باقة من أشعار المبدع الجميل
منذر حسن
سوريا
...
1
كنشيد يعلو،
يتمتم كلماتٍ قطَّرها القلبُ،
أعيدوا إليَّ الضوءَ وما خبا من العطر.
.
هو يشبه البحر،
وحين يعصف به التبدّدُ،
يعتّق المعنى ولا يرحل.
.
في واقع الأمر، لم أكن لأعرفَ عنه الكثير، ما خلا
أنه في السنة الخامسة للحرب صار يشبه الزعتر البريّ، الحاناتِ التي لا تغلقُ
أبوابها،
أو زَخَّ المطر.
وكنشيدٍ يتضاءلُ،
بدا الولدُ الصغيرُ، ذاوياً تَحُتُّه الرياحُ،
فيما أصابعه تلهو بشعره الذي انحنى للصدى.
آخر ما قيل:
لتذهب الأشياءُ إلى الجحيم، على مهلٍ أو مسرعةً،
لتذهبْ جميعها.
وقيل:
ثمة كأسٌ وأغنياتٌ تصدحُ.
.
يا أنت،
يا المسكونُ برائحة العشبِ،
انهضْ
وبعثرْ تويجاتك سحائبَ من حياةٍ،
وزخَّ
مطرْ.
..
2
..
ربّما..
أعودُ إلى أصابعكِ، أرى ماتُسرِّحينَ من صمتٍ،
أراهُ عندما توقدينَ حرفاً، أطفو من أناكِ،
أسيلُ على تخومِك،
أخاتلُ شَبهكِ المغمورَ فيَّ.
فلتُلقِ ضفائركِ علينا
ربّما فرحٌ صغيرٌ يلوحُ من وراء ضفيرةٍ
لـِ ربَّما.
في واقعِ الأمرِ
هيَّأتُ لكِ ما يليقُ
من
طقوسٍ تجدينها على حوافِّ كأسكِ، جدرانِ قهوتكِ.
خَتَلٌ يشبهُ ما بعدَ سقوطٍ قادمٍ لمدينةٍ
لم
تعتدِ السُّقوطَ، وسؤالٌ لا يَني يَتَنَطنَطُ كأبلَهٍ في قصرهِ:
لمَ
لمَ
حصلَ ذلك :
أترَين..كم نشبهُ البلد، أنا و أنتِ،
و انتَبهي:
أنا مثلكِ ..رحيلُ البلادِ لا يشغلني؟!
لذلكَ
أتأمَّلُ عودتَكِ لي بكلِّ حبّي،
لأعودَ إليكِ بكلِّ حبّك، وسأنتظركِ
نعم
سأنتظرُكِ
خلفَ ضفيرةٍ صغيرةٍ
لـِ ربّما.
..
22/5/2015
.................
..
3
..
لولا..أنَّك اختفيت،
لما أصبحت تلك الدّقائقُ العشرُ..
أخيرة.
.
إذا عدتَ،
ستجدُ لاعبَ خفَّةٍ يجلسُ على مقعدك،
وإلى جوارهِ،
قيثارةٌ مصابةٌ بالدّيسك.
.
لعلّك تزدادُ سماكةً.
لقد انتهى العرض،
والغبارُ يلفُّ المكان.
.
سيقولُ العابرونَ من بعدنا: " كانت
مسرحيَّةً تافهة"
.
إنّه السيرك..
ممتلئٌ، بالسّكارى المحتملين،
وبالشتائم.
اختر يا صاحبي، شتيمةً مفاجئة،
وتفقَّد أوتارها.
..
2018
..
4
..
لستِ بعيدةً،
لذا سأرمي الإستعارات،
على أقرب رصيف.
.
لسنا بعيدَين،
كلّ ما علينا..
أن نصدّق هذا الساحر،
ونخرجَ من كمّهِ، مشياً على الأقدام.
.
كما..
أرى
نحن الآن،
معاً،
يدُكِ في يدي، ونمشي على دروبٍ نعرفها،
رغم أنّ العرضَ انتهى.
.
برأيي..
لا تعيري انتباهكِ لأولئك الحالمِين،
سيرهقون ذاكرتك الصغيرة، بحكاياتهم المستحيلة.
.
انتبهي..
رائحة البنّ،
تملأ
المكان
...
... ...
..
5
..
غالباً
أفتِّشُ عن غبطاتٍ صغيرةٍ،
تشبهُ نوارسَ قادمةً،
من بعيد.
هكذا..
أتخيّلُ شرفتكِ عشّاً للطّيور،
وهكذا
تصيرُ أحزاني صغيرة.
..
في الماضي:
كثيراً ما كنت أدرّبُ أحلامي، لتستعيدَ ذكرياتٍ،
لم تحصل.
