العقيد بن دحو
السكك الحديدية ، القطار الحلم العابر للصحراء
واحدة من
مدخلات تلك الأسباب التي جعلت من المشروع الفرنسي الاستعماري الاستدماري يعجل
بمتفاعل او بمتخلل فصل الصحراء عن الشمال الجزائري ، هو استشراف و انتباه المستعمر
لارث الصحراء ، و ليست جغرافية المخرجات كما يظن البعض او الأثر الرجعي التي تغذيه الالة البروبجندا الإعلامية
الإعلامية الاستعمارية بالاضافات.
لقد شعرت و
استشعرت السلطة الفرنسية انذاك إلى أهمية القطار و شبكة السكك الحديدية في النقل و
التواصل الثقيل.
كان يجب
عليها ان تبحث ما يعادل البحر بالنسبة للصحراء، ما يعادل الموانئ على اليابسة
فاوصلت السكة الحديدية بالجنوب الغربي إلى غاية الساورة مدينة بشار ، وبالجنوب
الشرقي إلى غاية مدينة ورقلة.
صحيح كان
اكتشاف الفحم الحجري منطقة "
القناسة" ولاية بشار / الجنوب الغربي ،
و اكتشاف النفط حاسي مسعود بالجنوب الشرقي عجل بهذا كله.
لكن لأسباب
استراتيجية وعلى مدى البعيد كان ترى فرنسا رؤية
ما بعد المفاوضات.
اليوم وانت
تعبر الصحراء من جنوبها الشرقي إلى جنوبها
الغربي ، يشعرك الفضاء الصحرواي بذاك الفراغ الرهيب النازف الذي يصب على ما ما
تبقى من حجر و شجر و بشر صب فراغ وارق
وياس وقنوط ، وهو ينظر يكاد راسه ينفصل عن جسده من خلال تلك النافذة
الزجاجية الاسرة الساحرة للشاحنة او لسيارة رباعية الدفع ، التي تشارك بدورها
كأنها قطرة ماء موج هائج مائج في بحر ،
اونقطة مادية ارتمت في حيز جغرافي فضائي
فضولي لا شكل ولا لون رائحة و لادوق و لا شم له ،يوهمك السراب بأن المشهد
الكارطبوستالي حقيقي ، يحسبه التائه ماء
من شدة الرمضاء الجوع و العطش.
صحيح الرئيس
الراحل هواري بومدين كان يفكر في حفر قناة الاخوة الموريتانية الجزائرية ، تمتد كن
موريتانيا إلى تندوف على غرار قناة السويس بجمهورية مصر العربية او قناة باناما او
غيرها من القنوات العالمية التي اوصلت اليابسة بالماء ، و فكت العزلة عن الملايين
من البشر . لكن بدوره الحلم لم يفعل و لم يصبح فكرة و انتهى بنهاية صاحبه !.
جميل أن نحلم
بقطار عابر للصحراء ، و نحن يوميا نشهد كيف تقهر هذه الطبيعة القاسية و هذه
الوعرات الطقسية اعتى و اضخم المعدات و
الاليات و تسحقها سحقا و تحويلها إلى رنيم
بعد رمشة عين.
لا شيئ يقهر
الصحراء سوى ( الماء) ، عندما تفكر الدولة وفق المعادل ( البحري).
لا اقول
الاقيانوسي انما
نظرية
او وفق خلفية او مرجعية بحرية في كل شيئ ،
ليس امنيا او عسكرية ؛ انما اقتصاديا
اجتماعيا سياسيا ثقافيا .
لذا نجد جل
الحضارات الإنسانية العملاقة عبر ملامحها البديعة الخالدة جلت وعظمت وقدست البحر ،
و اعتبرته سيد الكون ، موطن الاعاجيب و الاحاسيس و العواطف و العلاقات المادية و
المعنوية ، لذا لا غرو ان سمته الاغريق بالاله ( بوزيذون).
كما لم بعد
الممر البحري بالمشكلة ان سلمت بقية عناصر حياة الكون الاخرى : (النار - الهواء
- التراب) ان أصبح ( الماء) غورا و من
الصعب ان تجد له طلبا.
