حمّى
هيثم الأمين
بردٌ.. و مطرٌ خفيفْ
وهذه المدينةُ
التي لا ترتدي أحاديثها السّاخنة
تقف.. على رصيف اللّيل،
تدخّن أعقاب المتشرّدين،
تدندن كلّ الأغنيات التي ردّدتها خطوات الغرباء
على أرصفتها
و تنتظرْ.. النّهر ليعبر بين فخذيها...
بردٌ و مطر خفيفْ
و كلّ السّاعات الجداريّة، داخل رأسي، لا تشير
لعناق قريبْ..
أصابعي
مازالت تهرب منّي
و من قصيدة غصّ بها حلق الصّمت
ولا نبيذ ينزّ من ثدي اللّغةِ...
بردٌ و مطر خفيفْ...
المدينة تضع الكثير من أضواء الحانات على شفتيها،
تراقب ساعتها،
تبحث،
داخل حقيبة يدها،
عن رجل و امرأة يتبادلان قبلات جافّة
لتجفّف بشفاههما مزاريبها الباكية
و تهرش مؤخّرتها ليكفّ، قليلا، نباح كلاب
بعيدةٍ...
بردٌ و مطر خفيفْ..
يتثاءب سريري الضّجِرُ من مشاهدة حلقة مكرّرة على
قناة وثائقيّة،
تسعل الطّاولة من رماد سجائري الكثير،
يحاول الكرسيّ اخفاء ضرطة
فيشمّها حذائي الرّياضيّ الذي لا يناسب مقاس
ركضي.. و يضحك
بينما جسدي القَلِقُ
مازال يحاول كتابة
امرأة
لا تفسّرها القواميس و لا تنطقها المدافئ..
بردٌ و مطر غزيرْ
و العاصفة تشدّ المدينة من أشجارها
أمّا النّهر فـ "دون جوان"
ينفض عن مائه سدود ثعالب الماء
و لا يهمّه تقاتل أنثتان لأجلهِ
مادام مجراه منتصبا في حلق الضّفّتين...
بردٌ و مطر غزيرْ..
السّاعات الجداريّة، داخل رأسي، تقلّد صوت خطوات
امرأة أعرفها،
ينتصب مقبض باب غرفتي،
تعطس مقدّمة الأخبار فتشمّتها علبة المناديل
الورقيّة التي تركتها على "الكوميدينو"،
تهتف النّافذة: ستنتصر العاصفة..
بغضب، يهتف السّتار: ستنتصر المدينة..
ترتطم عيوني بضوء شارد.. فتشتمهُ ببذاءة عاهرة !
يواصل كأس فارغ استمناءه،
تتقيّأ جواربي طريقا كان عسير الهضمْ،
عطرٌ أعرفهُ.. يتسلّل إلى جسدي القلق تحت الغطاء !
في الطّابق العلويْ،
تصرخ جارتي: ناموا يا أبناء القحبة !!!
فيقهقه سروالي الممدود على أرضيّة الغرفة..
من هناك؟؟؟؟ !!
تسأل أصابعي و هي تحاول تذكّر كلّ أبجديّة امرأة
أعرفها !!
فيأتيها الرّد
من المطبخ؛
مواء قطّة هاربة من البرد و من المطر الغزير...