جنون التاريخ و الصفر التاريخ
العقيد بن دحو
ما قبل
التاريخ....الشبيه بالتاريخ....ما قبل التاريخ....جنون التاريخ....الصفر
التاريخي....و نهاية التاريخ.
جميع هذه
القيم ، و ان تعددت الأسماء؛ كان دائما الاجتهاد و الفكر الانساني قابل لمقاربتي
التفكير و التغيير عوضا عن التكفير و التطهير بالمعنى الارسطوي ( الكاتيرسيزي)
/ Catharsis.
غير ان
التاريخ ليس حلقة من حلقات الزمن الواقع المعاش للشعوب التجريبي التجريدي منه ، و لا موجة عابرة من موجات او خطى من خطوات نهر ( ابراهام نكولن) و انما
التاريخ إبداع المخيال الجمعي للشعوب و الامم ، شأنه شان الشعر و الفلسفة ، فبقدر
ما يمكن (مؤارخة) الاسطورة يمكن احالة التاريخ الى أسطورة او كما قال (مالرو).
فالتاربخ هو
حرية الإنسان حيال الخير و الشر ، و سوف تكون نهاية هذا التاريخ بنهاية هذه الحرية
. و المرحلة السابقة للتاريخ ، ما قبل التاريخ او ما قبل الميلاد هي مرحلة الخلق
الالهي : الإله- انصاف الالهة - الابطال. اي إبداع او خلق ما يسمى ( بالعقد) عقدة
اوديب ملكا ، عقدة الكترا ، عقدة فيلوكتيت ؛ عقدة اياس و غيرها الكثير مما هو عند
الرجل او المرأة، حينما اعطي للاسطورة تاويلات و تفسيرات و فعالجات نفسية و
تاريخية و طبيعية و حتى لغوية ادبية ، سميت في علم الميثولوجية و علم الاساطير (
بالشبيه بالتاريخ) لذا يقول (مالرو) : " لكي تكون لدينا حضارة يلزمنا تاريخ و الشبيه للتاريخ
" .
لذا غالبا ما
استبدل النقاد و الأدباء لعبتي الخير و الشر بلعبة اخرى لا تقل سحرا و اسرا و هي
الحب و الجنون ، من حيث : " الحب وطن الحلول " !كما تقول الصوفية ، و الجنون : " الملح
الذي يحمي العقل من الفساد " او كما قال افلاطون ؛ او هو الجنون السماوي. كل هذا
يثم ضمن لعبة كونية يكون فيها الإبداع هو محور و مركز ثقل الإنسان في كل مكان و في
كل زمان ، و من حيث " الابداع لعبة الله" كما يقول ارسطو.
ان الجنون
يحتل الصدارة في عالمنا المعاصر ، من جنون مباريات كرة القدم إلى جنون منصات شبكات
التواصل الاجتماعي ، و جنون ثروات الهواتف الذكية و الرقمية التي اوصلتنا إلى ما
بعد التاريخ مبكرا. يعتقد بعض المفكرون و
المنظرون ان الذين يسميهم العالم مجانين ، هم الذين يوجهون هذا العالم. أي جميع
الذين يتخطون بذاكرتهم التاريخ ليرجعوا إلى زمن ما قبل التاريخ. أين يكتب الشعر و
الإبداع عموما لحظا و لفظا و اشارة من ذاكرة المستقبل !.
ان الوجود الانساني
هذا يتمثل في منطقة صراع بين منطقتي (الانا) و ( الاخر) ، (soi)
, (moi) هذه المنطقة غريزة الموت و غريزة الحب ، هذه
المنطقة بالضبط التي يغيب فيها رقابة العقل و السنن الجمالية و الاخلاقية.
وفي عصر فقدت
فيه الدبلوماسية سلطانها، لم يعد يسمع فيه الا عن (جنون التاريخ) حين يصير الإنسان
يفكر و فق اسلحته التدميرية ، بمعنى وفق قوته و سلطته المعقولة و اللامعقولة أي
الخرافية ، مالسباق نحو التسلح او اللجوء إلى التهديد وفق استخدام الأسلحة
الاستراتيجية الردعية.
وبين قوتين
متعاكستين في الشدة متساويتين في الاتجاه نحصل حصريا إلى محصلة مخرجاتها صفرا ، و من ضمن هذه ( الاصفار) صفر ورقة ، صفر
ملح ، صفر سكر... و من الاكلينيكيات إلى الاقتصاد وصولا إلى الفكر و الثقافة ، أين
اطلق مجموعة الخبراء و المفكرين العرب سنة 1983 ، يوم ضربت المكتبة اللبنانية
بطائرة خاصة اسرائلية ، و عندما سئل وزير الحرب الإسرائيلي لماذا بالضبط المكتبة
القومية اللبنانية !؟
اجاب : اننا
نضرب مقومات شعب بأكمله، المخيال الشعبي الجمعي و المرجعية و القاعدة الخلفية المؤسسة للمقاومة العربية
الخلاقة.
يومها اطلق
مجموعة الخبراء و المفكرين و المثقفين عن الفاجعة الماساة بالصفر التاريخي....!.
ولعله من
مساوئ الصدف ، و لان التاريخ يعيد نفسه مرتين ، مرة في شكل ماساة و مرة في شكل
مسخرة ان الحادثة تحررت مع حملة نابليون بونابرت على مصر ، يوم سدد نيران مدافعه
على الآثار الفرعونية المصرية 1792 ، و حطم خصيصا او جزع انف ابي الهول
!.
سئل بدوره
نابليون بونابرت و جنده لماذا انف ابي الهول بالضبط !؟
اجاب في
حينها: اننا نحطم كبرياء و انفة أمة بأكملها حتى لا تقوى على مجابهتنا و مقاومتنا
من جديد.
صحيح لم تصل
يومها الأمة العربية إلى أي صفر.
كونه لم يكن
تمة لا صفر تاريخي و لا صفر ما قبل التاريخي ؛ و لا صفر شبه تاريخية؛ انما جميع
الدول العربية كانت تحت الصفر ( سالب) ( -) ، بمعنى كانت ترزح تحت نير الاستعمار
الفرنسي او البريطاني او العثماني.
اذن عندما
تسقط التماثيل ، و تسقط صور الزعماء و كبار القادة ، و عندما تسقط التماثيل و
المتاحف و الاثار ، ايمانا بسقوط الدول ووصول الشعب و الوطن و الامة إلى ما يسمى
بالصفر التاريخي.
الدولة كفيلة
بعدوها الخارجي ، لكن عندما يكون العدو داخليا من دم ولحم و نفس وعرق ، يهدم
الانوف و يحطم الرموز ، و يسعى لغلق المكتبات او يشجع الرداءة يسعى لتنصيب اشباه المثقفين و انصاف المتعلمين
او يكون حائلا و حاجزا للوصول الخيرين ، المفاجآت و الاطر الناجحة ال مركز القرار
فهذه ليست خيانة عظمى بالمعنى الكلاسيكي
للكلمة و انما الصقر التاريخي الذي ما بعده صفر !.