وزارة منتدبة للجنوب
العقيد بن دحو
وزارة منتدبة للجنوب
العقيد بن دحو
فكرة وزارة منتدبة للجنوب ليست وليدة اليوم ، حلما و كلمة و فعلا ،
انما تعود إلى أولى مدخلات مشروع الجنوب
الكبير ، و حين بدأت الدولة تفكر بديلا عن ثورة البترول ، ابان الأزمة البترولية
الثانية ، أين انخفض سعر البرميل الواحد إلى قياساته الدنيا و بالتالي اختل
الميزان التجاري
ليست للدول المنتجة المصدرة للمادة الهيدروكربونية الريعية و انما ايضا
للدول المستهلكة ، توقفت الكعكة الإقتصادية عن النمو و صار الإنسان ياكل من راس
ماله !
بل تعود فكرة وزارة منتدبة للجنوب ابان زيارة رئيس الحكومة الأسبق المرحوم المجاهد بلعيد عبد
السلام في حكم الرئيس علي كافي . إلى أحد مزارع الرش المحوري النموذجية لولاية ادرار.
حينها كان حجم التقنية المستخدمة
ثقيلا و جديدا و ضاغطا ، تدخلت نخبة من الساكنة تطلب من رئيس الحكومة بأن
تكون بعض كوادر و اطر الجنوب بالمركز ، فأجاب على الفور رئيس الحكومة هيا مدوني بالقائمة فصمت الذي سأل!
لم يكمل رئيس الحكومة الزيارة كون
الشمس كانت اقوى و بلغت من سفرهم ثعبا و نصبا .
السؤال هذا له ما يشبهه مع الفارق طبعا ابان المستعمر الفرنسي ، حين جيئت
فرنسا بمجموعة من المجاهدين كمساجين و اطلقتهم في أحياء مدينة ادرار يجوبون
الشوارع ليلا و نهارا عبثا بلا طائل و لا جدوى !.
ولما وجد أحدهم بعض الساكنة بالساحة يتسامرون الليل إلى وقت طويل سالهم:
وانتم بكم حكمت عليكم فرنسا !؟
و كان ادرار حينها كانت كلها سجنا كبيرا مفتوحا على الهواء الطلق!.
ظلت هذه المقولة تشبه النكتة تورث و تحكى من جيل إلى جيل.
له ايضاوما يشبهه مع الفارق حين كان مذيع النشرة الجوية بالتلفزيون الوطني
يرصد درجات الحرارة و تقلبات الطقس في كل الولايات الساحلية و الداخلية ، و عندما
باتي بالخريطة على ولايات الجنوب ينعثهم بباقي الوطن . ظلت ايضا هذه الحادثة نكثة
تتكرر كلما ذكر أحوال الطقس ، ضحك بما يشبه البكاء !.
ولو ان كل نكتة مضحكة تحمل حقيقة ما في رحم الزمن كما قال (برنادشو).عجلت
الدولة فيما بعد بمشروع الجنوب الكبير ، ووزعت الأراضي و المستثمرات الفلاحية على
العديد من الساكنة و صار الحرفيين و المهنيين و التجار فلاحين بالصدفة ، و لكن ظلت
فكرة وزارة منتدبة للجنوب قائمة.
الفكرة تطرح عدة أسباب لوجستية تاريخية سياسية استراتيجية ، فكما تؤثر
السياسة في المجتمع تؤثر في الجغرافيا. اذ تعيش الساكنة ، الذين يشكلون جماعة
سياسية ، على اليابسة.وهم يحصلون على غذائهم و ثروتهم واملاكهم من الأرض و البحر
المجاور، و يحاولون حماية ما كسبوا.
وعندما كانت التقنية بدائية، انبثقت وجوه عديدة من التنظيم الاجتماعي
وطبيعة سد الحاجة الغذائية. فكان الناس ، الذين يعيشون على الصيد البري ، او
يجتمعون غذاءهم ، و يعيشون رحلات، و يتنقلون باستمرار.ولكن عندما أصبحت الزراعة
المصدر الرئيس الغذاء ، اضطرت الساكنة للبقاء في مكان واحد وتعلموا بالارض وجدانا
ونوستالجيا ايضا. وقد اختلفت الوسائل في المحافظة على ممتلكاتهم و ارزاقهم
وحمايتها ، من وسائل الرحل ، فقد يوفر الفرار للرحلة استمرار البقاء ، و لكن
المزارعين كانوا مضطرين لحماية حقولهم. التي لا يمكن نقلها. وكان نوع الدفاع يتوقف
، في كل حالة ، على الطريقة التي يمكن الحصول على الغذاء بواسطتها. وهكذا أصبحت
السياسة لا تشمل حكم الناس فحسب ؛ بل السيادة على المنطقة التي يعيشون فيها ايضا.
اذن لا يمكن باي حال من الأحوال إنكار واقع وجود علاقة بين الجغرافيا و
السياسة ، اساس الدولة الجغرافي و طبيعة سياستها. وكذا واقع الشعور بتاثير
الجغرافيا في السياسة.ان موطن الإنسان يتوجه بالاساليب او بالنظام لحل مشاكله
الخاصة بالانتاج و الدفاع و النقل. فمثلا على الأعراب و ساكنة البوادي و الصحاري
عليهم التكيف مع الطبيعة و البيئة المتواجدين فيها ، التكيف مع ندرة الماء نموذجا.
و على ساكنة شواطئ البحار عليهم ان يستخدموا البحر ممرا، وإذا لم يفعلوا فسيصبح البحر ممرا لدخول الآخرين!.
كما يتضمن موفع الجنوب عوامل يمكن تتحكم بنموها الاقتصادي وسلامتها
العسكرية كالارض والجو و الموارد و
المواصلات و غيرها.
و كما لا يؤثر موقع الدولة
الجغرافي ، في طبيعة مؤسساتها السياسية ، و لكن للجغرافيا تاثيرا قويا في بقاء
جماعة ما و ازدهارها ، بواسطة تاثيرها في النمو الاقتصادي و السلامة العسكرية .
وعلى الحكومة ان تأخذ الجغرافيا بعين الاعتبار في كل مخططاتها الامنية العسكرية
المدنية الاستراتيجية الاستشرافية و كذا توزيع مواردها . و بهذه الكيفية تتكيف
السياسة حسب الموقع.
اذن كانت فكرة وزارة منتدبة للجنوب ان تنظر إلى كل هذه التاثيرات و
التاثيرات المرتدة ، كتاثير السياسة في الجغرافيا و الجغرافيا العكس.
ونظرا لشساعة الموقع و صعوبة التحكم فيه شبرا شبرا كان لزوما لخلق
ميكانيزمات لوجستيكية سياسية بشرية تعيد (الجغرافيا) كنز، اذ الحكم كنز كما قالت
الاغريق لا يقل عن اية ثروة قومية وطنية فوق الارض وتحت الارض.
لا يكفي الاهتمام بالصحراء وفق موازنات مرصودة سنويا او بهرجة فلكلورية
، لا يطهر اثارها كون الصحراء شاسعة واسعة
، لكنها سوف يكون لها تأثير ان وضعت ضمن مكون مشروع جهاز تنفيذي يعيد للصحراء
بهائها الطبيعي و الجنوب قطبيه الشرقي و الغربي ضمن مؤشر البوصلة الوطنية
الإقتصادية السياسية الاجتماعية الثقافية ، و لا سيما هذا ( الجنوب) له ما يحاوره
مع دول الجنوب جنوب وجنوب شمال مع كوكب الأرض ودول العالم ، بعد ان تشعر الأرض
اخيرا اهمية بمكان وصارت لها وزارة.