ما بعد بجماليون / (Pygmalion)
العقيد بن دحو
* - " حين
تحطم تمثالا ، تجازف بأن تصير تمثالا " / (كوكتو).
إلى وقت غير بعيد كنا نسمع عن : ما
بعد الحدث ، عن ما بعد الرواية ، عن ما بعد الحداثة !.
ومع التقدم
الثقافي و الحضاري و تلعب و اتساع المذاهب و المدارس الفكرية على محور مختلف
التصورات الفلسفية الفنية الادبية انتقل (مابعد) هذا إلى الرموز و التماثيل و
مختلف الايقونات و الآثار و لا سيما المادية منها . فصرنا نقرأ عن ما بعد ( اوديب
ملكا) اوديب في كولونا ، و(الكترا) الحداد يليق بالكترا..... وهكذا.....
لذا عندما
تسقط التماثيل كرمز لسقوط الدول.
سبق و ان
اشرنا إلى بجماليون كما ورد بالاسطورة الاغريقية وهو فنان نحاث ، كان يكره النساء
، غير انه شرع في نحث تمثال امرأة جميلة و من يوم إلى آخر تزداد منحوثة المرأة
جمالا ؛ ز ما كادت تسمع و تتجلى الفضيلة أمام عينيه حتى احبه حبا جما ، فراح يتضرع
للالهة ان تبث فيه من روحها فصارت امراة ، عشقها و تيم بها . حتى سئم منها وطلب
مجددا من آله ديونسيوس ان تعيدها كما كانت أول مرة تمثالا ، و أما أعاد طلب الكرة
رفضت الآلهة طلبه ان تعيد التمثال امرأة جميلة فاستفز الأمر و انهال بفاس على
المنحوثة فدمرها ثم قتل نفسه.
تتكرر مصيرا
- بكيفية او بأخرى هذه الظاهرةة- ولا سيما بالادب التمثيلي اليوناني مما هي عند
ماساة " اياس" !.
تأتي أسطورة
ما بعد بجماليون ، اي بعد أسطورة
الخلق و الحياة ، تأتي أسطورة التدمير
و الموت.
خلق
ونحث التمثال ، ثم النفخ فيه بحياة
افروديت ، ثم مرحلة تدمير التمثال ويموت الفنان منتحرا شقيا تعيسا بوحدته
.
اذ الشاعر
بالمعنى العميق للكلمة يقوم بفعل الخلق تحطيه مخلوقاته بلا رحمة.
" البيجمالونية"
هي فكرة تتكرر في مجرى الاحداث و ما بعد الاحداث ، و كلما سقط تمثال في منطقة ما
او في دولة ما جدد الأذكار بنصب تمثال آخر أبشع و ابطش منه يحطم من بعث به اول مرة
بالرحمة و لا شفقة.
قد نجد هذا
قي ماساة " اياس" للشاعر الدرامي ( صوفوكليس) خيم نحث لناىمتحوثته
الجميلة التراجيدية و حين نفخ فيها بروح الآلهة بطلا قومية لا يشق له غبار ، لكنه
سرعان و بعد ان أعجب به البشر و يكاد ان يصير تصف آله او آله بالمرة ، انقلب السحر
على الساحر ، و الغموض على الغامض ، و التدمير على الخلق ، و الموت على الحياة
!.
كان "
اياس" بن تليفون ملك سلمينا بطلا من أبطال اليونان أمام طروادة. حارب فاحسن
البلاء ، و ظهر على الطرواديين في مشاهد عظيمة. وحتى اليونانيين جميعا بعد ان
انهزم زعماؤهم و ابطالهم ؛ فما زال يدافع
عنهم حتى اقبل "اخيل" فرد اعداءهم منهزمين . فلما كان مقتل اخيل جعل
اليونان سلاحه جائزة لتعلم ابطالهم شانا ، واللهم خطرا ، فاز بها "
اودسيوس" ، و غضب لذلك اياس فذهب عقله وجن ، و انحى بسيفه البتار على ما كان
من حظائر اليونان من ثورة و ماشية ، فلما عاد اليه صوابع باليوم الموالي و تجلت
شمس الحقيقة استخزى ما فعل و قتل نفسه .
ما بعد
بجماليون هي فرصة للعودة إلى ما بعد المآسي الاغريقية التراجيدية ، و بعد تم تعطي
اها تفسيرات حديثة تتمشى و العصر و لغة العصر و تطورات العصر الحضارية و الثقافية.
اذ من غير
المعقول اليوم ان نستشهد باي آله من الآلهة الاغريقية التي كانت سائدة في اوقات
غابرة مما قبل التاريخ ، لكن في دولة ما دكتاتورية ، يحكمها الرجل الاحداث و الحزب
التوحد ينتقل اليها ما يسمى بالقضاء و القدر ، حين لا يستطيع الانسان يقررونصيره
نفسه بنفسه .
ما بعد
بجماليون او البجمالونية هي فكرة ثقافية بالمقام الاول ، ما يبقى بعد ان نخسر كل
شيئ ؛ و مت يجب أن نتعلمه بعد ان نتعلمةكل شيئ ، و ان التماثيل ليست مجرد هياكل
سياسية مجرمة مجمدة النجوم، القائمة على النسبة و التناسب ، انما تخفي كينونة
مكنونة أمنية عسكرية ، سقوطنا لا تنذر بسقوط منحوثة رخام او حضارة و انما قاعدة
متقدمة . سقوط الوعي الحلمي الجمعي مما يعم اليأس و القنوات و الانمفاء على الذات
و عدم الاكتراث ، في حين دعاة ( الهدم) و( التدمير) انما يقدمون تجندات عدائية
اجنبية تو عرقية او عنصرية دينية سرعان ما يتصبون هم تماثيلهم و هياكلهم و يهيمنون
على البلاد و العباد و على الحكم على اعتبار الحكم كنز كما اعتقدت الاغريق.
ما بعد
بجماليون يمكن أن تفسر من خلال " فيلوكتيت" او " فيلوكتيتيس"
البطل الاغريقي ، الجريمة الذي يحمل القوس في يده . فيلوكتيت يروي قصة العبقري
الغامضة ، العبقري الذي هو قوة و ضعف ، قدرة و عجز . عبقري الفنان التكفيري
التطهيري قربانيا. العبقرية مقترنة بالمرض. وهي مقترنة، في كثير من الحالات بنقص
الدم. و القوة لا تقدر ان تقوم دون ان تلحق التشابه بنفسها.و الكاتب او النحاث او
الرسام الرسام او اي فنان زمكانيا كان يشبه بهلوان الارجوحة الذي يتدرب طوال
النهار كي لا يدق عنقه ليلة العرض.
هكذا يحتفظ
البجماليون بامتيازات المجنون الأحمق نصف الاله . ويظهر اليوم اكثر في ثوب
المهرجان: الجواب ، الرائي ، الساحر ، لاعب الورق و المليار القمارجي ، المراهن و
المخرج المبهر الايثارة السبنمائي.
كانت هذه ما
بعد بجماليون عندما يتحد المبدع مع رخام أسعارها متخذا من منحوثته حديثا بالف صوت
أمنية عسكرية قبل أن تخاطب العواطف ووشائج العلاقات الانسانية