العقيد بن دحو
المربي من ربي
انما الامم الاخلاق ما بقيت *** فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا .
هكذا قال الشاعر ، و هكذا سيظل الناس يقولون في مجرى الزمن بالأمس و اليوم
و غدا عن شاب نشأ وترعرع بالسليقة و وفق سذاجة البداية بريئة لك يظلم فيها أحد
قائمة على التوازن.ولد على فطرة الأخلاق و الأدب. جميل التشاة و التكوين محط إعجاب
الخليقة ، جميع من وقعت عيناه الا اعجب به
و تمنى ان يكون ابنا له او أخا له او صديقا له.
التربية و السلوك الحسن الإنسان
الصالح محط اعجاب الناس اجمعين.
حتى قيل فيه الناس شعبويا : " المربي من ربي " !
اي كونهم يرون قي هذا الشاب الذي
نشأ وترعرع تربية دينية و اخلاقية ومدنية هذا لا يكون لنفسه فقط و لا للاقرب قربى
عائلية ، و انما للناس أجمعين. بل لكافة ساكنة العالم.
المربي من ربي. تشعر منذ البدء. الكلمة التي كانت في البدء او الكلمة التي
كانت في البداية ، الكلمة السياسية او الثقافية او الاجتماعية او الدينية هي نفسها
التي يقولها الله.
او كما قالت الاغريق : " صوت الشعب من صوت الاله " .
Veix populei ex veix dei
ان هذا الجميل جميل للناس أجمعين (الزين زين للناس اجمعين ) ، هو بداية
صناعة مشروع الانموذج او الامثولة الجمعي
، او قل القدوة للعديد من الالاف من اليافعين او صغار المراهقين او الشباب.
سواء وهم في سن الطفولة فترة الحلم ، او فترة الشباب فترة الشعر ، او فترة
الفكر الرجولة ؛ او فكرة النقد و الفلسفة الكهولة.
فترة الحلم هذه مهمة في بناء شخصية الشاب الاخلاقية و الخلاقة معا. الفترة
التي تكون مبعثا على الشغف و على الفضول و على محبة الاطلاع و الاستكشاف .
فلا تحسبن العلم ينفع وحده *** ما لم يتوج ربه بخلاق.
وتبقى الاخلاق وحدها غير كافية دون ناصية العلم و المعرفة و بداية البحث .
الكلمة الشعبية التي ترددها الالسن الشعبية شبيهة بالتاريخ كما يقول
(مالرو) اي : " لبناء حضارة يلزمنا تاريخ و الشبيه للتاريخ " .
فالسلوكات التي ينمو عليها الشاب كابرا عن كابر ، بل هي صناعة؛ صناعة انسان
خلاق صانع للثروة ، و صانع للفكرة؛ و صانع للثقافة و الحضارة بشقيها المادي و
المعنوي ، بل صانع الازدهار و الامل / شبيهة للتاريخ.
ان المخيال الشعبي لا ينطق عن الهوى بل عن مراس و تجربة و تراكم لغوي و
فكري.
منذ " هوميروس" و " هزيوذ " و رغم أن الفكر و الفلسفة
و مختلف التصورات الذهنية التي كانت تبنى بالتراكم لم يك يقتصروها على فئة معينة اونتلجونسيا تعيش في
برجها العاجي ، انما كانوا دائما يريدونها ان تنتقل إلى الدوائر الشعبية ، مشكلة
قربى ثقافية او مصلى اجتماعي ثقافي حضاري.
حتى سمي يومها الأثر الكلاسيكي و لا سيما الدرامي الارسطي بشقيه الماسوي
النراجيدي و الملهاتي الكوميدي بالمدرسة او بالمذهب الأخلاقي.
صحيح كان يعتمد على الوحدات الثلاث ( في يوم واحد و في مكان واحد يتم فعل
واحد ) . إلا انه كان تطهيريا تكفيريا، اي التكفير و التطهير من ادران انفعالات
النفس.
لكن مع التطور الثقافي و الحضاري للامم و الشعوب انتقل هذا المبدأ إلى
مبداي التفكير و التغيير و مشاركة الانسان مركز ثقل و محور كل نماء حضاري.
بمعنى لم تعد الالسن تلوك الشعار " المربي من ربي " شعبويا و لا
سياسويا و لا فلكلوريا بافلوفيا ، قصد ( الاستهلاك) الاسري او المحلي ، و انما من
اجل موقف ما . موقفه من النهر مثلا ان ينظم مجرى النهر ، وموقفه من شجرة الفاكهة
ان يقلم شجرة الفاكهة ، وموقفه من الحركة المتصلة ان يبني العربات و يصنع الطائرات
، و موقفه من المجتمع ان يغير هذا المجتمع من جذوره.
المربي من ربي ، ليست كلمة من أدب هروب شعبي ام شعبوي ، رسمي أكاديمي ام
غيره. ليست كلمة تخديرية تبجيلية و نفخ اوداج ، كيما يخدر من يسمعها ليخفف عن نفسه لبعض يوم ، بعيدا عن ثقل و حجم
ضنك الحياة. أين صارت كلمة تربية ( قديمة ) بكل ما تعني الكلمة لغة و اصطلاحا و
فقه لغة ( فيلولوجي) ان بقي لها ذلك.... !.
في عالم تقني رقمي رهيب محمولا على
شاشة هاتف محمول ؛ بدوره ديجيتالي .
المربي من ربي لم تعد كلمة عابرة و فقط يسلي بها الشاعر نفسه زمن العبور او
فاصل الحياة ، انما صارت مقرونة بفلسفة الحياة ذاتها : فكرة الحياة ، صيرورة
الحياة ، و إرادة الحياة .
كلمة صارت متعلقة بالحالة الابداعية لهذا الحالم الشاعر المفكر الفاعل
بالتربية.
هكذا تكون متعلقة و مقرونة بالابداع ، و ليس الإكتفاء بطرب اغنية الكلمة و
بعدها تترك الحياة على ستاتيكيتها و نقول هذا الشعب متخلق بمعنى " مربي
" !.
صحيح " المربي من ربي " ؛ لكن ايضا كما يقول المثل الشعبي ايضا
" شوية من ربي و شوية من رطوبة اليدين " !.