فنوننا و ادبنا و ثقافتنا الفقيرة
العقيد بن دحو
ورد على لسان الشاعر الاغريقي " هزيود" او " هزيودس" :
" الفقر دية الكسل" !.
بمعنى لا أحد يريد أن يعيش فقيرا الا من أبى يعيش كذلك ، فقيرا كسولا محبطا
متسولا اعطوه الناس او امتنعوا ، و مع
تداول الايام و مع الاضافات و التراكم ، يترسخ الفقر في ذهنه كوعي حلم فردي او جماعي ، ثم يحسبه قضاء و قدر
مستسلما لما جناه على نفسه .
ولأن لا يمكن فصل الادب او الفن او الثقافة عن الظاهرة الإجتماعية،
فالمجتمع الفقير لا يمكنه أن ينتج قيما غنية او جيدة او رائدة او مزدهرة ، و
بالتالي في مجرى التاريخ و في مجرى الزمن لم و لن يبني الفقر حضارة مادية او
معنوية ، او حرية او مساواة او عدالة.
صحيح كما ورد في سوسيولوجية الأدب " روبيرا اسكاربيت" ان الادب
الجيد لا يعيل صاحبه ، و ان الادب الذي يعيل صاحبه ما هو الا أدب سوء لا غير !.
من المتفق عليه اننا لا نعرف الادب بواسطة اي مقياس وصفي فالمقياس الوحيد
يبقى ما نسميه قابلية اللاتكسبية . يسمى ادبا كل عمل ليس وسيلة بل غاية في نفسه.
يسمى ادبا كل مطالعة غير وظيفية اي انها تشبع حاجات ثقافية غير نفعية.
ان معظم المطالعة العلية هي وظيفية. و لا سيما مطالعات الصحف حيث يسعى
القارئ بنوع خاص وراء المعلومات ووراء التوثيق . و حتى الكتاب ليس كل مضمونه ادبا.
غير ان تكسبية الادب من عدمه ما هي إلا العوبة ، لتظل مقولة الاكذوبة
التاريخية الادب لا يعيل صاحبه حتى جاءت الرواية، فكانت الرواية ثري رجل حرب
القرن التاسع عشر . فلقد أصبحت تمتلك
الثروة الضخمة الثابثة من " التصوير الاجتماعي" و معظم الاسهم في " مصرف التاريخ " و
رقابة المآسي البشرية ، كما صار لها فندقا خاصا بباريس مع " بورجيه " ،
و فيلا على البوسفور مع " لوتي" ، و اقطاعات في الارياف مع "
بلزاك" و " فلوبير" .
وحتى عام 1800 لم يكن يطلب منها الناس الا تسليهم و توفر لهم الترف او تؤثر
فيهم ؛ اما الان فإنها يراجعونها فيما يتعلق بمشاكل الفقر او الطلاق . كما صار لها
لافتات من الادعاءات العلمية.
الان لم يعد يكتفي الاديب بالابداع و التاليف المعنوي الكتاب في شكل إنتاج
ادبي فني ثقافي ، او كتابة مقالة في جريدة او عبر صناعة محتوى في حساب من حسابات منصات شبكات التواصل
الاجتماعي ، ولا حتى عبر وسائل الإعلام الخفيفة و الثقيلة وكذا الرقمية منها. و
انما عليه ان يسعى ؛ و يجتهد لخلق له مصيرا اخر ماديا ، ليوفر له هامش الحرية و
المساواة أكثر. وعدم الإتكالية و يسعى و يدعم نفسه بنفسه.
حتى الآن ورغم الفارق الزمني و التاريخي عن يوم استقلال الجزائر لا يزال
الاديب و الفنان و المثقف الجزائري لم يستقل ماديا ، فلا توجد لنا مهنة ثانية او
وظيفة ثانية ، و لا مهنة (تفرغ) ، يتفرغ من خلالها الاديب إلى أعماله الأدبية
الفنية الفكرية.
ورغم التطور الثقافي و الحضاري لللاداب و الفنون لا يزال الاديب يعيش في
العمارات بل في أشباه البيوت على الأغلب،
و يركب القطارات من محطة إلى محطة اخرى و الحافلات ، و البواخر و يركب الدرجات
الأخيرة!
اما انه يسكن الفيلات ، و يمتلك ارصدة ، و اقطاعات اراض في الارياف ، و
عمارات، و مزارع مما تملكه رجال المال و الأعمال
لا يزال حلما.
صحيح الادب اخيرا صار سلطة و الاديب صار رجل سلطة ، لكن لن يكتمل له هذا
مالم يصير رجل مال معقودا على رجل الادب او الفن او الثقافة.
ان يكون الاديب غنيا او الفنان او المفكر ليس حرام، و هو أولى من غيره ان
أصبح الفن و الفكر مزجا بقوة المال.
بالعلم و المال يبني الناس ملكهم ***
ولا يبني ملك على جهل و اقلال.
اذن يجب على الاديب و الادب ان يتخلى على عقدة الفقر ، و ان يبحث عما يعلي
شأنه ماديا و معنويا ، تماما كما طرح أحياء عدم لباس المثقف الاديب الفنان للبذلة
وربطة عنق بحجة الثوق للحرية و الانعثاق و للانطلاق ، بينما كان دوما رجل المال و
الأعمال يظهر بالصورة انيقا محاورا في الوقت المناسب و المكان المناسب حتى ان كان
غير مناسب.
لباسك يرفعك قبل جلوسك......!
كثيرة هي القيم التي صارت أكثر من واجب على رجل الادب و الفن و الفكر
استرجاعها من الاقتصاد و من السياسة و من المجتمع و من اي حكمة اخرى وجدها.
إذا كانت مهمة الاديب الأساسية ان يحسن من العالم ، وإن لم تكن اقتصادية
العاملة في تحسين مستوى معيشة المجتمع او هو تحسين حلمي في عالم افتراضي قد لا
يأتي ابدا.
لا بد من الاستغلال المادي و المعنوي للقيم حين يذوب الاستغلال التجاري و
الاقتصادي في الاستغلال الفني و التقني
و إذا كان الاقتصاد نصف المعيشة حينها يكون الادب و الفن و الثقافة هو
المعيشة كلها،
على ان تكونةفي الاخير الفكرة Tout / Compte = Fait تقييما و
تقويما ، و نقدا و نقد النقد ، أين تكون أمواج اصوات كلمتي النقد و النقض متلازمين
؛ متطابقين إلى ابعد الحدود.