جنان الحسن
نحن على قيد الحنين منذ تسرب العطر من بين أيدينا على دروب الشتات ..
أنا أيضا مثلك يا درويش أحن إلى صوت أمي
وخبز أمي وقهوة أمي ..
كانت تصنع لنا خبزا لذيذا مغمسا بالزبدة والسكر .. كانت بارعة جدا في ذلك
وكنت أحبه جدا ..
كان يذوب في الفم مثل أفراح طفولتنا تلك ..
هي من علمتني أن أحب القهوة وقدمت لي أول فنجان في حياتي حين كنت في
الرابعة عشر من عمري ..
ثم علمتني كيف أصنعها ..
لا تضعي البن قبل أن تغلي الماء ..
اتركيها على نار هادئة تغلي وانسيّها قليلا .. استخدمي بنّاً صافياً بدون
هيل ولا تضيفي حب الهال عليها سوى في نصف الدقيقة الأخيرة من غليانها ..
معك حق يا أمي ستصبح حامضة مثل أيامنا هذه إن أضفتها قبل ذلك ..
وحين تصفو ويتجمع تفل القهوة في قاع الإبريق اسكبيها ..
هكذا تكون قهوة الكيف والمزاج .. القهوة ذات الوجه ماجقة لا طعم لها .. بن
وماء فقط وليست بقهوة ..
ومن لا يملك المزاج فما معنى حياته ..
وحين أسالها ما المزاج تقول : قهوة وغناء وحكايا ..
نعم يا أمي تلك هي احتياجات الروح ..
أحن إلى ضجيج شارعنا أعرف جميع الأطفال فيه .. لكنني لا أعرف أحداً في
شارعنا اليوم ..
أحن إلى صوت صغيري يناديني تعالي ننظر لقطط جيراننا الصغيرة ..
صغيري ذاك الذي غادرني منذ سنوات طوال في بداية سن المراهقة ولا أعلم كيف
نما وكبر في الشتات بعيدا عن عيني حتى غدا غريبا عني اليوم وما زال في قلبي ذلك
الطفل الصغير ..
أشتاق لصوت خرير المياه وهي تنساب على بلاط شرفتي ..
تغسل كل زاوية فيها ..
كم من فرح نحتاج اليوم لنغسل أحزان قلوبنا ..
أحن لصوت المطر وهو يطرق زجاج نافذتي ..
هنا لا يتوقف المطر عن الهطول ولكن قلبي جاف لم يرتوي به يوما قط ..
أحن لكل التفاصيل الصغيرة بقدر ما قتلنا طول البعاد والشتات ..