" اللعب" في الفن و الأدب و الفكر
العقيد بن دحو
لا أحد اليوم ينكر ان ( اللعب) ظاهرة صحية ، و اهميته بمكان و زمان في حياة
الامم و الشعوب ، الافراد و الجماعات ، اذ ؛ الإنسان وهو يلعب يقوم بتحفيز جميع
الجوانب و القدرات الجسدية و النفسية و الذهنية و يحرر الكوامن منها. بل لطالما ارتبط
اللعب بصحة الفرد و الجماعة و القدرة على حل المشكلات و العوائق عن طريق العقل
المعقود على لعبة ما بالزمكان .
يعتبر الفن عموما عند كبار فلاسفة و منظري الدراما و الملاحم الاغريقية :
لعبة فن المحاكاة - لعبة ليست كباقي اللعب
الساذجة التي تستخدم من بعض الوسائل و المجسمات تسلية و ترفيها عابرا للزخرف ،
اللون و الشكل - انما لعبة عميقة الجذور
كما هي عند افلاطون و ارسطو و سقراط و غيرهم.
من منا لم يقم يوما
سواء البنات و الأطفال اليافعين
بلعبة عروس و عروسة ، ابرياء كنا
لا يقاس علينا ، دون أن ينظر الناس
الينا للتبعات الاخرى (...)!. بينما أطفالا آخرين غير بعيدين عن اللعبة
الأولى يلعبون لعبة الشرطي و الحرامي ( اللص) ! و غير بعيد يلعبون لعب اخرى فيها
الكثير من الحركة ، بل العاب اخرى ذهنية تتطلب حلولا منطقية لوجستية.
بل كنا نطلق على ممثل المسرح او السينما باسم ( الللاعب) ! كان نقول الممثل الفلاني او العلاني يلعب دور
كذا... في فيلم كذا....!
كما يسرد على لسان الجزائريين الأثر الشهير : " اللاعب احميدة و
الرشام احميدة في دار احميدة " !.
كناية عن الحكم و الخصم واحد!.
ان ما يجري عند هؤلاء الأطفال او حتى الكبار هو ما يجري بالواقع مع بعص
التصرف ، بشكل لطيف خفيف يبعث عن السرور و البهجة ؛ من حيث الطفل ابا للرجل و
الطفل أبا للانسان كما اشار اليه العالم النفساني فريود ، او من حيث الأسلوب هو
المجتمع كما قال ( بوفون) .
الإبداع هو ايضا لعبة الله او كما
تقول الصوفية الأدبية، و المبدع طفل صغير يتخذ من كلماته ، و من ألوانه، و من
منحوثاته ، و من نوتاته الموسيقية ، و من تعبيره الجسدي الكوريجرافي و ايقاعات
ايثاراته الساحرة الأسرة لعبته المفضلة ، مواساة بين الخالق و المخلوق . او
كحوار بين الإنسان و الطبيعة او بين الحيوان و قوقعته .
كالاتصال و التواصل بين ما يمكن ادراكه و ما لا يمكن ادراكه .
يصنع من هذا كله معادلا كونيا يحسن
من هذا العالم ، و انسان مضافا إلى
الطبيعة . الغرض الأول و الاخير مقاربة إعادة التوازن بين الإنسان و البيئة متفهما
؛ متصالحا مع قوالب عصره ، ويشعر بالاخطار الايكولوجية اليوم التي تهدده في عيشه و
في وجوده.
اليوم و مع التقدم الثقافي و الحضاري للامم و الشعوب و الدول، لم تعد
اللعبة لهوا و لا ترفا...يبدو انه بدأ حياته هكذا....لكن مع التطور الثقافي صارت
حضارة و توعية و تعبئة و سلاح.
وكما صرنا نسمع عن قواعد اللعبة.... أوراق اللعبة.... صارت تمتاز بما يمتاز به طرح القيم في الاقتصاد و
السياسة و المجتمع و الثقافة ، و كذا اللعب المقرون بالصحة و المعالجة الفيزيائية
و الفيزيولوجية.....
