لماذا ينفى، يسجن ، و يقتل الكاتب الاديب الفنان
العقيد بن ددحو
لا يذهب ذهنك بعيدا و تفكر ما كنت افكر فيه سابقا - لأسباب سياسية - تعددت
الأسباب و الأبعاد؛ النفي، التشرد ، التهميش ، و حتى السجن و الاغتيال ( التصفية
الجسدية و النفسية و الذهنية واحدة !..
لا يذهب عقلك بعيدا - شطا وعطا و مطا -
فيما ذهبت اليه سالفا ، قبل ان اتغلغل بالعمق و ادرس و ابحث في جل القضايا
التي يتركها الأثر الأدبي، سواء قبل و أثناء و بعد الكتابة منا قبل التاريخ الى
يومنا هذا .
ربما اكون معك ، عندما يكون السبب خارجيا ، انما الجاني في هذه الحالة
استخدم كوسيلة و ليست كغاية في حد ذاتها ، انما النص داخليا و حسب علم الاجتماع
الأدبي، سوسيولوجية الأدب من دورات كايم إلى العلامة بن خلدون الى روبيرا اسكاربيب
. رغم الخطيئة بشرية - الخطأ أصيل بالذات البشرية يمكن التقليل منه لكن لا يمكن
القضاء عليه - الا ما خفي داخل النص ذاته
الأدبي او الفني او الفكري اعظم!
فلا يمكن باي سبب من الاسباب استثناء او تبرئة ذمة ، او فصل الظاهرة الأدبية الفنية الفكرية عن
الظاهرة الإجتماعية، فالجريمة التي تحدث بالمجتمع الواقعي هي نفسها الجريمة التي
تحدث داخل ( الاثر) ( ...) !. بل نكون من المقصرين إذا نظرنا من بعد واحد إلى
منظور ما ، في حين كان بتطلب منا النظر وفق جهة نظر ثلاثية الأبعاد.
فالحوار الذي يجريه اي كاتب او اي اديب او اي فنان داخل ما ابدعه كان يجب
أن يوافق الحوار الذي يبتغيه مع جمهوره الخارجي ، او إلى من المفروض يتوجه اليه
الخطاب لحظا و لفظا واشارة . سواء كان مكتوبا او مسموعا او مرئيا او هم معا او حتى
رقميا.
صحيح ( اوديب) عند الكاتب الاغريقي " صوفوكليس" خلص المدينة
(اثينا) من وحش " الهولة او السفانكس او المونوتور " ، لكن بالمقابل نسي
ان يخلصنا جميعا من هول وحش جبار يسكنه هو ذاته ، او من قتل أباه وتزوج أمه، و
أنجب منها بنينا و بناتا هم اخوته و أبنائه في نفس الوقت !.
بمعنى : ان الكاتب و هو يكتب ، يبدع الكلمات و اللكمات معا و معها الرصاص و
الورد و الصلاة و العصيان ايضا ، يبدع الإنسان و الوحش ، يبدع الشاعر و سمكة القرش
كما هي في قصيدة شتاءات " لوتريامون" اناشيد (مالدورور) . فكرة التحول
هذه داخل النص ! سرعان ما تتقلب الكتابة الطفل البراءة إلى شرير ، فكرة الإنسان و
العالم الطبيعي ، انسان ما قبل التاريخ / ما قبل الميلاد. انسانا ملتصقا بذاكرته
الحيوانية، بالعهد الذي كان فيه يشارك الحيوان وجوده ، فهو بطل وثيق الصلة
بالحيوانية ، و بالتالي هو سادي ؛ يتلذذ بعذابات من يحيطون به ، بل يفكر و فق منطق
ابليس ، اي التفكير وفق قوة اسلحته
التدميرية ، عندما تسود و تتغلب مصلحة الدول الكبرى فوق اي علاقة بين الافراد او
الجماعات او الدول ، الميكيافلية و الماكلوهانية بكل تجلياتها الموغلة بالليبرالية
المتوحشة.
