مناقشة ديوان قطر الغلابة
للشاعر : أحمد سلامة (أبوكبير_شرقية)
ليلة من الليالي الأدبية
والإبداعية الرائعة قضيناها
في مناقشة ديوان
الشاعر ( أحمد سلامة ) بقاعة
الاحتفالات بمركز شباب أبوكبير بمحافظة الشرقية.
حضرها لفيفٌ من
الأدباء والمبدعين ومتذوّقي
الأدب ، من بينهم:
_أ.رمضان وفا .......(رئيس النادي الأدبي المركزي)
_أ.محمد عطاالله......( رئيس
نادي أدب أبوكبير )
_أ.عبد المنعم عيسي(مدير قصر
ثقافة أبو كبير )
_الأديب والناقد ..(عصام صقر)
_الشاعر: محمود ابراهيم
_الأديب الناقد : بهاء الصالحي
_الأديبة : تغريد مصباح.....وآخرون
*وقد شرفتُ وصديقي (عصام صقر) بتقديم ورقتين نقديتين حول الديوان.
__________
*ورقتي النقدية حول الديوان:
..................................
قراءة نقدية في ديوان "قطر الغلابة"
للشاعر : أحمد سلامة( أبو كبير _شرقية)
بقلم : حامد حبيب_مصر
………………..
الذي يهمّنا من وراء العمل الأدبى، هو ذلك الأثر
الذي يتركه فينا ،أياً كان نوع هذا العمل..وعل قدر الأثر الذي يخلفه العملُ
الأدبي تكمُن قيمتُه، وأقصد
مدى التأثير علي القارئ،وانفعال القارئ به.
ولعلكم تذكرون قصيدة مثل قصيدة :
"المجلس البلدى" ل(بيرم التونسي) التي أحدثت ضجّة عالية بين الجماهير،حتي طُبِع منها
عشرات الآلاف من نسخ المجلة بعد
الطبعة الأولي ، لانه تناول أدق تفصيلات الظلم الذي يتعرّض له المواطن
يومياً مع هذا الجهاز ، ومعناه أيضاً : أنّ علي الكاتب أو الشاعر أن يكونَ حاضراً في قضايا مجتمعه ، أي واقعياً ،
كما قال (ابن عربي) : "الأديبُ مَن
عرف وقتَه".
ولقد أخذ شاعرنا في ديوانه من واقعه ماشاء أن يأخذ،وتناول أدق تفاصيل
الحياة،وأفضي بشعره
إلي هذا المجتمع، كما جاء في تفصيلاته الدقيقة
في"قطر الغلابة" التي لم تكن تخلو من إيماءة
للمعاناة التي يعيشها المواطن
البسيط في كل تفصيلات حياته، لأنَّ من صفات
الأديب : "أنه
مؤهَّل شعورياً ومعرفياً ،
لالتقاط خفايا الحركة
الباطنية في عمق المجتمع المنتمي إليه،وهو السامعُ
للهمسات ،والملاحِظ لمغزي النظرات بعينٍ مجهرية.
وقد قال(طه حسين):"أنَّ الاديبَ يستمد قضاياه من جمهوره،وهو يعود فيرد
مااخذه إلي هذا الجمهور.
—--------------------
إنَّ العملَ الادبيَّ أيّاّ كان
نوعُه ، إنما هو تجرِبةٌ من تجارِب الكاتب ..قد تكون هذه التجربة في بداياتِها
ولها خصوصياتها،وكل تطوّر في التجربة
يصاحبُه تغيير ما.
وكلُّ تجرِبةٍ تحمل ُ خبرةً من خبرات الكاتب ، لذا..
نجد العملَ الأدبي لدي الكاتب الواحد يتغيّر من صورةٍ لآخري ، وللكُتّاب
عموماً يختلف من كاتب
لاخَر ، بحسبِ التجارب الحياتية والخبرات الثقافية
الخاصة بكل كاتب..فالتجارب نسبية بالنسبة للكاتب نفسه ، وبالنسبة لكل كاتب
وآخر ، وهو ما يؤدّى لمزيد من التنوّع في الكتابة أسلوباً وموضوعاً
وفي كيفية التناول.
……..
