العقيد بن دحو
زوجتي ومدينة وهران
لست أدري
كلما ذكرت مدينة وهران في حضرة زوجتي ، إلا وجدتها تحمر ، و تكظم غيظا دفينة عميق
الجذور ، سرعان ما يطفو خجلا من قمة راسها إلى اخمص قدميها. سرعان ما تشط بالحديث
إلى هامش آخر ؛ إذا كان الحوار كلامات، وبالصمت إلى صمت آخر إذا كان الحوار صمتا.
.و البقية صمت ايضا كما قال الكاتب الرومانسي تشكسبير على لسان بطله هاملت.
ان هذه
الهاملتية الحالة التي كلما جلست وزوجتي تدخلني عوالم متداخلة مريبة ، بعضها
افهمها و بعضها حتما و مجبر لا بطل على تفهمها.
صرت أخجل و
تكاد شفتني لا تنطق مدينة وهران الا عند الضرورة ، أخشى أن يلتفت الي من هم حولي
سرا وعلنية، و معظم من عاش معي او يعرفني يدرك حتما اني يوما عدت إلى الصحراء بعد
سنين دراسة دون قلب او كما كتب الي أديب جزائري كبير - " ليتك العقيد كنت دون
قلب " !-
وهران جرح في
خاصرتي و عقدتي المخملية، تكاد اللا
تفارقني... تعودني بالكثير من الارق و انا اتذكرها شارعا شارعا و حيا حيا ، و مقهى
مقهى ، و قاعة سينما بقاعة سينما .... .
ذات يوم سألت
صديقي عن أحوال مدينة وهران ؛ عن سوق " قرفيطة" فقال لي السوق احترق و
لم يبق الا الأثر. فقلت له: أخشى ان اكون قد حملته معي في مخي و انا أغادر مدينة
وهران الباهية. !
تماما كما
نقل الفنان بيكاسو خزانة صديقه في لوحته الفنية
لما زار بيته و لم يجدها باليوم الموالي للزيارة.
لا زلت أتفهم
و لا أتفهم في أمر زوجتي التي لا تريد أن تسمع بنطق اسم المدينة.
ايعقل توجد
نساء تغار من مدن؟!
لكن : أمر
على ديار ليلى *** و ما شغفنني ولكن من
سكن الديار.
لا يمكن
نسيان من ضحى و افنى عمره عليك و في لحظة ما كان الفاصل فعلا ومواسم وداع أشد
مرارة واشد قتامة عائد أعمى الصحراء يلتمس له طريقا بعد ان ظل الطريق !.
كنت احسب كل
رطوبة جو او تساقطات مطرية ظلت طريقها ببيداء تساوي ارضها بسمائها احسبها الكورنيش
مدينة وهران.
صحيح لم أعد
اسمع اغانيها الوهرانية العريقة ، لم أعد اسمع الفاظها الخفيفة التي تهب على الروح
بهجة الحياة : شتاوالة....شتا كاين...شابة...عبد القا... وأشياء اخرى.... غير اني
لستمعها عبر هواتف غربية اخرى.
كانوا
أصدقائي مجانين شوارع ؛ يشبهونني و انا اشبههم إلى حد بعيد ، كان لباس واحد
يكفينا...اكل واحد يكفينا...شرب واحد يكفينا...لسان واحد يكفينا وكلام واحد
يكفينا.. وحب واحد يكفينا!.
جميع مدن
الجزائر جميلة غير ان وهران ليست مدينة و فقط ، و هران ساحر تميمية و تعويذة لعاشق حتى لا ينس عشيقته محبوبه حتى ان كان من جانب
واحد.
وهران قلب
كبير ، مستودع مكنون لا تدخلها الا اذا أودعت قلبك في هذا القلب الكبير وطن حلول.
كيف لي ان
استرد قلبي و اجعله يعود إلى هذا النبض النازف.
وكيف استرد
مهجتي أمام زو جتي و أقوى على رد كل
تساؤلاتها المجمدة في حدقيها في وجنتيها المحمرتين في ثغرها العنقودي الذي لم يبوح
بعد ببلح الكلم و بسمت صمت البلسم !
وهران حبيبتي
حب مراهقتي المتقدمة و مراهقتي المتاخرة و
الازلي معا.