" الأكذوبة
الروائية" حيث اعذب الشعر اكذبه
العقيد بن دحو
انا
كذبة تقول الحقيقة " / ( جان كوكتو 1889 - 1963)
إذا كانت
الفنون عامة الزمكانية محاكاة لافعال نبيلة عند (ارسطو) فهي عند "جون
الوي" بمثابة الاتفاق على(الكذب) !.
اي عندما
يتفق ( المخرج) مع ( المشاهد) ، و عندما يتفق ( الكاتب) مع ( الجمهور) ان ما يجري
أمامه من أحداث هو عين الصواب ، و لكن الحقيقة هو اتفاق ضمني غير معلن بين الطرفين
معا ، و كان لا بد من مخادع لنفسهما اولا ليوم نجاح العمل الفني. و من غرائب الصدف
ان من وراء هذا الكذب اللالون او بمختلف ألوان الطيف ياتي ما يسمى بالصدق
الفني.تناقض من الوريد إلى الوريد ، و تثنية الفعل الدرامي و نقيضه هذا الذي يحدث
في سائر الفنون الزمانية و المكانية منها.
لا أحد من
النقاد و الباحثين و الأدباء و المهتمين بشأن الرواية على اعتبارها فن حديث ، انها
اقتاتت من سائر الفنون التي كانت قبلها ، و من الصحافة و التاريخ و الفلسفة و علم
النفس و علم الاجتماع.
لكنها مع الشعر
علاقة المحب بمحبه، حتى كادت الرواية ان تذوب في الشعر غراما وعشقا و تصير (شعرا)
لهذا يقول (بول فاليري) : " هناك انصابا تتكلم وهناك انصابا تغني
" .
بمعنى :
الرواية هي شعر يقرأ كما ان الرواية المنظومة هي شعر يغنى.
وبقدر ما
يقال ما هذا الغناء!؟ قد يقال ما هذا المؤثر ! ؟
الشاعر في
رأي(ميشيل بوتور) يستعمل الكلمات ويرتبها ترتيبا خاصا و يعطيها معنى جديدا ، و ضياء جديدا ، وحين
ينظمها بطريقة بديعة يستطيع ان يعبر بواسطتها عما كانت اللغة المشتركة عاجزة عن
التعبير عنه. وتصرف الشاعر على هذا النحو لا بالكلمات و حسب بل بالجمل، ذلك نوعا
من الإيقاع في تعالي الجمل يؤثر فينا في قصيدة( فصل في الجحيم) لهوغر رامبو.
واذا ما اعطي
الاقاعات للجمل فحسب بل للمحاورات ، و للحوادث ، و للمشهد للرواية و للسلسلة
البسيطة للاحداث فالروائي يؤلف نوع من السيمفونية.
ووفق هذا
يكون الروائي صب نوعا من انواع الكذب الفني و حتى الاجتماعي في مسامع ورؤى القراء
بعد ان صارت لهم القابلية للاستهلاك الكذب !.
لذا لم يك
غروا و لا عجبا ان اعتبر المفكر و الفيلسوف ( جان جاك روسو) نظرية العقد الاجتماعي
اكبر اكذوبة عرفها التاريخ.
وبما ان
الرواية لا يمكن فصلها عن كل هذا و مظاهر المجتمع السياسية الاجتماعية الإقتصادية
الثقافية ، بما فيه من أمراض خلقية غضوية ؛
نفسية ذهنية تظل " الاكذوبة الرواية " عند " بروست" هو
محاوله البحث عن ايجاد الحقيقة وفق المنطق الرياضي " البرهان بالتراجع".
من خلال لون الانطباعات. بعد ان صار الفنان الروائي اخيرا فنانا ، و بعد ان كفت الرواية عن مجاراة التاريخ ، و
صارت تقتات مما يقتات منها الشاعر و الرسام و النحاث ، وفق الانطباعات المعاشة او
وقائع الشعور ،كما هو في علم النفس.
ان الفن هنا
ليجد مادة اخرى أكثر كذبا، كان الشعر قد استنفذها فيما سبق : شعور الكائن الحي
نفسه. و بينما كان السرد يبلغ الشعور و الاكليل الشعري من خلال الاحداث . فإن
بروست لا يريد أن يجمع الاحداث الا من خلال الشعور. فهو لا يريد أن يضيف إلى
مغامرة ما صحة العواطف كما هو عند بلزاك . ينطلق من هذه العواطف حتى قبل أن تصبح
عواطف ، كيما يخلق الحكاية و المغامرة.
انها إعادة
الحقيقة الاولى للانطباع. ذلك بأننا لا يابه أحد للانطباعاتنا : قد يتعجل المرء في
هذه الحالة يتعجل في التاويل ، لكي يشرح لنفسه
وللآخرين و تلك بدافع ما اصطلح
عليه لغة و فيلولوجيا بالاكذوبة الروائية.
لابد من
العمل على نقيض كل هذا من اجل الوصول إلى الحقيقة الاولى ، خلف التفسيرات ، و إلى ما يشعر به في حقيقته الاصيلة، و
المطلقة. فن صعب ان يقود الإنسان في تعلم كيف يحس احساسا كاملا. في هذه الحالة لا
بد من الأحتيال على الفكر وخداعه و العودة إلى الحدس الاولي.
ان القضية
تتعلق بكتاب يحلم، وبمادة وأية في حالتها
الصافية . لقد
انفجرت
العقدة واختفى التحليل النفسي و لم يبق الا العنصر " المؤثر" ؛ هو
العنصر " الغنائي" في الشعر وهو جوهر الرواية. فأين حقيقة الرواية وقتئذ
!؟
اما الشاعر
الخاص الناقد المخرج السينمائي و المسرحي ( كوكتو) استخدم الاحتيال "
الفني" . احتال على أبطال و انصاف الآلهة و الآلهة بالمرة كاورفيوس ، كاوديب
ملكا ، و بيجماليون ، و جلعاد . وهم أبطال
عمالقة بالنسبة إلينا، لذا كان لا بد أن يصغروا بواسطة الكوميديا و الاحاجي . وإذ
هو يقول في احدى قصائده: " انا كذبة تقول الحقيقة " .
وقد يكون
الفن هو هذا النوع من الكذب الذي يقول الحقيقة . و ( مونتين) في كلامه عن وسائل الزينة التي تلجا لليها المرأة
كقناع ، كما يسميه ، يبين ان التمويه هنا أمر ممدوح ،ويقول اننا نبلغ الحقيقة عبر
باب مزيف .
هذا الكذب
المزيف المتفق عليه ؛ هو من يوصل الفن الحديث إلى ما يسمى بالصدق الفني عند كوكتو
و عند غيره من الشعراء و الروائيبن ، الذين لا ينقلون الحياة كما هي بذاتها و انما
وفق عامل المؤثر.
الجمع بين
النقد السيكولوجي و النقد الاجتماعي ، وهو
يصف الحيوان مع قوقعته و يفسر الإنسان ببيئته و ابداع مصير له مصير اخر ، ينتهك
ابضمير بل عدة ضمائر في عوالم متداخلة يتقل اليها القارئ لبعض الوقت او كل الوقت.