فتحى عبدالسميع
. وَلدٌ على ظهر عقرب
نَهدمُ بيتَنَا القديمَ
في الأيدي معاوِلُ
وفي السيقانِ خوفٌ
مِن عقربٍ مذعورٍ
لا بدَّ مِن لدغةِ
الوداعِ
تلك عادةُ البيوتِ
القديمةِ
وهي تَختفي.
{}
مَهْمَا عَبَرْتْنَا
السنواتُ
ثَمَّةَ أشياءُ صغيرةٌ
لا يَكبُرُ المرءُ عليها.
أهدِمُ الجدرانَ
وعيني على دَجاجاتِ
أُمِّي
أحِبُّ تِيجانَها
الورديةَ
وحَلْوقَها التي ترقصُ
باستمرارٍ.
تَمنحُني الطمأنينةَ
وهي تَحجِلُ هنا وهناك.
{}
تَرَكَني الخوفُ مِن
العفاريتِ
ولم يَتركْني الخوفُ مِن
الشقوقِ
ثَمَّةَ دبَّة تَخرجُ
مِنها
وقبْلَ أن نَسمعَها جيدا
تُلقِي جمرتَها في
العروقِ وتَختفي
ما زلتُ أسمَعُ رُقيةَ
الرِّفَاعي
ما زلتُ أسمَعُ شفرتَه
وهي تُشرِّطُ لحْمِي
لتَطرُدَ دَمًا صار
زِنجيَا
بلمسةٍ واحدةٍ .
{}
حَظِّي أفضلُ مِن حَظ
شقيقي
كان رَضيعًا
صراخُه لا يُميِّزُ بين
نكشةِ الدجاجةِ
ولمسةِ العقربِ
أَرفَعُ المِعولَ عاليا
وأنتظِرُ عقربا
حَملَ شقيقي فوقَ ظهْرِه
وانطلقَ إلى الجبانة.
{}
منذُ اصطادَ أبي واحدةً
لم تَعُدْ تُخرِّبُ في
نُعاسِي
لم أعُدْ أستيقِظُ على
وقْع أرْجُلِها
وهيَ تهروِلُ في كرتونةٍ
خَفِيِّة.
فَصَلَ شوكتَها عن ذيلِها
وتَرَكَها تجولُ على
وجهِه ورأسِه
مَدَّ يدَه
كَمَا لو كان يَدعوني
للعومِ
فَجفلتُ وخِفتُ لسعةَ
الماءِ .
وَضَعَها في علبةِ كبريتٍ
وأهْدَاهَا لي
حملتُها بشجاعةٍ
وجمعتُ الأولادَ حولي
لكنني لم أجرؤْ أبَدا
على فتحِ الهديةِ
ثَمَّةَ أشياءُ صغيرةٌ
لا نَعرِفُ كيف نَكبُرُ
عليها
مَهْمَا رَصَصْنَا تحت
أقدامِنا السنواتِ.
{}
رأيتُ الدجاجةَ
وهي ترقصُ رقصةَ العقربِ
.
نقرةٌ خاطِفةٌ في
الظَّهْرِ المصفَّحِ
ويَبتعِدُ المنقارُ سريعا
يرتفِعُ الزُّبَّان
ولا يَجِدُ حوصلةً
يَلسَعُها
تَحجِلُ الدجاجةُ
حَجلتَيْنِ
ويُغيِّرُ العقربُ
اتجاهَه
ينادي شقا في حائطٍ
فتجاوبه نقرةٌ أخرى في
الظَّهْرِ
كلَّمَا ظَهَرَ مَنفذٌ
هبطتْ صخرةٌ مِن ظِلِّ
دجاجةِ
وتَصدَّرتْ أمامَ الفوهةِ
.
رأيتُ العقربَ هامِدا
وفي ظَهْرِه حفرةٌ صغيرةٌ
تكفي لدفنِ عقربٍ
في عمْرِ شقيقي .
{}
أَهدِمُ بيتَنَا القديمَ
وعيْنِي على مسمارٍ طويلٍ
نغرِسُه في جوفِ الشيشةِ
كي تَتَنَفَّسَ بارتياحٍ
سوف أغرِسًه اليومَ في
ظَهْرِ عقربٍ
كي أتنفسَ بارتياحٍ
ويَفرحَ طفلٌ في تُربتِه.
أَتَطلَّعُ بشماتةٍ إلى
الزُّبَّانِ
وهو ينقُرُ الحديدَ
يُعجِبُني السُّمُّ الذي
يَضيعُ
أرفَعُ المِسمارَ عاليا
مبتَسِمًا لأرْجُلِ
العقربِ
وهي تَخمشُ الهواءَ
سأُفَرِّجُ الناسَ عليهِ
قبْلَ أنْ أُبَلِّلَه
بالكيروسين
وأُشعِلَ النارَ.
{}
البيوتُ القديمةُ
حتى وهي تَسقُطُ
لا تُفرِّطُ في عاداتِها
شماتتي رُدَّتْ إلىَّ
وضحكتْ جمرةٌ في عروقي
رأيتُ مِسمارَ الشيشةِ
وهو يَبتعِدُ
تاركا يدي تُمسِكُ
الترابَ
رأيتُ العقربَ وهو يَجري
ورأيتُ دجاجَ أُمِّي
يُفسِحُ الطريقَ.
.
فتحي عبدالسميع
مصر