّامِ
مشغولةً بما لا يهمُّ بينما
الأحلامُ تتفتَّتُ في الأحلامِ مطويّةً على نفسها كالكوابيسِ. كلُّ شيءٍ يسيرُ إلى
ضدِّه والتّواريخُ تمشي اتّجاه التّواريخِ مقلوبةً. ماجدوى الكتابة، حقّاً؟!.
قالَ، وقد غلبه النّعاسُ وهو يُفكّرُ طوال هذا اللّيلِ بهذا الّذي اسمُه: (الوهم).
طوى أوراقه واتّجه نحو سريرِهِ للنّوم، وهو يُردِّدُ ويقول: منْ أين يأتي كلُّ هذا
الوهم. منْ أين؟!.
.
🌿🌿🌿
22
•••
كيف يتذكّر
العاشقُ، عادة، المرأةَ الّتي
يُحبُّها؟!.
أيتذكّر،: وجهَها، أم شعرَها،
أم بريقَ عينيها.
عطرَها،
أم قبلتَها، مرّةً، في الطّريق.
أصابعَها، الّتي لها طعمُ
المفاجأةِ،
أم كلمة قالتْها له: أُحبُّك.
أيتذكّرُ،
حضورَها الّذي على هيئةِ أقحوانٍ
أم غيابَها الّذي على هيئةِ
أرجوان.
أيتذكّرُ،
الغرفةَ، أم تأتأةَ الباب.
أم الكلامَ الّذي في الممرِّ
بينهما.
أيتذكّرُها،
لنفسِهِ، أم لنفسِها، أم
لكليهِما معاً.
كيف يتذكّرُ
عاشقٌ، عادةً، المرأة الّتي
أحبّها.
•••
23
...
شجرة نسيان
..
كنتُ،
شاعراً أكلَني الذّئبُ في
الطّريقِ،
ولم تلتفت السَّيَّارَةُ
والمارَّةُ والعائدونَ
منَ الصّيدِ،
لوجودي.
••
هكذا،
اكتشفتُ اسمي في النّسيان
وسرعانَ ما ضيَّعتُهُ في
النّسيان.
صار
النّسيانُ مادَّتي الخام.
يمحوني ثُمَّ يُعيدُ تشكيلي
ويوصلُني
منْ أطرافي لأُتِمَّ عدَّةَ
الجنون. .
••
الاتّجاهاتُ،
ندوبٌ في مرآتِيَ المُحدَّبة.
ودمي، بحذافيرِهِ، في كلمةٍ سوداء
على الجريدةِ،
أبيض.
ابْيَضَّ دمي.
والأيّامُ الضّخمةُ جعلتْني أجرُّ
رأساً هائلاً
ومجنوناً طوالَ تلك السّنين،
وأركض.
أركضُ في داخلي.
أركضُ في كلِّ اتّجاه.
دونما،
أسفٍ أو ندمٍ،
أركض.
منْ،
سلالةِ العدّائين. ومع هذا لم
تذكرْني
الإذاعاتُ أو تأتي على ذِكْري
الصُّحف.
أرمي،
جسدي مثلَ شيءٍ في الطّريقِ،
وأركض.
أُلمِّعُ،
كوارثَ النّهار وأحملُها مثل
أخطاءٍ قديمة
ولا أستعمل التّذكّر.
أُقشِّرُ،
كَمْأَةَ الغيابِ، وأركض.
أبكي، وأنا أركض.
أجعلُ،
منْ حبّاتِ الدّمعِ أعشاشَ طيورٍ
أكمنُ لها في قلبِ الوردةِ،
وأركض.
أركض.
أركض.
أركضُ،
دونَ اتّجاهٍ. أركضُ دونَ
أثر.
نسيتُ،
حياتي، هناكَ، في
الركض.
••
ورغم،
عدمِ اقتناعي بالموتِ، كفكرةٍ.
أحاولُ أنْ أمارسَ هذا
في خلاء.
أتمترسُ،
خلفَ البابِ ولامُ العزلةِ داقٌّ
على
رقبتي كالمسمار،
بينما،
أشقّائي اليتامى وشقيقاتي يلعقونَ
فضّةَ النّجومَ في أعالي
السّماء.
••
ملءَ يدي،
ثلاث علبٍ للتّيه.
وثلاثُ حماماتٍ تلمعُ في عينيَّ.
وعلى جبيني قوسُ قزح.
أنا،
شجرةُ نسيان
طويلة.
•••••
24
🕳
في الثّلاثينَ،
تَمَّتْ رغائبُهُ في الخروجِ عنِ
البحرِ والبيتِ.
شَقَّ،
عصا الطّاعَةِ الأبويَّةِ والعادةَ
المستمرَّةَ في الخوفِ، والنّومَ تحتَ
أمانِ القصائدِ،
وانشَقَّ،
عنْ رِفقَةِ الظّّلِّ، عنْ مشهَدِ الصّوتِ
والأوجُهِ المُستَعارَةِ،
عنْ،
عِدَّةِ القَصدِ، والمَشْيِ في
الشّارعِ المُطمَئِنِ،
عنْ كلِّ،
ما ليسَ يلزمُ في
رحلةِ البحثِ عنْ فَرَحِ الماءٍ
والدّهشَةِ القاتلَةْ.
،
،
شَبَّ،
عنْ صمتِهِ، في الثّلاثينَ
يقطفُ في كلِّ منعطَفٍ زهرةَ النّارِ،
يخطفُ،
في الدّربِ والنّصِّ نايَ الرُّعاةِ،
ويُضرِمُ فوجاً منَ النّارَ
في شَجَرِ العائلةْ.
🕳
25
🥢
تعبتُ،
منَ الشّرحِ والالتِباسِ.