وكنتُ أمزجها مع ذاكرتي، لأصيرَ «واقعيّاً»
بجناحين!.
..
يقولُ لي صاحبي:
ثمّةَ ينابيعُ عميقةٌ،
عُدْ إليها.
أقولُ لصاحبي:
أخافُ ألّا يتبقّى لي
من عاشقاتٍ..
سواك.
...
.... ....
..
6
..
حدّق بهوميروس، من نافذته المحشوّة بالإستعارات،
وهمَّ باكتشافِ الأفق
.
كان كلّما فرغ من سفرٍ، أدهشَته ربطة نومه
الأنيقة، أكثر من اكتشافه لتعاقب الأيّام
والفصول.
.
آخر مرّة وثبَ فيها على الأبجديّة، أنجبَ
زمخشريّاً بلا إيقاعٍ، لكنّه بدا متهدّلاً،
كأليةِ حمّاد الرّاوية.
.
مرّةً يتيمةً، كادَ أن يغصَّ بنفسهِ، لولا أنَّ
ذيلهُ استفاقَ من بعيد ..معلناً براءته
.
هو الآن..
يهرشُ آخرَ شطرةٍ تَنزَّلت عليه، ويستعدُّ
للسّفر.. إلى حديقة المعلّبات
كأنّكَ مثلي:
تتظاهرُ بالحبِّ؟
لتنجو منه!
.
جسدُكِ .."نادرُ الحدوث"،
مع ذلك فإنّ حوافّهُ
تكادُ لا تُحصى.
..
للمرّةِ الألف،
أخشى أن يباغتني الوعيُ،
وأنا أعلو إلى هاويته.
.
تلكَ المجنونة،
تنهشُها خزائنُها،
فتختبئ ُوراء الموج،
و ترميني بالملح.
.
يالَـلحبّ،
لا شكلَ لهُ
سوى أنّ لهُ نفسُ خُطاكِ،
ولهُ..
نفسُ
الوشم.
..
.
سأحسنُ الظنّ بالمصادفات..
كأن أرى..
أنّ مايدور برأسك، ليس مجازاً،
و أنّ مطالعك أهمّ من
اللغة،
وارتباكك
أهمّ من النظرية النسبية،
ولُثغَتك،
تغري أيّ مصادفة بالحضور.
و أنّ العطرَ،
لا..
يأتي من الصين.
.
أدخلُ
محاولةَ الحب.
عشّاقٌ بدائيون مثلي، ضلّوا الطريقَ،
فعادوا بأحلام مثلَّمَةٍ
تشبه الشعر.
.
مرّةً أخرى
أحاولُ الّلعبَ،
أرتطمُ بالعقائد المُحدَثَة.
أنهضُ حذِراً،
أدعو الجدار التالي، إلى وجبةٍ واضحةٍ، من أساطير
أوروك.
..
هل أدركت الآن،
لمَ استغرقتنا الألوان،
مُذ دخل تلموديّونَ متأخِّرونَ بابلَ
وأمطرونا بالاستعارات
..
7
..
لك أن تعود، من حيث أتيت،
أو..
من
حيث أتينا.
.
لا تسرف باختيار الطرق،
لاشيءَ أوضح من صباحك المتكرّر.
.
احتفِ به
كما
لو أنه يخصّك.
واحتفِ به يا صديقي، فلن تبدوَ مخبولاً إذا صدّقتَ
أنّه جاء من أجلك.
.
غداً ستلتقيان كصديقين قديمين،
أنا أعرفكما جيدا..
كنت أحدكما على قارعة الطريق.
.
..
8
..
ماذا تبقّى؟
الرِّيحُ تصفرُ نفسَها،
والكاذبونَ يصفّقونَ بلا حياءَ..
ولا ندَم.
جراحُكَ و الثَّرى
يتساقطان،
يصفِّقُون للصَّدى.
الكاذبون:
ـ ليسَ ثمَّةَ غيرهم ـ
هم عُصبةٌ،
ساعاتُهم كرؤوسهم..
مُعَطّلة.
..
9
..
من عادةِ المصادفات
ألّا تحفلَ بانتظارنا.
ذلك أنّ كلَّ مواعيدنا،
غدت..
متأخّرة.
.
أكلّما همَّ خصرُكِ بالحضور، اتّسعت مَلَكَةُ
التأويل، وانشغلتِ من جديدٍ
بصياغة العطر.
.
سأحسنُ الظنّ بالمصادفات،
كأن أرى..
أنّ مايدور برأسك، ليس مجازاً،
و أنّ مطالعك، أهمّ من
اللغة،
وارتباكَك،
أهمّ من النظرية النسبية،
ولثغَتك،
تغري أيّ مصادفةٍ بالحضور.
