محمد جابر الحديدي
قصة قصيرة
.................
الولد الباكي
...................
كنا في وقت الفسحة. ، واثناء عبوري فناء المدرسة
ممسكاً بالخيزرانة الطويلة المخيفه. ،ارتطمت الكرة آلتي قذف بها الولد في وجهي ،،ولما وضعت يدي علي موضع اللطمة ، حانت مني نظرة غضب إلي الولد الذي قذف
بالكرة ،، وبانت علامات الإستياء علي كل
أعضائي. كان الولد قد انزوي بين جموع التلاميذ التي إلتفت علي شكل دائرة ، ران
الصمت علي الجميع . عدا بعض الهمهمات
المتناثرة من خلال الدائرة الكبيرة المنيعة........
بصوت جهوري امرت
فراش المدرسة بان يحضر كرسيا علي الفور
، ومعني هذا إن عقابا حتميا سيقع في اللحظة
والحال.....علا صراخ الولد مستغيثا وسالت
الدموع مدرارة فوق خديه الناعمين يعلن من
خلالها اسفه وندمه علي فعل لم يكن ليقصده....... الكل يترقب
ماسوف يحدث.
قال تلميذ بلوك شيئاً بين اسنانه..
.ح يمده علي رجليه عشرين خرزانه.....
وقال ٱخر متكئ بذراعه علي كتف جاره الواقف أمامه..
...إستني لما نشوف إيه اللي ح يجري ..
كانت الدائرة قد اتسعت. وانشغل الجميع بالنظر لي
والولد الباكي
وقد انتابه الذعر وملأته الحسرة متجولا بناظريه
بين. رفاقه من تلاميذ المدرسةالملتفين حوله بعضهم يشفق علي حاله وبعضهم
يعلم انه لامجال للشفقة فطالما اتي الفراش
بالكرسي. فلابد من الجلد مهما كانت الظروف ...إخترق الفراش الدائرة الكبيرة ووضع
الكرسي وسطها فتشبث الولد بقدمي. يعلن
كامل. أسفه بينما كانت صرخاته تشق جدران
الصمت الذي خيم علي .رؤوس الجميع ولما
أيقن الولد أنه لابديل عن عقابه ظل مرتجفا ومنصاعا رغم أنفه
للامر بالعقاب
،، راح يحرر.قدميه من الحذاء
إيذانا ببدء المحاكمة
التي لامفر
منها.............
جذبني هذا المشهد إلي سنوات بعيدة. .كنت وقتها في
نفس سن الولد الباكي. وكان الأطفال في
كتاب القرية يصعدون فوق أسطح
منازلهم يتبار ن فيما بينهم في سباق الطائرات
الورقية . التي كان يصنعها احد رفاقنا. نظير عشرة قروش للواحدة. ولما كنت لااستطع ان افعل مثل ما يفعلون. نظرا
لحياة الحزم والصرامة التي كنت اعيشها...فإمي تعاملني كرجل كبير ، وابي شديد القسوة لايقبل
اي شئ سوي الحفظ والمذاكرة والمواظبة علي مواعيد
سيدنا
شيخ الكتاب ....وكان بين الحين والآخر يحثه علي
ضرورة معاقبتي
إذا حدث مني اي تقصير أوخلل مهما كان بسيطا. ،
لذلك لم اجرؤ
علي فعل أي شئ يخالف نواميس الطاعة العمياء لأوامر سيدنا ونواهيه
.....
كانت الطائرات ذات الألوان المختلفة. الحمراء.
،،. الخضراء. ،
الصفراء ترتفع رويدا. رويدا
فوق رؤوس أصحابها فتصنع في السماء ألوان قوس قزح. بينما ضحكات الأطفال تشق
يكون القرية.
،، أتي الفراش بحبل وراح يكبل فدمي الولد استعدادا لبدء طقوس
المحاكمة والعفاب. بينما دائرة التلاميذ تزداد ضؤفا حول الكرسي
ونظرات الولد الباكي تحمل في طياتها أملا فى
النجاه. ..........
أذكر أنني اتخذت قرارا وبدأت في تنفيذه
بالفعل. .فحينما أعطتني
أمي القروش العشرة راتب سيدنا شيخ الكتاب الشهري.
ذهبت بها إلي الولد صانع الطائرات واشتريت واحدة.....صعدت سطح منزلنا ولم اذهب يومها. إلي الكتاب. ..كانت
الطائرة. في ارتفاعها. بحجم
ثمرة برتقال. وكان ذيلها المزركش يتمايل هنا
وهناك. وكنت في قمة سعادتي التي لم تكتمل. لما صرخت امي في وجهي دل الرتب في كامل
جسدي وافلت الخيط من يد ي ومن يومها وحتي هذه اللحظة لم اعرف. اين ذهبت تلك
الطائرة. ولكني اتذكر جيدا ان امي قبضت
علي معصم يدي وذهبت بي إلي سيدنا وحكت له ما
جري
، فأقسم برأس أبيه إن يعاقبني. ،، بالفلكة. ،،. عقابا شديدا
.يومها صرخت مستجديا عطفه غير ان صراخي لم
يحرك فيه ساكنا
..وهم
بعقابي لولا ان الولد صانع
الطائرات اخرج من جيبه القروش
العشرة
ووضعها في يد سيدنا الذي ما إن وضع القروش في جيبه
حتي هدا والقي.
، بالفلكة. ، جانبا. وحذرني من فعل مثل ذلك مرة
اخري.....
، ابوس. إيدك يااستاذ
كنت قد
عدت من شرود ي . حينما هم الولد الباكي يقبل يدي
مسحت
دموعه. ، ازلت القيد عن رجليه الصغيرتين وقررت أن
امسك بيدي صحبة ورد بديلا عن الخيزرانة الملعونة
..
القاص. محمد الحديدي
عضو اتحاد كتاب مصر