منْ الوصفِ، منْ جملةٍ لا تُطلُّ على غيرِ معنىً وحيدٍ،
منَ الإنزلاقِ إلى خانةِ المُتَقاربِ والنّومِ،
تحتَ أمانِ القصائدِ،
منْ موجِ
بحرِ امرُئِ القيسِ، منْ ليلِهِ
في المجازِ.
تعبتُ،
منَ المَشْيِ في فاعلاتُنْ.
منَ الرّكضِ في فاعلُنْ، منْ جَوازِ البسيطِ،
منَ البحرِ والبيتِ،
والقافيةْ.
،
،
تعبتُ،
منَ الإقتباسِ.
ومنْ حيلةِ المُتَدارَكِ في شَرحِ هذا المساءِ،
منَ الوقتِ والعومِ في المدُنِ،
الدّاميةْ.
،
،
ذهبتُ إلى حانةٍ ،
واتّفقتُ معَ النّادِلِ الجَهْمِ أنْ يستريحَ إلى
ليلِهِ ويصبَّ ليَ الخَمرَ،
حتّى،
طلوعِ الصّباحِ على الشِّعرِ،
والخابيةْ.
🥢
26
•••
كيف يتذكّر
العاشقُ، عادة، المرأةَ الّتي
يُحبُّها؟!.
أيتذكّر،: وجهَها، أم شعرَها،
أم بريقَ عينيها.
عطرَها،
أم قبلتَها، مرّةً، في الطّريق.
أصابعَها، الّتي لها طعمُ
المفاجأةِ،
أم كلمة قالتْها له: أُحبُّك.
أيتذكّرُ،
حضورَها الّذي على هيئةِ أقحوانٍ
أم غيابَها الّذي على هيئةِ
أرجوان.
أيتذكّرُ،
الغرفةَ، أم تأتأةَ الباب.
أم الكلامَ الّذي في الممرِّ
بينهما.
أيتذكّرُها،
لنفسِهِ، أم لنفسِها، أم
لكليهِما معاً.
كيف يتذكّرُ
عاشقٌ، عادةً، المرأة الّتي
أحبّها.
•••
27
🌿
كيْ،
أستعيدَ النّورَ،
والكلماتِ.
كانَ،
عَلَيَّ أنْ أستدرِجَ الينبوعَ نحوَ العشبِ.
أنْ أُصغي إلى صوتِ احتدامِ الماءِ. أنْ أرسو
على صدرِ المشيئةِ في اختراعِ،
الحبِّ.
قلتُ،
وفي يدي لَألاءُ شمسِكِ في حسابِ الضّوءِ،
لم تبلُغْ سماءَ الأربعينْ.
،
،
أحتاجُ،
باسْمِكِ كلَّ ضوئي، ربّما.
أحتاجُ صوتَكِ، ربّما. أو ربّما، أنا لستُ أعرفُ،
كيفَ أحتاجُ القصيدةَ كلَّها، ومتى
وأينْ.
،
،
أنا،
لستُ أعرفُ.
كلّما حدَّقتُ في معنى عيونِكِ،
هِئْتُ، شيئاً ذائباً في
المُقلتَينْ.
،
،
أنتِ،
القصيدةُ كلُّها.
حينَ استدارتْ مرَّةً نحوي لتخطفَ مرَّتَينِ
منَ القصيدةِ ما تشاءُ، منَ القصيدةِ،
مرَّتَينْ.
🌿
28
..
(إلى محمود درويش،
الغائب .. الحاضر).
•••
يا مالئَ الفصحى
بنَبْرَةِ صوتِهِ
يا شاغلَ الدّنيا
بلحظةِ صمتِهِ
أَغْوَيْتَ
هذا الموتَ عنْ أشغالِهِ
يا فتنةَ الإغواءِ
كيف شَغَلْتِهِ ؟!
وصَرَفْتِ
هذا القلبَ عنْ أحوالِهِ
حتّى اجْتَبَيْتِ الآنَ
وردةَ وقتِهِ
وأَبَحتِ
عَصْفَ بيانِهِ في العَصْفِ
ذاتَ صبابةٍ مسَّتْهُ
حين فَتَنْتِهِ
تتأمَّلينَ
قميصَهُ المُبْتَلَّ
بالرَّغباتِ عندَ السَّهْلِ
..كيفَ نَسَجْتِهِ
منْ
خضْرَةِ الزّيتونِ في يافا
ومنْ وجَعِ الطّريقِ
بَكَتْهُ قَطْرَةُ زيتِهِ
حتّى
ارتدى جسدَ التُّرابِ
قصيدةً وجداولاً
ليُتِمَّ عِدَّةَ موتِهِ
أَلَّبْتِ
كلَّ حكايةٍ للموتِ
فوقَ سريرِهِ .. فأطالَها
وحَسَدْتِهِ
ورميْتِهِ
في الجُبِّ
يخفقُ قلبَهُ خلفَ
السِّراجِ المُستنيرِ
وصمتِهِ
وفَتَنْتِهِ
بالياسمينِ يجيءُ منْ
غُرَفِ النِّساءِ مُدَلَّهاً
وَلَمِسْتِهِ
أَوْقَفْتِهِ
في الحرفِ ذات قيامةٍ
نجماً يُطلُّ على مشارفِ
بيتِهِ
أو كوكباً حَيْرانَ
يلعبُ مثلما العصفورُ
يلعبُ في جنائنِ
وقتِهِ
أغراهُ بوحُ اللّيلِ ..
وانسكبَتْ محاجرُهُ
على أشواقِ ما أغوَيْتِهِ
فأتاحَ
كأسَ جنونِهِ
للرّيحِ والمنفى.. هنا