و أنّ العطرَ
لا
يأتي من الصين.
..
10
..
لعبةُ الكراسي ملأى
بالخاسرين.
أحدُ فُصُولها..تقولُ الأسطورةُ:
كانَ يطلعُ دائماً من الغربِ، يدبُّ على أربعٍ ولا
يستحي، وكأسلافهِ، كانَ يلمّ الغبارَ وينسى
الرياح.
...
أَتَخَيَّلتَ نفسَكَ كُرسيَّاً مُتقَنَ الصُّنعِ؟
إذن
تضاءل إلى جرحٍ ينزُّ ولاينزفُ،
مايشبهُ وجدانَ لصِّ كراسي.
.
مرَّةً ـ في إحدى المسرحيَّاتِ ـ ،بدا الأمرُ
شديدَ الوضوحِ، كخازوقٍ، ولَم ترَهُ من
كثرةِ المؤخِّراتِ ..ربَّما
أو لأنَّ جرَبَ الذاكرةِ ينتقِلُ بعدوى التَّصديقِ
أو لأنَّكَ مُسبقُ الصّنعِ، كموسيقا مُسبقَةٍ
لِنصٍّ لا يتنفَّسُ إلّا زفيراً مُستَعَاداً،
كَبصقةٍ مُدوَّرة.
.
غالِباً..من أنتَ ؟.
.
تعبتُ..
.
سأضعُ عقلَكِ في رأسي،
لأعود،
وحينَ أُجيدُ خاصِرتكِ بعثِري مايخطُرُ لكِ من
أولياء و صِدِّيقين، ومن كراسي،
و
أعدُكِ:
سأولَدُ
لحظةَ تولدين.
.
من قالَ؟
أنَّ الولادةَ لا تكونُ من العشبِ والدم.
..
11
..
لن تحتفي الأرضُ
بصيَّادٍ ينثرُ طرائدهُ على
أوراق صُفرٍ،
ولن..
تحتفي السَّماء
...
هل تركِ التاريخُ أكاذيبَ شافيةً،
أناشيدُ وطنيةٌ تمضي لحتفها،
الأكاذيبُ تموت.
...
لا تضلِّلي ناري،
حينَ ألعنُ الشعراء و القادة،
وأحتفي
بكِ
لم تكن خمرةً رديئةَ،
قلبهُ كان بعيداً
بعيداً.
.
لن أسرفَ بالتذكّر،
غيرَ أنَّ " قرضَ الشعرِ" ليس صعباً كما
تتخيّلون،
يكفي أن تكون فاقدَ الصلاحيّةِ،
أو كسولاً مثلي
على أقلِّ تقدير.
.
تافهونَ يملؤون الدنيا انشغالاً، أوغروراً
مصطنعاً،
بالكادِ تصفهم..
بالتافهين.
.
المصادفةُ المتوقعة، أنهم يختلفونَ،
إلّا
في آثارهم.
.
متأخّراً
اكتشف أحدُهم، أنّه يشبه الآخرين،
حين أغلقَ فمه.
.
الصِّبيَةُ الذين كانوا في الجوار، أقسموا بثيابهم
الممزّقة، أنهم رأوا شخصاً بلا ملامح، ولم يفلحوا..
رغم
تمزيق ثيابهِ،
بمعرفة أيّ شيءٍ آخر.
..
20/ 12/ 2017
..
12
..
وقال لي صاحبٌ نسيتهُ،
هَب خدّيكَ للنّحل،
يصفُ لكَ الشّهد.
.
لاحقاً نسيت ما قالهُ،
ونسيتُ أنّني لم أُصَب بالفقد،
لأنعمَ بالذاكرة.
.
وكنتُ سأفكّر، كلّما التقيتُ صاحباً، في غير
محلّه، ماذا لو كنتِ إلى جواري، بعيداً عن ادّعائكِ بأنّكِ تشكرين الله على كلّ
حال.
لذلك.. سأستعيرُ منك حلماً متكرّراً، أظنُّ أن
تفاصيلهُ، تروقُ لي..تماماً كما مرّت برأسكِ.
..
لعلّه حبٌّ
ذلكَ أنّ وقتنا - كعادته - لم يرق له،
وهكذا فإنّ أحدنا على الأقل، سيحتاجُ كأساً، يمزجُ
فيه اثنينِ..نصفين.
..
أيّتها المرتبكةُ مثلي،
ككلِّ الفصاميّينَ في هذه المدينة،
سألامسُ نظراتكِ الساخنة،
وبتلكَ الأغنياتِ الحزينةِ، التي تغورُ من عينيكِ.
سألهو..
مع الظنّ.
..
منذر حسن
سوريا