جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك

 

 مصطفى الحاج حسين

/// مصطفى الحاج حسين .

                         قصة : الانزلاق  ..

        


  ما إن وصلت الحافلة ، حتّى تدفقت جموع الركاب للصعود من كلا البابين ، ثمّة عدد من الفتيان الأشقياء ، تسلٌقوا أطرافها وتسلّلوا من نوافذها .

   اتخدت مكاني في المنتصف ، وقد أمسكت يسراي الكرسي

 المشغول بامرأة ورجلين ، و كانت يمنايّ تحمل كتاباً وجريدة

 بالقرب منّي كانت تقف فتاة شقراء ،تشبه الشّقراوات اللواتي يظهرن في أحلامي بكثرة .

     مذهلة القوام ، لم أتبيّن ملامح وجهها بسبب وقفتها الجانبية ، تمنيت أن أرى عينيها ، فتاة مثلها ذات شعر أشقر مسدل ، لابدّ أن تكون صاحبة أجمل عينين .. توقفت الحافلة عدّة مرات ، وفي كلّ مرّة كان عددالركاب يتزايد ، ورائحة الحموضة تشتد وتتزاحم الأنفاس والأجساد ، حتى وصلتُ إلى ظهر تلك الفتاة ، وبات جسدي ملتصقاً بها ، وخصلات شعرها أخذت تحطّ على وجهي ، كلّما استطاعت نفحة هواء أن تصل إليه .

         خطر لي أن أبتعد عنها ، فقد تسرّبت إلى نفسي رائحة الأنوثة ، التي حرمت منها ، تلفّت حولي لعلّي أجد مكاناً أوسع لي ، ولكن إلى أين ؟.. وهذه الوقفة المريحة، وهذا الجسد اللدن يدعوانك للاقتراب أكثر .

   الحافلة تهتز وتفرمل وتمشي ، وعلى هذه الأنغام ، كنتُ

 أنعمُ بالالتصاق خلف تلك السّاحرة ، وأتلفّت حولي بين اللحظة والأخرى ، خوفاً من أن يكون قد أحسّ بحركاتي أحد الركاب .

وفكرت :

– لماذا لا أتخذ موضعاً أكثر اثارة ، ولن يلحظني أحد ؟!..

     وهي لن تمانع .. يبدو أنها معتادة على مثل هذا الزّحام ، لكن هاجساً بداخلي أجابني :

– ماذا تقول ياأستاذ ؟! .. أتعود مراهقاً من جديد ، ألا تخجل !؟.

     لم أعثر حولي على مكان غير مكاني ، الازدحام يزداد

 .. والمسافة إلى محطة الوصول بعيدة ، و فاتنتي تقف ساكنة لا تلتفت ، كانت سارحة خلف الزجاج .

– لا تكن جباناً وأحمق ، لماذا لا تنعم بهذه اللحظات الدافئة

 !!.. ليت الطريق يطول أكثر ، وليت هذه الغادة الشقراء لا تنزل أبداً ..طوال عمرك وأنت تحلم بالشقراوات ، والحياة تضنّ عليكَ بامرأة ، مجرد امرأة ، فكيف شقراء ؟!.. إذاً اغتنم هذه اللحظات شدّ عليها ، اجذبها إليك ، ولا تدعها تفلت .

         أمامك سنوات ستقضيها وحيداً دون امرأة تشاركك فراشك .. تزوّد بالدفء الآن ، بالأنوثة .. بنعومة الشعر .. بنضارة العنق الذي تكاد شفتاك تنقضان عليه .. تزود بلمسة ، فأمامك ليل طويل ، بمكنك عندها ، أن تتذكر هذه اللمسات ، وتستحضر هذه الناعمة ، وتبدأ بممارسة عادتك الجهنّمية ، وحيداً ستكون ، تتلوّى في فراشك ، تزأر عروقك بالشّهوة ، تستعر أنفاسك ، ونبض قلبك محترقاً .. خذ لمسة من عجيزتها .. لمسة واحدة … تكفيك طوال العمر .

