حامد حبيب
مكانةُ التصوُّف فى الإسلام
هناك إجماعٌ شبه
كُلّى بين الدارسين
للتصوُّف الإسلامى على اعتبارِه البُعد الروحى للدين الإسلامي
فيقول (أبو الوفا التفتازانى)فى مدخلِه إلى
التصوّف
الإسلامى:" ...أنّ التصوُّفَ
فى الإسلام ، كعلم دينى،
يختصُّ بجانب الأخلاق والسلوك، وهو روح
الإسلام"
والخبرة الإنسانية العامة تُثبت بكل وضوح أن
الكائن
البشرى ، كائنٌ
فى حركة دائمة لاتنتهى ، يعيش فى
سلسلة لامُتناهية من التساؤلات
حول معنى حياتِه
ووجوده ،وتلك التساؤلات لاتزال تُقلق القلب البشرى
فى
أعماقِه ، فى
ماضيه وحاضره : ما الإنسان ؟مامعنى حياته وماغايتها ؟
ماالخير وماالشر ،مامصدر
الآلام ؟
ماالطريق الذى يقود
للسعادة ؟ ما الموت ومامصير الإنسان بعد الموت؟مالسرّ
المُطلَق المتعالى
على الكل حتى يتعذّر وصفه والذى نستمد منه أصل
وجودنا وإليه المصير ؟ وهلُمّ جرّا من التساؤلات.
وتلك
التساؤلات والإشكاليات الوجودية
هى التى
تُشكّل صميم الكائن البشرى. وبالتالى، فإن وُجِد
هناك
كائن بشرى لايطرح على نفسِه مثل تلك
التساؤلات
فسوف يتوقّف عن كونه إنساناً،فينحدر إلى مستوى
الآلات الروبوتية.
وللمتصوّفة تساؤلاتهم الخاصة، ولهم غايات سامية..
والتصوّف الإسلامى لم يأتِ
يتيماً فى تاريخ البشر
إنما
أتى من انسجام
واسع وتناغم عجيب
مع التيارات الروحية الدينية
الأخرى.
وقد
عنونت الباحثة الألمانية
الشهيرة ( آنا مارى شيمل ) كتابها
القيّمة فى التصوّف بعنوان"الأبعاد الصوفية فى الإسلام"
وقالت فيه:"فكل واحد يشرب
من نشربه ، فالروحانى يشرب من الروح ، والحرْفى
يقف عند الحرف ". وبالتالى
فللمتصوّفة مشربهم الروحى الذى
يتمسكون به.
وقد
اعترف الباحث العراقى
( بولس نويا ) أنّ للمتصوّفة أفضالٌ
عظيمة ، إذ
أنشأوا بخبراتهم الذاتية والممارسات الحياتية
لغة خاصة لهم، وهى لُغة حيّة
مليئة بمعانٍ عميقة
ذات صبغة ذاتية ملموسة ، بعيدة
عن البلاغة الشكلية السائدة لدى الكثيرٍ من الأدباء العرب ، و بفضل
للمتصوّفة وُلِدَت
لغةٌ
جديدة فى لسان العرب ، ألا
وهى لغة الخبرة الروحية الذاتية".
والخبرة
الصوفية فى أساسها
لقاءٌ مع الحقيقة المطلقة، وهى التى تحملنا إلى
مستوى يتجاوز كل
صيغة
عقلانية منطقية مُحدّدة
للوصول إلى"ما لا
عينٌ رأَت ولاأُذُنٌ سمعت".
وهم يتكلّمون بلغة لايمكن فهمها إلّا لِمَن ذاق
مذاق
خبرتهم ،بحسب قولهم "مَن ذاق عرف" ..
ويأتى فى هذا المعنى قول الصوفى الشهير( محمد عبد الجبّار
النفّرى) :"كلما اتّسعت الرؤية ضاقت
العبارة".
فالتصوف كما يُعرّفه (التفتازانى): " التصوف
فلسفة
حياة
تهدف إلى الترقّى بالنفس الإنسانية أخلاقياً،
وتتحقّق بواسطة رياضيات عملية مُعيّنة تؤدى
إلى
الشعورفى بعض الأحيان بالفناء فى الحقيقةِ الأسمى
والعرفان بها ذوقاً لاعقلاً ، وثمرتها السعادة
الروحية،
ويصعب التعبير عن حقائقها بألفاظ اللغة
العاديةلأنها
وجدانية الطابع وذاتية"
______________
حامد حبيب_مصر