تاريخ ميلاد الاديب الفنان المثقف
العقيد بن دحو
إذا كان -
بادئ ذي بدء - لا بد من تحديد تاريخ رمزي لظهور " الاديب" هو سنة 1755 ، يوم ان كتب الكاتب (صمويل
جونسون) / Samuel jhonson رسالته
الشهيرة إلى( اللورد تشستيرفيلد) / Lord tschesterfeild
يلتمس فيها مساعدة مالية لنشر كتابه ( المنجد ) او ( القاموس) / Dictionaire
والبقية معروفة....!.
صحيح قد يقول
قائل مؤشر ظهور الاديب قديمة قدم التاريخ
؛ بل ما قبل التاريخ .
لكن كان لابد
للدارسين و الباحثين و للنقاد من تحديد تاريخ رمزي لدراسة احداثيي ؛ نقطتي فاصلة
وترتيب مراحل تطور و نمو السوسيولوجي الادبي الفني الثقافي على محورين متعامد
متجانس الزماني و المكاني و الحدث لهذا المبدع وللظاهرة ومحيطه في حدود انتشار
العرق و البيئة و التاريخ ( تين).
وان اردنا
احصاءا ادبيا شاملا نلجأ إلى فكرة الجرس المقلوب !.
يمكن لدارس
علم سوسيولوجية الأدب سواء " روبيرا اسكاربيب" او " دور كايم"
او حتى العلامة بن خلدون يكتشف ان الاديب او الفنان او المثقف له تاريخين ميلاد ، و ربما بمسقط راس واحد او بمسقطي راسين
!.
صحيح الاديب
لا يولد وملعقة ذهب ادبية في فمه ؛ بل يولد بعد صعوبات من المراس و الثعب، و بعد
مطبات وعراقيل وصعوبات من الانكسار و الخيبات المادية و المعنوية و البشرية ، إلا
أن قوى غيبية تدفع بالادب إلى الأمام رغم كل شيئ ، و مع ذلك بعضهم يصل إلى آخر
العمر اديبا فنانا مثقفا ، و بعضهم لا يصل الا بعد وفاته ؛ حيث يكتب له عمرا ثان ؛
تزدهر فيه أعماله الأدبية الفنية الثقافية التي كان محجوبة عليه لأي سبب كان.
واذا كنا
نعلم بعضها لأسباب طبيعية كون لعبة (المجايلة) تتطلب ذلك ؛ اي حينما يلجا الجيل
القديم الذي يسبقهم من تكوين الجدار العازل او الحائل او الستارة او الجدار الرابع
الثقافي ؛ المانع و الصاد لولوج او عبور اي اديب نحوهم او التقرب منهم . من هنا تأتي
انتكاسة ونكوص وعدم وصول بعض الأدباء و الفنانين و المثقفين الشباب !.
في هذه
الحالة لن يصلوا الا بعد ان تخف وثيرة صغط هؤلاء الآدباء الذين شكلوا عصبة
بيروقرطية دكتاتورية (حميدة) ويتحطم الجدار الرابع الذين شكلوه من حولهم كحماية
لهم من وصول هؤلاء الشباب.
كان لا بد ان
يتفهم الباحث هذه الحالة التي تبدو شادة نوعا ما ؛ غير انها (متطبعة) حتى لا اقول
طبيعية !.
من الصعوبة
بمكان ان يصل أديب اليوم مبتغاه بكامل قواه العقلية النفسية الجسدية ، ما لم تلحقه
وخزة من وخزات الاوائل او كابوسا من كوابيسهم !. و العديد منهم يتوقف في وسط
الطريق ؛ ان لم يجد يد المساعدة التي تشده الى جادة السبيل ؛ و تحميه وتدافع عليه
من سطوة وهيمنة الآباء و الاجداد المبدعين.
