نقطة دم فوق نقطة دم
عبدالنور الهنداوي
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
منذ زمن ليس بالبعيد،
وأنا أحاول أن أعيش مع الأرواح التي ترتدي الملابس العسكرية، دون انتظار
الآلهة المهدّدة
بالإنهيار .
منذ زمن .. وأنا أتذكر
أزمة الدم والصفيح، لأن الإله
الأبيض جرّد الضوء من
ملابسه الداخلية علناً ، ليُنتج
بلاداً تشبه بلادنا ،
وصقيعاً يشبه صقيعنا، لتكون أيامنا
قليلة جداً لا تتجاوز
أصابع اليد .
النهاية أزفت ، لأنها
حافظت على القصائد القليلة بامتياز ، وحافظت على الدم الذي تدلّى من هذه الكوميديا
!
_نقطة دم فوق
نقطة دم .
ووحدي أحاول تغطية جسدي
بقطع صغيرة من الغابات
وألعب بوجهي كمحارب جاء
من أقبية الظلّ.
كثيرة هي الجلسات التي
تتحدّث عن ثقافة الكآبة، وعن
غروب العالم من العالم ، حُلْمنا
اليوم أن يكون لنا موطئ قدم في الريح ، موطئ قدم ولو في قصيدة ،
وكأن الكتاب والشعراء
العرب اليوم يرتدون ثياب الملائكة ؟!
خواء في أحاديثنا اليومية
، والتي صارت حفرنا اليومية، . حتى طريقتنا في الكلام تفتقد إلى الخيال ،
وتمشي .. جنباً إلى جنب
الرثاء .
لغتنا العربية مثلاً ،
صارت ملاذاً لصانعي الأنوار، هكذا
نحن في الظلام . ليصنع
الزمن من يصنعون الزمن !
فهل وجدنا تعريفاً رفيع
المستوى لأحوالنا ؟ كتب أحدهم: عِظامنا آنذاك كانت تزغرد، والآن عِظامنا منهكة،
ولم تعد صالحة للإستعمال
فحين يطأ الهواء الهواء ،
والكلام الكلام ، تكون الذاكرة التي نمتلكها وقد أضحت غرفة البرابرة .
قد نتحدّث عن موت الأفق
طالما نقوم بإيقاظ أجسادنا
وهي على غير هدىً من هول
إبادة المعنى .
الآن المقاهي الخشبية في
كل حدب وصوب ، وجدال
حول أحقيّة الرؤؤس
المرفوعة لتظلّ مرفوعة . إذ ما
من أمّة تقاتل من أجل
الأرض، إلّا من أجل أن لا تبقى الأقدام الهمجية التي هي أقدامنا على أطرف الأزمنة!
في الأيام الأولى من وجود
نقطة الدم .. برزت أسئلة
كثيرة جداً عن الطريقة
التي يتم فيها التهام الهواء ؟!
وكيف يحرّك الموت أصابعه؟
وكيف تتسلّل جثث الأهل
إلى عيوننا .
وكما نعلم جميعاً أن الدم
العظيم لا يحتاج إلى تصفيق
لأن الذي لا يذوب في
تفكيره يبدع في تأهيل البربرية
- للنوم -
داخل التاريخ
بصراحة : جميعنا دون
استثناء لا نقرأ سوى النصوص
السيئة ، لننام فيها ،
لنضع الأقنعة على أرواحنا ، بل
ولنملأ حقائبنا بالأرواح
المعذّبة .
من عاداتنا نحن العرب أن
نستمع إلى الشعر من داخل الضوضاء .. لكي لا يستيقظ الشيطان ، وننكسر بعدها
كما لو كنّا قطعاً من
الفخّار !
نقطة دم فوق نقطة دم .
لنظلّ على ما نحن عليه
أمام كل الهزائم التى عاصرناها،
وقرأتها عنها ، وها نحن
نرحل بسرعة كي لا نرى هذا
الصقيع كصرخة في رماد .
هل نترك مخاوفنا تسيطر
علينا ووجوهنا بمعطيات هائلة تشبه الهزيمة ؟ غاياتنا جميعاً واحدة ، ان نحفر
قبوراً لأعمارنا ليلعب
بها العمر !.
أو كما يقول برت راند
راسل : " إنّ اهم ما فعله الإنسان ،أنّه ملأَ الزمن بالأسئلة " في حين
نحن العرب
تحدثنا منذ أن خُلقنا مع
الذي سأل ذات يوم : عن
الموتى الذين يعيدون
تأهيل عِظامهم كي يدافعوا عن إقامتهم .
هل سمعتم أو قرأتم أو
كتبتم عن عبقرية الغبار ؟! طبعاً هناك من صنع لنا خيارات كثيرة أن تتحوّل بيوتنا
إلى مقابر لئلّا نظل على مفترق طرق ونتداول ا
الحديث عن جدلية الصقيع .
نقطة دم فوق نقطة دم .
والوقت يتقاطع بين الرغيف
العربي القحّ وبين دم
الأحفاد . وهنا يصعب
التوازن بين اللصوص والملائكة .
والأمثلّة كثيرة .. أولها
وآخرها أننا اقتربنا من نهاية
المجهول . والتأكيد على
ذلك ، عشوائية الأمكنة التي تتوالد فيها ثقافة الخناجر والسكاكين معاً.
نحن الآن نتابع ثقافة
الضياع بين الثلاجة والمقبرة ،
بين الوراء والتصدّع
الهائل في الأمام ، بين السيدة
الجليلة القومية العربية
وبين الليالي المِلاح لقبائلنا
العريقة .
لكن ثمّة من يعتبر الكائن
العربي طَبَقَاً فارغاً حتى من
الفراغ . فكيف لنا أن
نضبط نقطة الدم من التراكم الخلاّق داخل إيقاع هذا السراب؟
قد نجد ملجأً لمستقبل
دمنا في العصر الحجريّ ، ولهذا
علينا أن نشحذ ما تبقّى
لدينا من ألق هذه الأمة ..
وننفخ في أكفّنا أننا لن
نستطيع أن نغيّر في شكل هذا الخراب اليابس !
نقطة دم فوق نقطة دم .
_ المسافة
الآن .. أننا نريد أن نرتّب أشيائنا ،
وماهي الطريقة المثلى
للبقاء ،
وإن الحفاة العراة الذين
هم نحن
ليس لهم أمكنة في هذا
القرن . ولا
في المستقبل الغامض.
_ وان نعترف
انّ المغاور والكهوف الاستراتيجية
هي الأمكنة المواءمة
لظروفنا.
_ والذئاب
حتى الذئاب لديها قناعة
اننا بضاعة بشرية لا أكثر
ولا أقل !
نقطة دم
فوق نقطة دم
- والسلام
ختام -
.
عبدالنور الهنداوي
سوريا