Akid Bendahou
الصدق الفني و الاتفاق على الكذب
العقيد بن دحو
أعذب الشعر اكذبه. و الغواني يغرهن الثناء ! هذا
ما قالته الشعراء و محترفي الفن من عرب وعجم ، و من بدو و حضر.
يكاد يتفق الجميع من ابن خلدون إلى روبيرا
اسكاربيب إلى دور كايم ، ومن علم الاجتماع إلى سوسيولوجيا الأدب ؛ ان الأدب عموما
ظاهرة اجتماعية بالمقام الأول، ولا يمكن فصلها عن الظاهرة بتي حال من
الاحوال. غايته الاولى و الأخيرة ان يصل
إلى جمهور ما في زمن ما و في مكان ما بحجة حوار :
يسعى لان يقنع او يعلم او يغني او
يقرر او حتى يبعث اليأس، إلا انه في الاخير حوار ذو غاية.
وعندما تلتقي نيات الكاتب المؤلف الفنان مع نيات
القارئ. تجعل هذا الأخير يتأثر تكفيرا ام تطهيرا (كاتيرسيزيا) او تبعثه على
التفكير و التغيير متفاعلا. سواء كان الأثر مأساة او ملهاة نسمي هذا بالصدق الفني.
غير انه تثنية الفعل و نقيضه ؛ عندما نكتشف ان
الكاتب المؤلف الذكي كان حالما بالمقام الأول.
وان ما كتب لا يمث بصلة الى الواقع. ان كل الذي وقع ادخل الكاتب الذكي
القارئ الغفل في حالة تخذير او حالة رقصة صوفية افقدته وعيه لبعض الوقت. فتهيا له
بأن ما قراه صحيحا واقعيا ، الكاتب ايضا تهيا له بأن ما كتبه هو عين الصواب. تجد
هذا ممثلات في بعض الأفلام و المسرحية أين
يلتقي أحد المشاهدين مع الممثل الذي مثل دور الشرير فيهم عليه المشاهد الذي لا
يزال لن يسترد وعيه ، نسمي هذه الظاهرة الممثل الفكري و ابكتفرج الفكري او ضحايا
الكذب .
بمعنى اتفقا
ضمنيا بالكواليس خارج قواعد اللعبة
سلفا. وعندما دخلا إلى صلب العملية
و الفعل المقروئية ، كانا كل واحد منهما قدةاكتسب
القابلية لما يسمع و يرى و يقول ،
لفظا و لحظا و إشارة.
بمعنى اتفقا كل من الكاتب و القارئ على الكذب !.
غريب شان الأدب هذا. مدهش و مذهل و هائل ، و الا كيف يتحدث عن صدق
(...) و في نفس الوقت هو ( كذب ) !.
بل اكثر من هذا كله. عندما صرنا نقرأ و نسمع عن
أدب الهروب ، و عن الخيانة الابداعية ، وعن العدالة الشعرية.
بل كل ما يجري في المجتمع من مظاهر و سلوكيات يجرى
على الادب ، كون الأدب مجتمع مصغر او هو مرأة عاكسة للمجتمع الكبير خارج دفتي كتاب
و لو بتصرف. و من محض الخيال.
كان لابد أن يكون هكذا الأدب فلا توجد حقيقة
مطلقة. كل ما في الأمر ان الأشياء المادية
منها و اللا مادية نسبة و تناسبب كما يقول (ستانسلافسكي).
" انا كذبة تقول الحقيقة " ! كما
قال الشاعر السيريالي ( لو تريامون) مادام ماء الواقع تكذب الغطاس. دعهم في كل واد يهيمون، لكنهم انتجوا وابدعوا لنا بالمقابل ملاحم إنسانية خالدةا. شكل بها
معجزة عصرهم لا تزال الأجيال الإنسانية تكتشف يوما بعد يوم ، وكلما علمت شيئ غابت
عنها أشياء!
الكذب المحبك الحدث صدقا فنيا. و البطل الذي يجري
عليه المؤلف كل انواع التجارب المؤلمة في غرف التعذيب الخاصة به ، ووضعه على سرير بروكست
يعتبر عدالة شعرية ،وعندما يدخل القارئ في غيبوبة مؤقتة و في حالة تخذير و هو يقرأ
و ينسى الزمان و المكان يسمى أدب الهروب !.
الكذب...الهروب... كلها صفات من الواقع نقلها
الادب إلى اللاواقع تسر و تمتع و تهز و تعلم القارئ إلى حين .