- خلق
الإنسان ليكون ناجحا وخلق ( المجتمع) ليمكنه من النجاح -
غير الاديب
عموما محظوظا اجتماعيا ، يولد مرتين ؛ مرة كسائر البشر أجمعين ولادة طبيعية
فيزيولوجية بيولوجية جينيكولوجية. وولادة اخرى ثانية ادبية اونثربولوجية
سوسيولوجية اوندراغوجية ، يعيش حياتين بل عدة حيوات متداخلة دفعة واحدة . لكن عندما يبلغ من العمر (21 -
35) سنة هنا تبدأ مرحلة العمر الثانية للاديب الفنان المثقف ، المرحلة السن
الأدبية وهو تاريخ بداية الكتابة او ممارسة الفن الواعي او اللاوعي سواء رسما او
نقشا او نحثا او ايقاعا ما زمكانيا.
ان معظم
الصبيان و اليافعين وصغار المراهقين الشباب يمضون جانبا كبيرا من وقتهم ، عنذ سن
(14 - 18) في احلام النوم و احلام اليقظة.غير ان الحلم ليس شعرا بمعنى ليس ادبا ،
ثم يصير هؤلاء ادباء ما بين سن (18- 22) ، حتى إذا ما حولوا احلامهم إلى صور.
حتى قيل أن
كتابة الشعر في سن العشرين ليس دليلا على ان هذا الإنسان شاعرا او اديبا او فنانا
او صار مثقفا ، بل يكونه إذا كتب ما بين سن (30 - 50) بعد مرحلة الصور هذه ، التي
هي مرحلة الشعر ، قد تأتي مرحلة الفكر وقد يصير الشاعر الاديب ناقدا او فيلسوفا.
اذ الفيلسوف
هو أديب سابق لم يعد يغبر عن نفسه بالصور . وتعهد الفكر للتغلب عن الهم و الغم و
الوحدة .
يبدأ الاديب
مبدعا و ينتهي نابغة.
لذا منذ
البداية أعداء النجاح و محبطي العزائم ، و من يخشون على مصائرهم ؛ و مصالحهم
الدنيوية ومناصبهم المخملية الساقطة الدنية، هم أولى الناس من يشعرون و يحسون
بقيمة الاديب و قدرته الخلاقة ؛ و لا سيما عندما صارت له سلطة ادبية ، من يوئدون
هذا المولود في مهده حتى لا يستيقظ عملاق التفكير و التغيير المارد من قمقم سبات
السنين العجاف.
كان لا بد أن
نعي ان للمبدع الخلاق للفكر و للشعر ؛ للحلم و للفعل الجميل ان له عمرين كيما نعي
سر وسحر المجتمع المتقدم اجتماعيا و ادبيا معا.
الملموس
لدينا ولدى الناس اجمعين ان الاديب لا يولد وهو أديب؛ وإنما مع مراس شديد وتجارب
مريرة و تقدم في السن . يمر عبرها الإنسان من وهو انسان عارف / Homo
sapiens إلى الإنسان اللعوب/ Homo
ludens إلى الإنسان الشاعر / Homo
poeticus إلى الانسان الخرافي/ Homo
fable . لكنها من حيث الخرافة ميراث الفنون كما
يقول(نيكولاس فريده).
مهمة الاديب
ان يعلم و ان يمتع و ان يهز ويحسن من هذا العالم.
محسود هذا
الاديب ملح الخليقة.
فلو كان يعلم
(هتلر) في أحياء و أمام كل امرأة حامل جنين ملحمة اسطورية ادبية فنية ثقافية لما
وصلت الينا روائع بريخت المسرحية ولا الموسيقيبن الالمان و لا رساميهم.... وغيرهم
ولا فكت و لا
حلت الكثير من الالغاز في تلافيف متاهة ( اريادني) الاسطورية العلمية و غيرها.
وحده الأدب
القيمة الإنسانية التي تخلد و تعمل على انسنة الانسان كما يجب أن بكون دائما و
أبدا.