المسرح المقارن
العقيد بن دحو
يبدو العنوان أعلاه عجيبا غريبا بعض الشيئ ، ربما ما يدعو للمدهش الهائل
المذهل بالمعنى الخرافي الاسطوري الميثولوجي.
حتى ان كنا نعلم شيئا عن الأدب المقارن ؛ فقد غابت عنا أشياء!.
هذا و اذا كان الأدب المقارن هو ذاك علم الانتقال من بلد إلى بلد آخر...؛ و
من لغة الى لغة اخرى....؛ و من بيئة إلى بيئة اخرى....ومن عرق إلى عرق آخر...؛ و
من شكل مثير إلى شكل مثير آخر.
فهو فن مهني يبحث في علاقات التشابه و القرابة و التاثير .
ولأن المسرح عموما هو فن ادبي ، يمتاز بما يمتاز به الأدب عموما من خصائص و
تاويلات و تفسيرات.
فان معظم الدارسين و المتتبعين لحركات المسرحية كالدراما ببعديها التراجيدي
و الماساة ، من خلال جل النصوص من الكلاسيكية الاخلاقية التقليدية منها ، إلى
الرومانسية و الرومانسية الجديدة ، إلى
الطبيعية و الواقعية ، إلى التعبيرية ، إلى الوجودية ، إلى السيريالية ، إلى
الصوفية ، إلى الاتجاهات الحديثة العالمية...يجد ان جل النصوص تقارب شيئا فشيئا....لحظا و لفظا و اشارة إلى أن يتشابه عليك الحدث ، و وحدة النغم و كذا
الأسلوب، مع الفارق في الزمان و عظمة الشخصية و اللغة ؛ و أخيرا طرق الإخراج، و
التفسيرات الحديثة و كذا التاويلات التي أعطيت للنصوص الكلاسيكية و غيرها.
يقول النقاد ان الدراما الاغريقية شيدت و بنيت بالتراكم و الاضافات لعدة
شعراء تواصلوا على النص الواحد عبر العصور حتى وصلنا بالشكل الذي هو عليه اليوم.
لذا يشكك النقاد في الملحمتين الشعريتين الاغريقيتين " الاليادة " و
" الاوديسا " ان يكون ( هوميروس) بمفرده هو من ابدعهما و خلقهما، بل عدة
شعراء سبقوه تداولةا على النصين اضلفة و تقييما و تقويما. لذا جاءتا بهذه الروعة
الخالدة.
القارئ و الدارس "لالكترا
" للشاعر صوفوكل او هي ثلاثية اسخيلوس ، حين أعطيت لها تفسيرات حديثة ، و
انتقلت من اليونان بلد الاغريق إلى فرنسا ، و من المذهب او المدرسة الكلاسيكية إلى
المدهب او المدرسة الوجودية ، و من الكاتب الاغريقي صوفوكل او اسخيلوس او صوفوكليس
الى جون بول سارتر، و من القرن الخامس قبل الميلاد إلى عام 1943، كما انتقلت من عظمة
اللغة و نبل شخصيات ؛ القضاء و القدر ؛ الابطال ؛ انصاف الالهة ؛ او الآلهة بالمرة
إلى شخصيات عادية يسقط عليهم ما يسقط على البشر جميعا؛ مصيره يقع بين ايديهم و
ليست الخرافة او الاسطورة من تقرر. حتى ان كانت : " الخرافة ميراث الفنون
" او كما قال ( نيكولاس فريده)
الدارسون ايضا يرون "هاملت" للكاتب الانجليزي وليام تشكسبير ،
يجدها تتشابه في جل منها فمسرحية الوطنية الخالدة للكاتب الفرنسي " فرانسوا
كوبيه" ترجمة مصطفى لطفي المنفلوطي عن " سبيل التاج" فرغم الفارق
الكبير في الزمكان و الحدث و المذهب و المدرسة نجد المسرح المقارن فيها عظيما.
فالاسرتين نبيلتين يحكمها الانتقام
الممزوج بالحب و الغضب، احداث المسرحيتين تقع بالقصر ، و الخيانة ايضا عائلية ؛ و
غدر ؛ و طعن في الظهر!.
فبقدر ما يحاول أن يكتشف هاملت خيانة والدته مع عشيقها واتفاقهما على قتل
والده ، نجد هذا التشابه في سبيل التاج أين قسطنطين الفتى البلقاني يكتشف خيانة
والده مع الدولة العثمانية و مع زوجته ؛ امه الخائن بازليد!.
قد نجد هذا التقارب ايضا في نص " دم شاعر " / Le sang d'un poe'te . للشاعر كوكتو ؛ يمكن أن يفسر من خلال " فيلوكتيت"
الاغريقي ، المحارب المجروح الذي يحمل القوس في يده. فيلوكتيت يروي أسطورة العبقري
الغامضة ، العبقري الذي هو قوة و ضعف ، قدرة و عجز ايضا.
واذا ما حاولنا ان نعمل هذه المقاربات نجد ايضا التشابه بين الابطال من
" هيمون" ، إلى " قسطنطين " ، إلى " هاملت " ، إلى
بطل دم شاعر.... جميعهم يتشابهون في موقف واحد و كان كاتبها واحد ؛ و كان نصهم
الدرامي واحد ، و كان مذهبهم و مدرستها الفنية واحدة ، و كانهم خلقوا لكل عصر و
لكل زمان. كون انشغالات و قضايا الإنسان النفسية و الاجتماعية الإقتصادية السياسية
في مجرى الزمن و التاريخ واحدة.
من الصعب اليوم على جماعة فنية ان تجسد و تترجم و تفسر نصا دراميا على
الركح دون أن يكون مطلعا على مختلف التاثيرات و اوجه الاختلاف و التشابه مع سائر
الاوجه الدرامية التي درسها او اطلع عليها. و لا فهمه قاصر و بالتالي يصعب تبليغ
رسالته إلى الجمهور الذي لم يعد يملك الا نصف عقله و نصف ذكائه و الباقي اصبعه على
لوح هاتفه النقال ينتظر بقلق متى يلج إلى منصات شبكات التواصل الاجتماعي ، تماما
كمن يضع اصبعه على زناد مسدس كاتم الصوت و من مسافة صفر تحت أقل الأسباب يضغط على
الزناد، و يخسر المسرح جمهوره أكثر مما خسره في الماضي و الحاضر و المستقبل لا يبشر
بالخير لا بأدب و بأدب مقارن؛ ناهيك عن مسرح مقارن غير معد اصلا ليتجسد على خشبة
المسرح ، انما من باب الفضول و البحث عن جدوى الثقافة في عصر سمي عصر القارئ ؛ لكن
لا أحد يريد أن يقرا !.