صحيح اللعبة لم تعد بتلك المجسمات الثقيلة التي كانت تستهدف البنيات
الجسدية عموما ، انما صارت خفيفة إلكترونية ديجيتالية تستهدف الذكاء الاصطناعي
الذي صار يلعب من ذاكرة المستقبل ، بل صار شريكا و فاعلا في صناعة لعبه اي في
تقرير مصيره منذ اللحظة الأولى ؛ الفظة الأولى ؛ للمحة الأولى للاشياء ! التي دخل
فيها إلى مصطلحات و لغى الكومبيوتر و الهواتف المحمولة الذكية التي لا تعترف بضعيف
و لا تنتظر متأخرا عن ركب هذه الحضارة الرقمية التي لا ترحم أحدا لا الصغير و لا
الكبير ، الجميع صار ملزما بالابحار بالفضاء الازرق ، و بدلا من الهروب منه صارت
الخليقة تهرب اليه عن طريق لعبة بسيطة تقتصر لك المسافة و التفكير بالزاد و العتاد
إلى عالم ما بعد الواقع هروبا من وقائع واقع لعب دمى صنمية لا تفعل حواسها و لا
تشارك احدا في اللعبة (...).
وتكاد تقول مدرسة روائية ، قد رفض اللعب التقليدي في الرواية ؛ حيث لم يكن
يستطيع أن يدخل هواه الخاص ، الهوى المهوس
بأن يسرد حكاية شخصية عوضا عن حكاية رمزية ذات قيمة عامة.
اما على صعيد لعبة اللغة الأسماء و الطباع قلما لا تتفق عند الكائن الحي
بشرا كان ام حيوانا ام شجرا ، فالغرض الاسطوري يوافق الاسم و لو بشكل مغلوطة .كذا
كثير ما أدت بنا الاشتقاقات اللغوية إلى تلك اللعبة الخرافية بين حيوان السلحفاة
على سبيل المثال و كلمة المعلم ، او بين حيوان ( الكاستر) وتلك المادة (
الكاسترزيوم) التي تستخدم لأغراض صيدلانية ، و كان لهذا الحيوانية طبيعة سيئة اذا
ما شعر الصيادون يطاردونه يلجا إلى معاقرة نفسه ، و قضم خصيتيه كيما يتركونه حتى
قال ( ايزودور) : Castores a
castrando .
فالاسطورة نوعا من انواع مرض اللغة ، ان اغلب الآلهة و انصاف الآلهة و
الابطال ليست سوى اسماء شعرية اتخذت شيئا فشيئا مظهر شخصيات مقدسة لم تخطر ببال
مبدعيها الاساسيين مطلقا.
لعبة اللغة المعقودة على تاويلات الأسطورة، و غالبا ما تكون حالة من
الافتتان الداخلي الفونتازيا ، الأسطورة مجاز استولدتها لعبة الاستعارة حين يعطى
لها عدة اشتقاقات لفظية و تاويلات اخرى.
اذن كلمة لعبة لفظا و لحظا و اشارة لم تعد مقرونة بالاطفال الصغار و انما
في سائر مظاهر الحياة نقلا وعقلا ، تلك المتعلقة بالاجابات المحتملة على أسئلة
مؤجلة كانت تطرح علينا و نحن لزلنا نمشي في أول النهار على اربع...... ...في إشارة إلى لغز ( اوديب ملكا) !
فاللعب كما تقول الأسطورة الاغريقية ان تلعب مع جميع العقد بحذر حسب كل عصر
وزمان و مكان و معدل عمر.فاللعب مع الصغار تمشي في أول النهار على ثلاث. واللعب مع
الكبار ان تمشي في وسط النهار على اثنين ، و اللعب مع الكهول و الشيوخ ان تمشي في
آخر النهار على ثلاث. كيما يتم لك فك احجية و تساؤلات مختلف دواليب اللعب بالماضي
و الحاضر و المستقبل. الحياة ملعب كبير و المصلحة وحاجة الفرد فيها و الجماعة و
الدول لعبة و اللاعب الكفء و الجدير ليس
فقط من يلعبها ، و انما يلعبها بشكل صحيح و ان يكون فيها خلاقا و مبدعا ، من حيث
الإبداع لعبة الله.