حاجة الدولة إلى المعارضة ولو على مضض
العقيد بن دحو
ورد في الأثر الشعبي :
" خذ الراي اللي يبكيك ما تخوذش
الرأي اللي يضحك " !.
حاجة الدولة ذات الحكم
الراشد إلى المعارضة احيانا لا يقل أهمية حاجتها إلى الموالاة حتى ان كانت بها
خصاصة، ومادامت السياسة من نافل القول فن
الممكن ، لا عداوة دائمة دائمة لا خصوبة دائمة و انما مصالح دائمة ، و العاقل
اليوم لا يخفي هذه المصلحة بين الدولة و الجماعات و بين الدولة و الافراد ، المهم
بالأول و الاخير الغاية تبرر الوسيلة او الغاية هي الوسيلة ذاتها.
قد يظن البعض ان الدولة لا حاجة لها لا بالأفراد
ولا بالجماعات لأولئك الذين اطلقوا لجام السنتهم على الدولة ورجالاتها ؛ ينبشون في
جراحات الماضي و أخطاء الآخرين المادية منها و المعنوية.
بل بالعكس احيانا لا بد
من اللجوء بالاخير إلى الحكمة ، تلك الحكمة التي تقوي شوكة الموالين وتجلب
المشاهدين و تشجع المعارضين العودة إلى أرض الوطن.
لقد علمنا التاريخ البشري
بل الشبيه بالتاريخ اي الجانب الاسطوري؛ و يحسبها الجاهل مجرد أسطورة لا غناء
فيها. حلم الفرد و الوعي الجمعي او اللاوعي.
بل هي الحضارة ذاتها.
الأسطورة ميراث
الفنون كما يقول ( نيكولاس فريده) او كما
يقول (مالرو) لبناء حضارة يلزمنا تاريخ و الشبيه للتاريخ ".
تقول أسطورة او عقدة
(فيلوكتيتيس) الدرامية للكاتب التراجيدي صوفوكل او/ صوفوكليس : كان فيلوكتيتس ابن بيأس صديقا لهرقل العظيم ،
بطل اليونان المعروف شهد موته و اعانه عليه وورث درعه وقوسه و سهامه المجنحة. وقد
سافر مع الجيش اليوناني لحرب طروادة فلما كان في بعض الطريق لدغته حية في إحدى
رجليه وعمل السم في رجله حتى جعلت تبعث منه رائحة كريهة مؤدية ، فضاق به اليونان
وظنوا ان الآلهة أرادت به شرا. وازمعوا ان يخلصه منه ،
فكلفوا اوديسيوس ان ينقله أثناء نومه إلى جزيرة لمنوس وان يتركه فيها وحيدا
ففعل. و اقام فيلوكتيتيس في هذه الجزيرة
الخالية عشر سنين شقيا بالامه ووحدته، ثم اوحى
الآلهة إلى اليونان ان طروادة لن
تؤخذ. لن تظفر إلا إذا عاد فيلوكتيتيس إلى الجيش و شارك في الحرب بدرع و سهام هرقل المجنحة فكلف اليونان اوذيسيوس ان يذهب
الى الجزيرة لياتي بهذا الطريد الشريد
فذهب. معه نيوبتوليم بن اخيل. و امتنع فيلوكتيتيس عليهما في بادئ الأمر ثم
انتهى اخيرا باتباعهما .
كانت هذه الأسطورة
الاغريقية تحاكي عودة الابناء المهاجرين المهجرين المعارضين إلى ارض الوطن.
الأسطورة الحلم الجمعي للشعوب. التي صارت
لها اليوم اكثر من تكفل و أكثر من معالجة على جميع الاصعدة الثقافية السياسية
الإقتصادية الإجتماعية الأمنية و العسكرية.
حاجة الدولة الحديثة
اليوم إلى جل أبنائها خارج الوطن و داخل الوطن. حتى ان كانوا من العاقبن الطالحين.
المعارض السياسي ليس
سلبيا مطلقا و لربما كان محبا لوطنه خير من موال لا يحسن إلا أن ياكل في كل رغيف
ويصفق مع ( الواقف) !.
المعارض
طاقة يظل يخسرها الجميع ، وإذا
تكررت بالزمان و المكان تصير أزمة.
يستغلها الطرف الآخر المتربص كورقة ضغط ترقى بالتراكم و الاضافات إلى
التدخل المباشر و غير المباشر في تقرير مصير الدول .
المعارض طاقة مهدرة مادام
الاستثمار في الإنسان صار عنوانا اقتصاديا للامم و الشعوب.
ا نا لا أقول على الدولة
ان تتنازل. لكن على الدولة العاقلة
الراشدة ان تعرف كيف يتم استقطاب هذه
الطاقات البشرية ، ومن خلالها تحتوي جمهورها !.
الحكم كنز كما تقول
الاغريق القديمة. لكن إذا افرغت الدولة من
كل من يقول(لا)...
لا يسعنا إلا أن نقول كما
قال، (هيمون) بطل مأساة ( اونتجون،) وهو يخاطب والده الحاكم : " على من تحكم
اذا كان البلد فارغا " !.
لابد بالاخير ان تسود
الحكمة المستقرة في كل راس وان يعم التعايش السلمي الداخلي الجميع حتى نقلل من تلك
الاصوات النشاط الشوط المط العط ، التي تاتينا معلبة مع كل صوت ديجيتالي. صوت بالف
حديث.
ليس غريب و لا عجيب و لا
بالمذهل المدهش ان تعود الدولة خيارا إلى
كل أبنائها المعارضين بالخارج و ان تقاسمهم ( العصف الذهني ) لحل جل الأزمات الني
تعاني منها في ظل عالم معولم تشكل و هو
اليوم يتشكل اكثر وحشية، يستغل أقل
الثورات و خصومات ذوي القربى ليعود من خلال أصواتهم صورة ومعنى و حقا تاريخيا و
مجالا حيويا. مرضيا يحن اليها المستعمر
المستدمر القديم الذي صار يأتي من الفضاء و عبر ابسط جهاز هاتفي محمولا ذكيا.
حاجة الدولة اليوم إلى
الصوت الاخر. إلى الرأي الاخر. إلى الذي لم يقل بعد كلمته لعلها مفتاح فرج.
ليصدق المثل الشعبي
القائل :
خذ الراي اللي يبكيك ما
تخودش الراي اللي يضحك " !.
الجزائر كثر هم أبنائها
من ضحكتها، لكنه ضحك كالبكاء !.
اليوم و اي عاقل يتمنى
عودة فلان وعلان أرض الوطن و لا نقول يشارك بحرب البناء و التغيير بدرع و سهام
هرقل المجنحة الاسطوري. وإنما يشاركوه في معركة البناء و التغيير بادرعهم و بأيديهم و بافكارهم ، ونصف عقلك عند اخيك. او كما يقول
المثل الشعبي : " خوك...خوك..لا يغرك صاحبك " !.
والوطن ما يبقى بعد ان
نخسر كل شيئ!.
في الاخير إليكم هذا
الحوار التراجيدي الدرامي بين رجل دولة و ابنه :
- كريون : و
اي الناس غيري يستطيع أن يملك في هذه المدينة ؟
- هيمون
: ولكن الدولة لم تخرج لرجل واحد .
- كريوم :
أليست الدولة لمن يحكم ؟
' هيمون : نعم ، هذا حسن ، لكن البلد إذا كان خاليا مقفرا. فعلى من تحكم
؟.