فالبحر تعادله شبكات السكك الحديدية الكلاسيكية منها و
الحديثة ، و البواخر العملاقة يعادلها القطار ، و الموانئ بالمفهوم النمطي التقليدي
تعادله محطات القطار الحديثة و الكلاسيكية ، و كذا بناء وحدات مركبة عملاقة
للخزينة واللحفظ ، و للتحويل و لاعداد النقل الداخلي و الخارجي ؛ داخل و خارج
الوطن ، اي فكرة تزاوج بين القطار و الباخرة او فكرة تزاوج بين وزارة التقل البري
و البحري ، أين يذوب الاستغلال التجاري و الاقتصادي البحري في الاستغلال التجاري
الاقتصادي البري.
وبين هذا
وذاك - ان حسنت النوايا - يظل الإنسان هو
مركز ثقل الكون برا و جوا و بحرا و لو ان البحر احدى مكونات الأرض الأساسية.
بينما
الإنسان موقف؛ بل يجب ان يشعر بالموقف و يفسرها و يحلله و يبلوره و يضعه في تلك
الفكرة التي تغير وجه المحيط بل وجه العالم .
موقف الإنسان
من الصحراء ليس موقف المشاهد المنفعة بل موقف الثائر الفعال ، كموقفه من النهر ان
ينظم مجرى النهر ، و موقفه من شجرة الفاكهة ان يقلم شجرة الفاكهة ، وموقفه من
الحركة المتصل ان يبني العربات و القطارات و يصنع الطائرات و قواعد السكك الحديدية
و منصات الكوبريات و الجسور ، وموقفه من المجتمع ان يغير هذا المجتمع.
الصحراء ليست
قضاء وقدر بالمعنى (التيتانوسي) للكلمة ، وليست ( تصحر) بالمعنى اللفظي الاصطلاحي
الفيلولوجي للفراغ الحيز الجغرافي النفسي الذهني البشري.
انما هي فرصة
للتحويل الذكاء الانساني لا ليجابه سنن ونواميس الكون او الطبيعة و انما ليتكيف
معها ، مع فكرة الحياة ، صيرورة الحياة، و إرادة الحياة.
الصحراء
عندما تشكل تلك الإضافة، الإنسان مضافا إلى الطبيعة ذاك هو الفن الأصيل. ليست الصحراء متحفا ، و انما حين يتمكن الإنسان
ان يصنع في كل حدب وصوب تحفة فنية تسر الناظرين و مبعث امل للجزائريين قاطبة من
الماء إلى الماء او من البحر على المدن الساحلية إلى البحر على اليابسة يصيرها
القطار يمسك بالحياة و يعيد توزيعها حسب قاعدة الامل و عدالة الفرح و السعادة و
الازدهار.
وكما لن يعد
أنبوب النفط ينقل النفط و كفى و انما عرق ودم و ثقافة العمال ، ساعتها القطار لن
يعد ينقل الالاف من المسافرين و البضائع و انما ينقل القيم ، و ينقل السلام و
الأمن و الطمانينة و الحدود الداخلية ارجاء الربوع و الشعوب الجزائرية.
اتقوا الله
بالصحراء ، فليست الصحراء صحراء كما تتخيلون اوجها سمر شعثاء غبراء، ملثمين ،
يقتفون. آثار ترحالهم صباحا و يقتفون الانجم سبيلا واسراءا ليلا ، انما الصحراء منذ الخليقة اقوام
مف
كرون ان
وضعوا في موقف تفكير !.
لا ادعي في
علم الصحراء فلسفة غير اني عدت مؤخرا من ( اوديسا) مطولة اودية و شعابا و جبالا و
هضابا و قفارا خيرات... و خيرات...كنوز و كنوز
غزلانها تظل صعبة عن الصياد ان لم
يكن فارسا موهوبا مبدعا و فنانا ، و ان لم توضع الصحراء عموما موصع مشروع ستظل في
نظر ( الاخر) توفر الفلكلور و الترف و الرفاه ليس إلا.