النجاح و المجتمع
العقيد بن دحو
* - "
خلق الإنسان ليكون ناجحا ؛ و خلق المجتمع ليمكنه من النجاح " / (بياس).
تبدو لفظة
" نجاح" لغة و اصطلاحا و حتى فيلولوجيا ؛ فقها ؛ اي فقه اللغة كلمة فضفاضة ، اسطورية ، أسطورة "
بروتيه" من جورجيات فرجيل ، و هو حتى عندما تلقي عليه القبض و تقيده بالسلاسل
و الاصفاد و الاغلال لا يبوح بسره لاحد ، و من شدة الغضب يتحول إلى ثنين ، إلى حريق
، إلى ينبوع ماء يشكل أسطورة عنصره ، من
حيث النجاح هو النجاح.
ان الناس
تقصد بالغالب النجاح ذاك النجاح المادي ، فالمجتمع ، و المخيال الجمعي لا يرى الا
الظاهر الواقع تحت حسه المجرب ، اما المجرد يتركه للغاويين ، للباحثين ، و الشعراء
في كل واد يهيمون!. و حتى النجاح الثقافي لمدرسي
؛ الذي كان من المفروض ان يكون معنويا صارت الأولياء مع مغريات الحياة
تنتظر العائد المادي منه او ما يسمى ( بالجائزة) !.
رحم الله
زمنا ، أين كان التتويج بالجائزة عند الاغريق اكليل من الغار و الاس على شكل تاج
يوضع على راس المتوج !. او ان الناجح يفوز بدرع و سهام هرقل.
ولأن اليوم
النجاح صار مقرونا بالقيمة الزمكانة
الاجتماعية فكل عين المجتمع على ما تقع عيناه عليه من امكانيات مالية و مادية.
فالنجاح هو
نجاح المصنع ، المعمل ، الورشة ، المزرعة !.
النجاح اليوم
- شئنا ام ابينا- المقاول و رجل المال و
الأعمال، الذي يبدا حياته المهنية تجارية اقتصادية لكنها سرعان ما تتحول إلى
أيقونة او خرافة او أسطورة سياسية اجتماعية ، تسلط عليها كافة الأضواء و البهرجة!
و تقدم له كافة أساليب التسهيلات اللوجستيكية الداعمة ، من حيث المال يجر المال ،
و النجاح يجر النجاح ، و المثل المصري
الدارج القرش يجلب القرش خير مثال!.
او رأيت
الناس من عنده نال، ومن عنده فضة ، و من عنده ذهب ، اليه قد مالوا ، قد
ذهبوا......!
لم يعد لا سيما جماعة الضاغطة السلطة الرابعة الاعلامية الإعلانية ترى الوجه
الاخر للنجاح المعنوي . و لا سيما منذ ان اتحد الكارتل الصناعي العالمي العملاق (
التيتانوس) في شكل قضاء و قدر. شركات متعدد الجنسيات ، تلك التي هم اسها و اساسها
الأول و الاخير الربح اي النجاح حتى ان كان على حساب الإنسان/ العرق و التاريخ !
حتى ان كان
على حساب البيئة و الضرر الفادح الذي تخلفه نفاياتها المنبعثة " للننيو" و للتلوث الايكولوجي بكل حالاته المادية الثلاث
: الصلبة و السائلة و الغازية ، المهددة لحياة البشرية و للطبيعة موضعا وموضوعا
ووقتا عصرا وزمنا وجيلا.
ان الإنسان
اليوم لم يغترب أكثر من اي وقت مضى ؛ تفكك و تفتت و اغترب ، و صار ما يميز
(البضائع) يميز الإنسان لونا و مساحة و حجما و كتلة ، بل صار مجرد اشارة و أيقونة
و رموزا من إشارات و ايقونات هاتف نقال
ذكي !.
صار "
الانتاج" هو كل شيئ و الإنسان صار لا شيئ
، بينما مخرجات كل هذه المتفاعلات من ضمن هذا المشروع الهائل ، الذي يلقي
ظلاله على الناس اجمعين كل شيئ لا شيئ !.
لقد ا اصبح
العامل / المهني/ الفلاح..... وهو يشتغل يتحول و يتفكك ، و يتحول من ضمن هذه
الاليات الضخمة إلى مجرد برغي او ترس او دولابا صغيرا من ضمن تروسه وبراغييه و
دواليبه العملاقة.
كأنها الهة
اغريقية رومانية تتحكم في مصائر البشر ، بل تنتهك عدة ضمائر اخرى ..... من حيث لا
ضمير لها و مبرمج اليا لوجوستيا على النجاح حتى ولو اهلك دونه او انتحر. .
لذا لا غرو
ان سمت الاغريق و الاغارقة القدماء : الإله من الآلة/ Machina ex
dei
جميل ان ينجح
الانسان ولو في أقل احداثيي من احداثيات الحياة ، كونها تجر له نجاحات اخرى لم
تخطر له على بال ، كما جميل ان تتعالى الزغاريد و تصفق له الأيدي؛ و يشار اليه
بالبنان.
ليس ذاك
النجاح الساذج المدرسي البسيط المتعلق برائز ما و انما النجاح العميق الذي يقود
إلى لصحاب ( الفوق) ، أصحاب الكراسي الشاعرة و المملوءة و أصحاب نظرية الاغتراب
لجان جاك روسو في المجتمع عندما يتولى بعض
النواب عهدتهم التشريعية المعقودة على حصانة برلمانية او دبلوماسية !.
واذا ذهب إلى
السوق *** يتبعه شاو و مشل و شلشل وشول !.
او كما قال شاعر غنيا يفتخر بنفسه !.
لكنه سرعان
ما يذوب استغلال هذا النجاح في الاستغلال المادي و المالي ، و البحث عن المكانة
الاجتماعية و التسطير الاجتماعي ؛ لا ليصير مسطرة قانونية و انما ليصير الأسطورة
التي كانت في البدء!.
حينها حقا
يصير الإنسان هو راس المال ، و حين حقا يصير الاستثمار في الإنسان ؛ كونه صار مجرد
آلة من آلات الحقل او المجال الذي ابدعه !.
فأين هذا
الذي يسمونه " النجاح" و الإنسان منذ ظهور الانطباعية تحلل إلى لون و
بقعة ضوء ؛ سواء عرف نفسه او تركها مجهولة في كيان نفسه ؛ ( هو) ؛ ( الاخر) ؛
(الاد) سواء !.
جميل أن تنجح
البشرية وترتقي و تزدهر ، لكنه بلا فرح ، و بلا امل ، و بلا رجاء . ان الشجرة لو
قطعت فمن خراعبها ورطوبة الأرض تنبعث فيها الحياة مجددا ! اما الانسان سيزيف يحمل
صخرة النجاح الى قمة العبث و كلما اوشك الوصول عاد صعدا نحو الاسفل.
مجبر ان يكرر
هذا النوع من النجاح نفسه . ( السيزيفي) ؛
او النجاح ( الميداسي) الذي تتحول فيه كافة اعضائه الراسمالية الاورستقراطية و كذا
البوليتارية إلى ذهب اي إلى نجاح.
فلنضرب مثلا
بسيطا على هذا النجاح ضمن مجتمع مخدر بالايديولوجية العولمية الكوكبية و
بالاعلانات الضاغطة . المنوم مغناطسيا ان ينعث
بصاحب السيارة الفلانية، او العمارة العلانية ، او شيئ من متاع الدنيا .
فأين الإنسان
اذن و أين انسنة الانسان و أين النجاح.... ؟