والتجربة لدى الشاعر (أحمد سلامة)
هي التجربة الثانية..
عبَّرَ من خلالها وعَبرَ جُملةٍ من قصائد ديوانِه الذي
يحمل عنوان "قطر الغلابة" ،عن بيئةٍ جاء العنوان مناسباً لها ، إذ قصد من وراء العنوان "حياة
الغلابة" .فالبيئةُ التي تناولها الشاعر
(القطر/الشارع/الغيط) هي تلك البيئة الريفية البسيطة ،التي كان لابد للشاعر
مخاطبتها بأسلوبٍ
بسيطٍ ،يصلُ إليها بسهولة . وجاءت قضاياه مرتبطة بتلك المفردات التي
محورُها أولئك البُسَطاء،ودورةُ حياتهم المعتادة التي تدورُ في فلكِ
المُعاناة ، كقوله في قصيدة" قطر الغلابة" التي
هي عنوان الديوان:
وِقف القطر وسلَّم
نفسُه
يثبت إنُّه عمرُه
ماغاب
اللي بيركب واللي بينزل
ناس يعرفهم وناس أغراب
واللي هوايتُه واقف يتزنّق
واللي ينادى على الاحباب
….
فات القطر وفات
العيلة
واللي باقي هيّه
الشيلة
_____
ويقصد أنّ المعاناة باقية كما هي في كل يوم…وقد
جاء في القصيدة بوصف تفصيلى للغاية للرُكّاب…
وقد جاءت غالبيةُ قصائده علي تلك الهيئة من التفصيلات الجزئية ، علي هيئة
حكايات ، وهو مانستطيع أن نقول عنها "القصيدةُ القصة" أو"القصيدة
الحكّاية"..كتلك الحكايات الشعبية التي
كان(بيرم التونسي) يلجأ إليها زيادةً في السخرية
من بعض الأوضاع،حين قال(مثلاً) يكشف غرض
الاستعمار الخبيث في إضعاف تشبُّثنا بديننا وتغيير
عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة :
والمصاحف في المتاحف حطّيناها
منها ذكري ومنها فُرجة ومنها زينة
وانتهي عهد البراقع
والملاية
والنِّسا للرّكبتين ماشيين
عرايا
أُمّى واختي وزوجتي أُهُم رايحين معايا
ع البلاج ،
والدنيا تتفرّج علينا
زيُّكم في كل شئ يااهل الحضاره
زيّكم بايتين علي ( اليوكَر) سهارَى
والحانات من كل نوع في كل حارة
عيب عليكم بعد
ده تستعمرونا
_______________
وضمّ الشاعر إلي جانب قضايا البسطاء،بعض السلوكيات التي استهجنها ،في إشارة
لرفضها ..
كما في قصيدته:"كراكيب" حين يقول:
كراكيب في الشارع مرميّة
وبهايم راكبة عربيّة
والصوت بيزعق وينادي
خليك علي جنب
شويّه
…….
ولم ينس القضية القومية "قضية فلسطين"
في قصيدته"حنين" ،حين قال:
عود الزيتون انقلع / والأرض صبحت بور
أبكي علي نفسي / ولّا
علي المساكين
الحق تاه في الطريق/ولا ضاع وسط السنين
__________
ولم ينسَ نصيبَه من تجاربه الذاتية مع الحياة
وخاصة في باكورة شبابِه ، فتحدّث عن أولي تجاربه العاطفية في
قصيدته"جوابات"،وقد كانت
الجوابات هي الوسيلة المُتَّبعة في العلاقات الغرامية
في العهود الماضية ، فكتب يقول:
ولاوّل مرّة اكتب جوابات
وارسم قلب عليه سلامات
…..
أنا عارف انّك
سامعاني
من غير ماابعتلك مراسيل
ماهي روحك دايماّ حضناني
واسمك طعمُه علي لساني
والشوق بيصرخ جوّايا
ويقولّك إنّك وحشاني
___________
كما لم ينسَ ذلك الحنين إلى الطفولة، ويذكّرنا معه
بذلك العالم النقي الرائع الذي كنا نعيشه،حين يقول
في قصيدته"حواديت":
أيام ماكنا عيال …..
