الكتابة حرب بلا هوادة
العقيد بن دحو
واخيرا كما صارت السياسة فنا ؛ فن الممكن ؛ و كما هي الكتابة ذاتها فنا ؛
فن عمل رابع . وكما هو علم الرؤى و السحرية الاغريقية الهرمسية صارت فنا ، فإن الحرب
ذاتها فنا من الفنون ، يخطط لها الفنيين و الشعراء مهندسي الروح كما قال (اسطالين)
: شو يقوم بتنفيذها العسكريين مستخدمين كل الوسائل اللوجستيكية البشرية و المادية
و المعنوية ، و مختلف المعدات و الوسائل الحربية الخفيفة و الثقيلة ، الأرضية
الجوية البحرية و حتى الفضائية الكلاسيكية منها و الحديثة و الاستراتيجية الردعية
، دون أن ننسى اللوجستية الاستخباراتية و مختلف منصاتها من بنيات تحتية و فوقية.
ومنذ ان ازدرد نابليون بونابرت الجيوش و احتوى أوروبا، صارت الكتابة تقوم
بدور الحرب و هو القائل : " جريدة واحدة تعادل مئة حرب " سنة 1755.
فانظر لو تكون مئة جريدة ومئة كتاب و مئة مختلف الوسائل الورقية و الرقمية
التي تكتب بها المقالات.
تعود فكرة الحرب الكتابية او الكتابة من حيث هي حرب إلى المدرسة و المذهب
السيريالي ما بين (1919 - 1929) بباريس ؛ أين قدمت هذه المدرسة السيريالية القوافل
من الشهداء جراء كتاباتهم المناهضة للنازية الالمانية و أصبحت يوم ذاك في قلب
الاعاصير والزوابع و التوابع الحربية.
واذا كان الشاعر مجبول على الخلق و الإبداع، و الكاهن بفعل المعرفة فإن من
شان المقاتل المحارب الجندي فعل القتل.
اذن صار الجندي بجبهات القتال فنانا ؛ كما صارت الحرب - ولو على مضض - فنا
من الفنون الزمكانية.
وحتى منطق الكتابة ؛ ان كان للكتابة منطقا ليست كلها بريئة او كما يحسبها
القاصر النظر : دون أن ينظر إلى مسرح المعارك (...) من جميع الجهات الممكنة. تماما
كما أن الأدب ليس كله ادبا ؛ تماما كما هي رسائل الغرام و الحب ليس كلها حبا و حتى
ان جن الفاعل و صار متيما بمعشوقته الا ان تخفي عدة لبوسات ولوغوسات في حاجة إلى
أناس مختصين يفكون ويحلون شفرتها العسكرية او لا . على مخابرات علم الكلام و علم
تركيب الجمل ، بل كل كلمة في نص ما تحمل سلاحا في رحم الزمن.
ولذا الرسائل التي كانت تورد بريديا من جبهات القتال لامهات الجنود
المحاربون كانت تؤشر بالخاتم الأحمر. كمؤشر
لم تعد تحمل الطابع البريدي للرسائل و انما كلماتها حتى ان كانت حبلى
بالكلمات العاطفية الجياشة واواصر المحبة الا انها عواطف حربية ؛ ينطبق عليها قول (
رامبو) : سبب تفوقي على الآخرين لاني بدون قلب " !.
اذن اخيرا الكتابة صارت بلون البزة العسكرية تمويها و تخندقا ، و حتى ضربات
استباقية ، و حراسة ليلا ونهارا.
ولم تتأخر الكتابة عندنا قامت الصورة الالكترونية أصبحت في قلب الفضاء
الأزرق و احتجت لها مكانا على منصات شبكات التواصل الاجتماعي ؛ يحسب لها الف حساب
، و لا سيما في اخبار البروبجندا و الدعاية الحديثة الذباب الالكتروني .
اخيرا أدركت الناس ان الكتابة لم تكن تقوم بلعبة دور النملة بالصيف و لا
بدور الصرصور في الشتاء ، و انما كانت تخرج من شرنقة و عباءة وبرنس الزخرف و توفير
الاعاجيب و السحر و الترف إلى البزة العسكرية القتالية حيث تعيد أسطورة الفنان
رؤية الشاعر و العراف ؛ الكاهن ؛ الجواب ورؤية الجندي المحارب المقاتل .
أين يصير الإبداع لعبة الله ، الإله(رامبو) المعني بمحبة الالهام و الجمال
و الحب / Eros البطل و بدوره المحارب المقاتل ، وصورة او مشهد (زيوس) الطقس
المهيمن على مشهد معين قضاء وقدر .
وكما يمكن أن يخسر المقاتل معركة و يربح الحرب نفس الشيئ بالكتابة و كما
يمكن ربح جولة يخسر جولات ، كما يربح و
يكسب الحرب بكل تجلياتها و خلفياتها ومرجعياتها اللغوية الدينية العرقية البيئية
التاريخية و اخيرا الثقافية. مكونا المقاتل فيها جماعة او قربى او قطاعا حربيا
مقدسا. بينما يغدو الإعلام وقتئذ بدوره اعلانا حربيا ينقل اورستقراطية الكتابة إلى
الدوائر الشعبية ؛ ليعيش الجميع أجواء الكتابة التي هي اساسا و اسا أجواء حرب.
صحيح اليوم ( بلزاك) الروائي الإله يصنف نابليون بونابرت في خانة الكتاب
كونه ازدرد الجيوش ، تزوج من أوروبا وعاش حياتها ؛ بل و بامكانه ان يحمل مجتمعا
باكمله في ذهنه.
وهكذا كما تبدأ الحرب على الطاولة تتوقف على الطاولة ايضا؛ لابد من جولات
المفاوضات أين يقررا المجلسين من المغلوب و من سيصير مولع بتقليد الغالب ! .تتغير
فيها الكثير من المعطيات المجال الحيوي و من يملك ناصية الحق التاريخي.
أحببنا ام كرهنا صارت الكتابة حربا ؛ كما صارت الحرب فنا ، كما صار المقاتل
الجندي المحارب فنانا يشكل أسطورة فنان ؛ حين يتحد مع الوحش قدما نحو مصير مشترك
جديد.
ولا وراء كل حرب فكرة جديدة فوضى خلاقة او عولمة... فإن وراء كل كتابة
جديدة مذهبا جديدا او مدرسة جديدة من اجل انسنة نتائج الحرب و ليست الحرب ذاتها .