أدب وثقافة الجهة...ماهو خطر على الجهة و الوطن
العقيد بن دحو
حتى
الثمانينيات كانت الجهات المنظمة
، سواء جمعيات او اتحاد كتاب او جهة وصية لآية
فعالية ادبية او فكرية ثقافية فنية تتم
باسم الوطنية و القومية ، اي باسم الدولة الجزائرية وطنا و حكومة و شعبا و نخبة يطلق عليها اصطلاحا باسم القربى او الجماعة
الثقافية.
اما اليوم و
مع إقرار دسترة الأمازيغية كلغة ثانية للغة الرسمية الجزائرية و كاضافة لا غبار
عليها . و " زيادة الخير خيرين " كما يقول اللسان الدارج الشعبي.
جميل التنوع
الأدبي الفني الفكري الثقافي الجزائري ، اثراء و ثراء للحقول المعرفية المادية و
المعنوية منها .
لكن ما تخفيه
هذه الاحتفالات و ما يستتر منها أعظم، تخفي لبوسات ولوغوسات جد خطيرة يجب ان تخضع
للتقييم و التقويم اولا ، و للمعالجة و
التغذية الراجعة ؛ أين تتأكد فيها معلومة او يصحح فيها خطأ ما و ما اكثر الاخطاء
المقصودة و غير المقصود منها. اذ الخطأ أصيل بالذات البشرية يمكن التقليل منه لكن
لا يمكن القضاء عليه .
حسب
سوسيولوجية الأدب من ( دور كايم) إلى( بن خلدون) إلى( روبيرا اسكاربيب) يرون ان
الحدث الأدبي الفني الثقافي ، سواء كان مكتوبا او مقروءا او مرئيا ، و سواء كان
لحظا او لفظا او اشارة ليس بريئا ، يدل على الخسارة اكثر منها على الكسب .
بمعنى ان هذا
( الحدث) (...) يترك عدة تاويلات نفسية اجتماعية سياسية اقتصادية و مشاكل
اخرى....!
ذاك ان طبيعة
الكتابة هكذا.... ليست خبرية كلها و ليست ابداعية كلها؛ انما استخباراتية منذ
الحرب العالمية الثانية ، بل منذ حروب نابليون بونابرت أين ازدرد الجيوش ، و اعتبر
جريدة واحدة بمئة حرب سنة 1782.
ذاك ان حتى
ولو كتبت من مكان ما و من زمان ما كلمة ( السلام او كلمة حب ) على سبيل المثال لا
الحصر ، تفهم على ان هذا المكان له مشكلة ما ؛ فإن كان الحدث ثقافيا كانت الخسارة
ثقافية ، و ان كان فنيا كانت الخسارة فنية ، و ان كانت اقتصاديا كانت الخسارة
اقتصاديا.
وكيف لا تخسر
الإنسانية و هي تشهد على نفسها المزيد من فقدان بريقها البشري ، و هي ترى ان
العلاقة لم تعد إنسانية إنسانية، و انما العلاقة بين الأشياء، أين اصبحت (
الاشياء) قضاء و قدر تلقي بظلالها على الناس ، و أين اصبح المنتوج يتحكم بالشخص
المنتج ، و أين أصبحت الجهة تتحكم في الوجه المرشد ، المعلم ، الرائي ، الفنان ،
الشاعر.
اخيرا صرنا
مغيبين اكثر مما كنا منتمين للحظة الواحدة للقلب الواحد للوطن الواحد....!
صرنا جهويين
تارة باسم اللغة ؛ و تارة باسم بالدين ، و تارة باسم العرق ، و تارة باسم التاريخ
، و تارة اخرى باسم العرق!.
ان هذا
التحية الخطير الجهة تحت اي اسم من المسميات ثقافية او اقتصادية او اجتماعية او
سياسية تنطوي على حدس مشين يخفي نوايا تتغذى كالاشاعات بالتراكم او الاضافات على
المديين القريب او البعيد. كما افرز لنا محافظين مسكين على الخطيئة لا هم بالطائر
و لا بالتعبير، سياسة النعامة دينهم، فان قيل لها طيري قالت انا بعير ، و ام قيل
لها احملي قالت انا طائر...!
ان اي توجه
تتجه اليه حاليا الثقافة او الفن او الأدب على اساس جهوي او عرقي او جغرافي او
تاريخي او لغوي معين سيصير مؤشرا عنصريا ، ينجر عنه المزيد من التفكك ، التفتت ،
التعمية ، الهروب من المجتمع ، و اللجوء إلى الخرافة و الاسطورة.
صحيح :
" بقدر ما تكون محليا بقدر ر ما تكون عالميا " او كما قال ( روجو).