من كاتب سواء كان يعلم او من عدمها، بجد نفسه مشدودا بين قوتين، قوة الله و
قوة ابليس ، الشر و الخير ؛ و بين المادي و الروحي ، و بين وحيد القرن و الأسد، و
بين مالدورور و سمكة القرش ، تثنية الفعل الدرامي و نقيضه بين ( اوديب ملكا ) يسعى
ان يكون المخلص الشفيع الحارس الحريص الوريث البطل ؛ و بين ان يكون المجرم.
تثنية الفعل الدرامي و نقيضه ، ثنائية الإنسان و ثنائية الفنان معا داخل
النص الواحد او الأثر الفني بصفة عامة
يوعز (بودلير) ثلاثة نماذج و صاحب الأثر يثار لنفسه بنفسه ، كما يربطها
بفعل معين عنيف . فينسب إلى الكاهن "
فعل المعرفة" ، والى المحارب " فعل القتل" ، والى الشاعر "
فعل الخلق".
هذه الأدوار الثلاثة التي تجتمع في أي كاتب او أديب او فنان او مفكر مثقف
دور الكاهن او رجل الدين ، و المحارب او المقاتل ، ودور الشاعر.
او دور العارف ، و القاتل ، و الخالق تخلق
تكون اسطورة فنان .
فالبطل يهيمن على المشهد كما يهيمن الكاهن على طقس معقد : يتكهن به و يعرفه
و يبدو كانه يتحكم به . ثم يشارك شان المحارب
، في التدمير و القتل . هو كالشاعر
اخيرا يخلق من نفسه شكلا جديدا باتحاده مع الوحش.
اذن ليسو الأدباء مهندسي الروح كما قال ( ستالين) فخسب ؛
انما هم حراس المعبد (...) ، هم
المحاربون القتلة، وهم الشعراء في نفس الوقت.
اذن أصابع الإتهام لا تتوجه دائما إلى أنظمة الحكم بالعالم الديكتاتورية
الاستبدادية ، و هذا منذ الحضارة الاغريقية و الرومانية إلى وزير الدعاية الغربية
النازية الالمانية الهتلرية الذي اطلق شعار : " كلما ذكر لي مقف اتحسس مسدسي
" و إلى يومنا... إلا أن القاتل الأول قبل إعلان النفي او السجن او الاغتيال
هو الوحش الذي ابدعه المبدع داخل النص ذاته او داخل الأثر الفني ، منذ ان كان شبلا
او وحشا صغيرا ، يتعهده بالرعاية و الحماية ؛
يغذيه من عرقه ودمه يوميا دون ان يدري
، و لما شب و اكتمل نموه و صار وحشا كاسرا ، تذكر الوحش بأن له ذاكرة
حيوانية مماقبل التاريخ طبيعية او خارقة للطبيعة ، و بالتالي ما كان عليه الا ان
ينقض على صاحبه، يدق عنقه.
لذا يوعز النقاد و الباحثين و الدارسين ان الكتابة : هي تمرين ادبي على
الكاتب الفنان ان يتدرب طيلة الوقت المرور عبر خيط رفيع ؛ قبل لن يسقط و يدق عنقه.
اما اليوم أعطيت لسائر الفنون و الآداب و الثقافات أدوار( استخباراتية)
عالمية مستترة ، مما تكنزه من معلومات و استعلامات لم تخطر على بال صاحبها او من
ابدعها اول مرة اطلاقا.
لذا كان دائما ( نابليون بونابرت) 1792 يقول : " جريدة واحدة تعادل
مئة حرب " .
اذن فتش عن ( النص) !؟
داخل كل أثر مجرم وحش كاسر يتربص بالمبدع ! من كان سبب وجوده !.
هذا لا يعني نبرر الأسباب الخارجية ؛ و لكن عموما هذه من تلك !. بما ان لا
يمكن فصل الظاهرة الأدبية الفنية الفكرية عن الظاهرة الإجتماعية.