     أمر زواجك مستحيل ، ربما بعد خمس سنوات ..وأنت

 تشارف على الأربعين ، تستطيع أن تفكر .. أنت فقير وراتبك تتلقفه أمك وشقيقاتك ، منذ أول الشهر ..لولا فقرك هذا لما وافقت أمك على طلب يد ” فطوم ” ابنة أخيها .. آهٍ فطوم .. سمراء بلون الصدأ ، قصيرة مثل برميل ، وعيناها ثقبان بجفون مبطّنة ، وشعرها كأسلاك شائكة ، فمها واسع التكشيرة ، وأنفها ضخم مكتنز .

قلتَ حينها في نفسك :

– فطوم .. أفضل من لا امرأة ، والنساء على أية حال متساويات فوق السّرير في الظّلام ، وهكذا ذهبت مع أمك وأخواتك العوانس الخمس ، لطلب يد ” فطوم ” …وكم كانت المفاجأة قاسية عليك ، إذ طلب خالك منكم ، أن يكون سكنك وحدك ، بعيداً عن أمك وشقيقاتك العوانس ، وعليك أن تدفع مئة ألف ليرة للمقدم ، ومثلها للمؤخر ، عدا ثمن الذهب خمسين ألف ليرة .. إذا كنت فعلاً راغباً بفطوم .

      انعم إذاً بهذه الشقراء .. اقترب أكثر .. التصق ،حرّك فخذيك قليلاً ، وتحسّس بيدك عجيزتها المكتنزة ، تحسّس ولا تخف ، فالكتاب والجريدة كفيلان بالتمويه .. اقترب واياك أن تحدثني عن الأخلاق ، أما يكفيك أنّك كلٌ يوم لا يتوقف لسانك عن ذكر الأخلاق الحميدة والفاضلة أمام طلابك؟ ماذا جنيت من كلّ ذلك ؟ هل نفعتك ؟ .. كل ما تستطيع فعله هو أن تحترق ، أمام وسحر وجمال طالباتك .. إذا كنت تعدّ نفسك إنساناً مثقفاً وموضوعياً فعليك أن تعترف بأنك رجل مكبوت ، والجنس ضروري في حياة الإنسان ، فلماذا تمنع نفسك عن اللذة ؟ …

      بالأمس تهربت من الآذنة أم ” محمود ” بحجة أنها كبيرة ، وتعمل آذنة في الثانوية ،إذاً ماذا تفعل وقد ثبت فشلك مع زميلاتك المدرسات ، عجزت عن اقامة أي علاقة باحداهن ، والسبب هو أخلاقك الفاضلة … إنك لا تعرف الخداع ، كلما تعرفت إلى واحدة صارحتها بحقيقة وضعك المادي .. وتهرب منك .

في هذه اللحظة وجدتني ضعيفاً مستسلماً لشهوتي الحقيرة

  وها أنا أمدّ يدي الراعشة ، لتتحسّس ما تصبو إليه ، وبسرعة غير متوقعة ، التفتت فاتنتي إلى الخلف ، والصرخة ملء فيها .. وياللهول !! .. كم كانت المفاجأة عنيفة وقاسية ، كظمت صرختها والدهشة المتجمدة على قسمات وجهها وعينيها الجزعتين :

– لا .. لا هذا ليس معقولاً .. شيء لا يصدق ، مستحيل ..

لا يعقل أن تكون هذه الشقراء إحدى طالباتي ، في الصف الحادي عشر ؟!.

       رباه لا بدّ أني في حلم .. هذه الشقراء أعرفها جيداً ، إنها ” نوران ” أكثر الطالبات اجتهاداً ، تعتني دوماً بجمالها الآخاذ وذكاؤها عال وبديهتها سريعة ، أعرف أنها تكن لي فائق الاحترام ، وهي تحبّ مادة الفلسفة .. ومرّة سألتني :

– لماذا ياأستاذ يكون مدرسوا الفلسفة إنسانيّن وطيّبين كثيراً ؟ .

   في تلك اللحظة سررت كثيراً من سؤالها ، اعتبرت

كلاًمها مغازلة غير مباشرة ، ألستُ أحد مدرسي الفلسفة ؟ ..