ليست زيارة
سائح او سائحين او حتى مئة من الأجانب او هم مجموعة من المدعويين للضيوف الأجانب،
المعدين على رؤوس الأصابع تشير إلى أن المكون هذا - ان صح التعبير - صار هذا (
الكرنفال في دشرة ) او هذا ( التهريج) ، ( الضجيج) ، و ( العجيج) على حسب تعبير د.
طه حسين صار عالميا.
العالمية
ليست دعوة لحضور آثار بقايا القصور ، انما هي فكرة من الأفكار، و حينما تغيب
الفكرة الوطنية تحضر الجهوية و يبزغ صنم العنصرية النائمة ؛ المسكوت عنها و المعلن عنها بالطرف الاخر !.
شيئ خطير هذا
الذي يحدث اليوم باسم ادبنا و فنوننا و ثقافتنا ، تقسم المقسم و تجرب المجرب ، اين
كل جهة من الجهات الأربع للوطن تدعي عثورها على الصوفة الذهبية و خيط اريادني
الخرافية المخلص ، الشفيع ، الوريث من سائر امراضنا الثقافية....تكرم المكرم وتحرم
المحرم !.
خطير جدا هذا
الذي يحدث لادابنا و فنوننا و ثقافتنا باسم الجهة الجغرافية او الطبيعية او اللغوية.
صحيح نحن
ساكنة الصحراء و لنا الشرف آن أجدادنا و أبناءنا قاوموا الفكرة الاستعمارية
الاستدمارية ( الديغولية) الجهنمية الفاصلة و الفيصلة صحراء عن باقي الوطن.
ولما فشلت
الفكرة الاستعمارية في حينها يبدو النوستالجيا المرضية لا تزال تراوض بعض القلوب
المريضة ، و تراهم في كل واد و في كل ناد يعمهون و يعومون !.
" هو
دايه الواد وهو يقول ما حلاها عومة "!.
او كما يقول
المثل الشعبي.
نعم للفلكلور
و لكن لا نخلط بين الأساس و الاس ، بين القاعدة و قمة الهرم !.
الفن وظيفة و
الفلكلور يوظف !.
ما الذي يحدث
لفنوننا و الأدابنا و ثقافتنا باسم الجغرافيا او باسم الجهة !؟
اني اعرف
جيدا الإجابة بشرط اللا يسألني أحدا عما
هي ، و لكن إذا ما حاولت أن اجيب سوف يعتليني تلكؤ الكلمات و تلعثم العناصر ،
عندما ترى واحدا من أولئك (...) يفرش له السجاد الأحمر( الاوسكاري) ز كأننا في
هوليوود او التكريم ( النوبلي) و كأننا في النمسا
كالفارس المخلص يوسع له و يتقدم الصفوف ، و قتئذ ؛ ووقتئذ فقط يعم على
الساكنة سمت الصمت ، سمت القادرين و صمت على البلية و الماساة و المسخرة وجنون
التاريخ و العظمة المنفوخ فيها بسقط المتاع ، حين يعود التاريخ عبر بوابة ( الصحراء)
اليابسة هذه المرة مرتين : مرة في شكل
ماساة و مرة اخرى في شكل مسخرة !.
هذه هي الخيانة الابداعية العظمى بكل تجلياتها بالدم البارد ، عن طريق اللعبة
الإنسانية الفن و الأدب و الثقافة.
اذ يقول ( قس
بن ساعدة) :
" يا
بني
إذا وجدت
حربا خسيس المحتد يتحكم فيها بكريم المحتد ، و شجاعه يجبن و جابتها يجرؤ ، ففر
منها واناى إلى رابية و ترقب الاحداث فإن في الامر خيانة ".
ولا أرى
خيانة اعطم منها خيانة كالخيانة الفنية و الأدبية و الثقافية حين تسند باسم الجهة
إلى( كومبارس) يتهيا له " كل حشيشة خضرا " ! او كما يقول المثل الشعبي.
تمة لم يبق
أمام الفرسان الا ( الهروب) و ترقب الاحداث.......فإن في الامر خيانة !.
لكن ايماننا
عميق بالوطن و برجالاته المخلصين ، الذين يعرفون الأصيل من الدخيل ، و الكومبارس
من الفارس ، و لان الاوضاع كما هي فلن يتركوها كما هي !..ولن يتركوا هذه الماساة و
المسخرة تكمل مجرى النهر صعدا نحو الهاوية.
ان يتركوا
بغاث الطير تستنسر في كل ما يقع تحت أيديهم ومع ( الواقف) ! حتى اذا ما سقط غيره
بواقع آخر سيقف إلى بعد حين.