الدنيا كانت أجمل مراية
أحكي عن الطيبة واللّمّة
وحنان الخالة والعمّة
أحكي علي قعدة العصريّة
ولمّة الغيط في المغربية
….وكانّه يرثي الماضي ونقائِه في مقابَلة مع الحاضر وماحدث فيه من هدمٍ لما
كنا عليه ،خاصة
في مجتمعاتِنا الريفية التي تغيّرت ملامحها .
________
لكن الهمّ الأكبر الذي يصاحبُه في الديوان ،هو تلك المواجهه مع الحياةِ
التي هزمته، والعمر الذي ضاع دون أن يحقِق أمنياته في تلك الحياة..فتارة
يقول في"سنين الضياع":
السنين اتسرسبت من بين إيديّا
لاوقفِت تسلِّم ولاتسال
عليّا
أشكى لمين الأسى/ لو شايفه حالي وسامعاني
أنا تعبت ياسنين
الضياع
مين اللي اشتري ومين اللي باع
____
وفي "صرخة ألم":
أنا صورة من
غير ملامح
ضاع فيها إسمي وعنواني
أنا ابن الملاجئ
والشوارع
أنا راضع من صدر المواجع
…وهذا السطر الشعري الأخير به صورة مجازية
رائعة جسّدت حجم المعاناة.
_________
وفي قصيدته"معاني":
إيه في حياتنا له معني
قول يازمان وسمّعنا
مين السبب في الفُرقة ؟
ومين يقدر يجمّعنا ؟
…أسئلة تحمل معها أمنيات الكثير منا.
_________
وفي "نفسي أعيش": أمنية أفلاطونية في خَلق عالم
مثالي ،حين يقول:
نفسي اعيش جوّا نفسي
وابني عالم من
خيالى
والقي روحي صاحية تحلم
والوجود أصبح مثالي
__________
اتخذ الشاعر من الأسلوب الزجلي وسيلةً للوصول
إلي قُرّائه ، وهو أسلوبّ صريحٌ مباشر يحمل السخرية من الحياة ومن سلوكيات
بعض البشر
..فهو أسلوب حادٌّ ولاذع لايحتاجُ إلي الإيماءات
والايحاءات والإشارات والرمزية التي في الشعر
لانه يخاطب البسطاء، والبسطاء يحتاجون إلي مثل
هذا النوع لبساطته .
ولقد شاع هذا النوع في فتراتٍ كان المجتمع في أشد الحاجة إليها لتستنهضه في
مواجهة الاستعمار
والتغيرات التي تحاول هدم مبانيه الاخلاقيه وعاداته وتقاليده ، والوقوف في
وجه الطغاة
والمعاناة المعيشية، وربما هذا يذكرنا بالمدينة حين قال في
مجلة"التنكيت والتبكيت":
ضحكت علي عقولنا
الخواجات
والدين مات ..والكل متهاون غفلان
عجب عجب حتي التحريف..وصل الريف
والخمرة تُشرَب ع الكمان
تلقي العُمَد قبل الإمساك،شربوا الكونياك
أنظر مَن بات سهران
وابن البلد ماتنساهشي..لما تمشي
تلقاه من البيرة
عَميان
….وكذلك ماقاله(يعقوب صنوع):
إيه دي العبارة المنحوسة
صبحت دوايري معكوسة
والحسرة فيّه مفروشة
دي وقعتي وقعة خرفان
شُرُم بُرُم… حالي غلبان
..كان لهذا النوع وهذا الأسلوب مطلب ورواج في فتراتٍ ما ، وكان ذكاءً من
الشعراء أن يصلوا إلي
أعماق الريف والأحياء الشعبية ، من أجل صحوة
تناهض كل مساوئ الحياة ، من خلال مخاطبتهم بما يلائم مستوياتهم الثقافية.
سار الشاعر في كثير من قصائده علي هذا النهج الزجلي كوسيلةٍ إلي الوصول
للقارئ بلا معاناة.
________
ولن نمرَّ بالديوانِ هكذا دون الرجوع والتوقف عند
الإهداء، الذي يشير إلي الوفاء الذي نحن في حاجةٍ
إليه والتأكيد عليه.ورحم الله كل من ذكرهم الشاعر
وتحياتنا له ، مع تمنياتنا له بالتوفيق.