 إنها تقصدني إذاً ، تمنيتُ أن أتقدم وأطلب يدها ..لكنّ فقري سرعان ما قفز ومزّق فارق السّن الأحلام .

    في احدى المرات أخبرتني بأنّها تتمنّى أن تختص في الفلسفة ، فهي معجبة بسقراط الحكيم وبحكمته ولكنها كانت تفكر بالطريقة التي تقنع أهلها ، ففرع الفلسفة غير موجود في جامعة حلب ، عليها أن تذهب إلى جامعة دمشق ، وهذا ماسوف يمانعه والدها .

عندما التفتت ، كان ذلك الشعور الذي ارتكبني أكبر من الخجل

  إنه شعور بالعار والاثم والفضيحة ، شعور جعلني أنكر ذاتي ، لقد سقط القناع عنّي أخيراً واكتشفت مدى ما آلت إليه قدرات الشهوانية عندي ، إنّي بكل بساطة أنقسم إلى إثنين : مدرس فلسفة يتشبث بالأخلاق والفضيلة ،وحيوان شهواني عبد وضيع لشهواتي . تمنيت لو تنشق أرضية الحافلة فأسقط وأضيع .. أموت .. لعلي أنتهي وتنتهي ” نوران” أيضاً .

    ابتعدت عنها ، تراجعت عن نظرة الاشمئزاز ، التي قذفتني

 بها ، اندفعت بقوة نحو الباب،أخذت طريقي بصعوبة بالغة

 ، ومن شدّة توتري وشعوري بالخزي ، دهست قدم طفلة تمسك بأذيال أمها ، التي تحمل رضيعها ، فانبعث صراخ الطفلة فاغرة ببكاء حاد ، تابعت انهزامي غير عابئ بالنظرات الشذراء.. وقفزت عند أول موقف .

  غداً كيف سأواجهها في الصّف ؟ .. لابدّ أنها ستبلغ عني

زميلاتها الطالبات .. وسيتبرّعن بدورهنّ لنشر الخبر ، وربما

 تسّربت الفضيحة إلى بقية الثانيات الموزعة ساعاتي فيها . ثمّ ماذا لو ذهبت ” نوران ” وأخبرت والدها ؟ .. حتماً سأجده غداً بانتظاري عند المدير ،  الذي يعتبرني أفضل المدرسين عنده ، ياللفضيحة .. سيخبر المدرسين والمدرسات ، بما

اقترفته.

 سرت في الطريق ساهماً ، قلبي بنزف ألماً وخجلاً ، ودمعتي تكاد تقفز من عيوني ، كان عليّ أن أعرفها منذ النظرة الأولى ، فهي من أحبّ الطالبات إلى قلبي ، فكم من مرة حلمت بها ، وعرّيتها من ” بدلة الفتوة ” . كيف لم أعرفها !؟ .. ألأنها كانت ترتدي كنزة صفراء وبنطال الجنز !! .. أم لأني لم أر وجهها

؟؟ .. كان غباء منّي .. ولكن ما حصل قد حصل .

     عليّ أن أطلب نقلي من الثانوية منذ الغد ، وإذا وجدت

الخبر منتشراً في الثانويات ، سأطلب نقلي إلى الريف ، أو ربما قدمت استقالتي .

    وعندما عدّت إلى منزلي متأخراً .. كانت المفاجأة تنتظرني

  نعم لقد وافق خالي أن يزوجني ” فطوم ” مقابل أن أسجّل لها نصف دارنا .. وسيكتب المقدّم عليّ مئة ألف غير مقبوضة ، ومثلها للمؤخر .

وما كان بمقدوري إلّا أن أوافق .. فأنا فقير ومسؤول عن أسرة

 وليس من حقي أن أحلم بفتاة شقراء ، يجب أن أتخلى عن الرومانسية ، فالفقر والجمال عدوان لا يجتمعان … سأتزوج من ” فطوم ” .. وعندها أنام معها سأطفئ النور ، وفي الظلام كل شيء متساو ومتشابه ، فالظلام نعمة يجب أن نحافظ عليه .

                         مصطفى الحاج حسين .

                                   حلب ..


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *